غزة...مذبحة الإنسان والمُناخ

الكاتب: جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
أدى العدوان الدموي الإسرائيلي في الفترة الممتدة بين تشرين أول/ أكتوبر 2023 وكانون ثاني/ يناير 2025 إلى تدمير بيئي غير مسبوق، له آثار متتالية على النظم المناخية الإقليمية والعالمية. وحسب التقديرات العلمية الأولية، وَلَّدت الحرب في أول 60 يوما من اندلاعها، أكثر من 281,000 طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون - متجاوزا البصمة الكربونية السنوية لـ 20 دولة هشة مناخيا – فضلا عن تدهور النظم البيئية وتلويث الموارد المائية وزعزعة قدرات عزل الكربون في التربة.
آثار مدمرة على النظام المناخي في منطقتنا ناتجة عن كميات ضخمة جدا من ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من الطائرات الحربية الإسرائيلية وقصفها الواسع لقطاع غزة، بالإضافة للعمليات العسكرية الإسرائيلية البرية المكثفة بالدبابات والآليات الثقيلة والمدفعية والقنابل والقذائف والصواريخ. القصف المنهجي للبنية التحتية الحضرية أدى إلى إنتاج أكثر من 37 مليون طن من الحطام الذي يحوي موادً خطرة، في حين أن التصريف اليومي لمياه الصرف الصحي، والذي يتجاوز 130 ألف متر مكعب، خلق مناطق بحرية ميتة وبؤرً ساخنة لانبعاثات غاز الميثان.
المقال التحليلي التالي يعالج التقييمات الأولية لتحديد تقاطع الحرب مع تغير المناخ البشري المنشأ، باستخدام منهجيات من العلوم البيئية ودراسات الصراع وكيمياء الغلاف الجوي لنمذجة التأثيرات الفورية والمتتالية.
اضطرابات ميزانية الكربون بسبب التعبئة العسكرية انبعاثات الطيران العسكري
في مرحلة القصف المكثف لقطاع غزة (أكتوبر 2023 - مارس 2024)، وفر نشر سلاح الجو الإسرائيلي للطائرات المقاتلة من طراز F-15I Ra'am وF-16I Sufa دراسة حالة مثيرة لانبعاثات الطيران العسكري.
استهلكت كل طلعة جوية بواسطة طائرة F-15I ما يقرب من 5,500 لتر من وقود JP-8 في الساعة، ما ينبعث منها 14.3 كغم من ثاني أكسيد الكربون لكل لتر محترق. وبالتالي، مع 6,200 مهمة قتالية موثقة في أول 90 يوما، أنتج هذا الإيقاع التشغيلي 476,000 طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون – ما يعادل الانبعاثات الوطنية لدولة الجبل الأسود (Montenegro) لعام 2022. يضاف إلى ذلك الجسيمات الناتجة عن تفجير الذخائر، وخاصة 25000 طن من المتفجرات المنتشرة (خلال أول ثلاثة أشهر من العدوان)، 18000 طن من الهباء الجوي الكربوني الأسود، بما يتضمنه من طاقة احترارية كامنة (احتباس حراري) لمدة 20 عاما أكبر ب 1500 مرة من ثاني أكسيد الكربون. ديناميكيات الكربون في الغزو الأرضي
الفرق الإسرائيلية المدرعة التي تشغل دبابات Merkava IV (التي تستهلك 3.8 لتر/ كم خلال العمليات القتالية) وناقلات الجنود المدرعة من نوع Namer، أنشأت نقاطا ساخنة للانبعاثات المحلية. تَقَدُم اللواء 40 (الإسرائيلي) عبر شمال غزة (في تشرين ثاني/ نوفمبر 2023) استهلك وحده 2.1 مليون لتر من الديزل، ما أدى إلى انبعاث 5,670 طنا من ثاني أكسيد الكربون على مدى 23 يوما، أي ما يعادل الانبعاثات السنوية لـ 1,200 مركبة ركاب. في ذات الوقت، أدى الانهيار الهيكلي لـ 62٪ من المباني في غزة إلى إطلاق 12 مليون طن من الكربون المدمج من عمليات إزالة الكربون من الخرسانة. تأثيرات سلسلة التوريد اللوجستية
تجسد عملية الجسر الجوي العسكري الأميركي المكثف لدولة الاحتلال الإسرائيلي (200 رحلة من طراز C-17 Globemaster III حتى كانون أول/ ديسمبر 2023) انبعاثات سلسلة التوريد المرتبطة بالحرب.
أحرقت كل رحلة من قاعدة Dover AFB (الأميركية) إلى قاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية (في صحراء النقب) 72,000 لتر من وقود Jet A، بإجمالي 14.4 مليون لتر. وعند احتساب إجمالي الانبعاثات الناتجة عن الجسر الجوي، خلال الفترة الزمنية القصيرة المذكورة (بما في ذلك الاستخراج والتكرير والتشكيل العارض)، نجد أن هذا الدعم اللوجستي ساهم بـ 412,000 طن من ثاني أكسيد الكربون - متجاوزا انبعاثات قطاع النقل في دولة مالطا لعام 2021.
تفكك النظام البيئي
· اضطراب الدورة الهيدرولوجية
أدى تدمير محطات معالجة مياه الصرف الصحي الثلاث في قطاع غزة و65٪ من خطوط أنابيب المياه إلى أزمة بيئية مستمرة؛ فالتصريف اليومي لـ 130,000 متر مكعب من مياه الصرف الصحي غير المعالجة في البحر الأبيض المتوسط، أدى إلى نقص الأكسجين الممتد لمسافة 17 كم قبالة الشاطئ، ما تسبب في القضاء على 94٪ من مروج الأعشاب البحرية Posidonia oceanica - وهي بالوعة كربونية زرقاء مهمة تخزن 4.2 كغم من ثاني أكسيد الكربون/ متر مربع سنويا. كما أن التلوث المتزامن للمياه الجوفية من بقايا الذخائر (خاصة "البِركلورات" الناتجة عن الوقود الدافع الصاروخي بتركيزات تصل إلى 86 ملغم/لتر) جعل القسم الجنوبي من طبقة المياه الجوفية الساحلية، غير صالح للشرب، ما تطلب مشاريع تحلية المياه كثيفة الاستهلاك للطاقة تنبعث منها 48 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا.
· علم السموم في التربة وفشل احتجاز الكربون
كشفت تحليلات التربة بعد العدوان (كانون ثاني/ يناير 2025) عن تلوث بالفوسفور الأبيض يتجاوز 1,800 ملغ/كغ في المناطق الزراعية شمال غزة- أي أعلى بـ467 مرة من مستوى الفحص البيئي لوكالة حماية البيئة (الأميركية). هذا الحمل الكيميائي قضى على مجتمعات الفطريات الجذرية المسؤولة عن احتجاز 70% من الكربون العضوي في التربة. النماذج المستندة إلى التلوث في حرب الشيشان تشير إلى أن استعادة التربة السطحية قد تستغرق أكثر من 34 عامًا. فقدان 125,000 دونم من الأراضي الصالحة للزراعة أدى إلى القضاء على قدرة حوض كربون تعادل احتجاز 225,000 طن من CO₂ سنويًا—ما يعادل إزالة 155 كم² من الغابات المعتدلة.
· انهيار التنوع البيولوجي
توثق تحليلات الأقمار الصناعية متعددة الأطياف انخفاضًا بنسبة 92% في قيم "مؤشر الفرق النباتي المعياري" (NDVI) عبر الأراضي الزراعية الشرقية في قطاع غزة، وذلك بحلول الربع الثالث من عام 2024. أدى هذا الفقدان في الغطاء النباتي إلى انهيارات غذائية، حيث انخفضت أعداد طائر الحجل المرقط (Pterocles senegallus) بنسبة 78%—وهو موزع بذور رئيسي للنباتات المقاومة للجفاف. انهيار مجتمعات الملقحات (انخفاض بنسبة 92% في مستعمرات النحل) يهدد قدرات تجديد المسطحات الطبيعية الجافة في المنطقة، وهي حيوية للتكيف مع تغير المناخ.
· تعديل "البياض" الناتج عن الحطام الحضري
ولد تدمير البنية التحتية في قطاع غزة إلى حوالي 37 مليون طن من الأنقاض، ما خلق سطحًا عالي الانعكاسية بمساحة 58 كيلومترًا مربعًا وبمعامل انعكاس يبلغ 0.63. نماذج المناخ متوسطة النطاق تشير إلى أن هذا التغير في البياض/ albedo (أي نسبة ضوء الشمس المنعكسة عن السطح) الناجم عن الأنشطة البشرية، أدى إلى انخفاض الحمل الحراري بعد الظهر بنسبة 42٪، ما قلل من الكمية التراكمية للأمطار (خلال الفترة نيسان/أبريل-تشرين ثاني/نوفمبر 2024) إلى 83 ملم، أي أقل بنسبة 56٪ من المتوسط على مدى 20 عامًا. تعمل هذه الحلقة الراجعة للتجفيف على تفاقم اتجاهات التصحر في منطقة البحر الأبيض المتوسط المتوقعة حسب بعض السيناريوهات.
زيادة البياض السطحي الناتج عن الحطام الحضري يؤدي إلى انعكاس المزيد من الإشعاع الشمسي، ما يتسبب في انخفاض درجات حرارة السطح. هذا التأثير التبريدي تحديدا يقلل من التدرج الحراري بين سطح الأرض والغلاف الجوي، ما يضعف الأحمال الجوية الضرورية لتكوين السحب وهطول الأمطار، وبالتالي يؤدي انخفاض النشاط الحملي إلى تقليل هطول الأمطار.
يتماشى الانخفاض الملحوظ في هطول الأمطار مع التوقعات المناخية الأوسع لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، إذ تشير الدراسات إلى أن منطقة البحر الأبيض المتوسط تشهد اتجاهًا ملحوظًا للاحترار، حيث ترتفع درجات الحرارة بمعدل أسرع من المتوسط العالمي. يرتبط هذا الاحترار بزيادة الجفاف وانخفاض هطول الأمطار، ما يساهم في حلقة التجفيف الراجعة الملاحظة في قطاع غزة.
باختصار، أدى تعديل البياض الناتج عن الحطام الحضري في قطاع غزة إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار المحلي. يشير هذا التأثير، جنبًا إلى جنب مع التوقعات الإقليمية لتغير المناخ، إلى تفاقم اتجاهات التصحر في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
· انبعاث الميثان من التحلل اللاهوائي
تحت أكوام الأنقاض التي يتجاوز عمقها 6 أمتار، ينتج عن التحلل اللاهوائي للمواد العضوية (من 11 ألف رأس من الماشية المدفونة و4,300 طن من المخزونات الغذائية) أعمدة غاز الميثان (4CH) التي يمكن اكتشافها عن طريق أجهزة استشعار الأقمار الصناعية TROPOMI. قياسات التدفق في كانون أول/ ديسمبر 2024 وصلت إلى 1,892 كغم CH₄/ ساعة - أي ما يعادل 47,300 طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون يوميا. يمثل هذا المصدر الوحيد الناتج عن الحرب 0.6٪ من انبعاثات الميثان العالمية من مكبات النفايات، رغم تغطيته 0.02% فقط من مساحة اليابسة على الأرض.
· حقن التروبوسفير والستراتوسفير من الذخائر
أدت التأثيرات عالية السرعة لقنابل GBU-28 الخارقة للتحصينات (التي تخترق 6 أمتار من الخرسانة) إلى نقل 840 طنًا من الجسيمات إلى التروبوسفير العلوي والستراتوسفير (أول طبقتين في الغلاف الجوي). تظهر بيانات CALIPSO lidar أن 22% من الجسيمات وصلت إلى ارتفاع 14 كم، ما قد يؤثر على تشكيل سحب السيروس (غيوم قصيرة على ارتفاعات عالية جدا).
آثار مناخية كارثية لإعادة الإعمار
أجرى باحثون في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية دراسة حديثة تناولت الآثار البيئية والمناخية الكارثية لإعادة إعمار قطاع غزة، ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تفاصيلها. كشفت الدراسة أن تكلفة الكربون لإصلاح الدمار الهائل الذي خلفه جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ستكون أكبر من انبعاثات غازات الدفيئة السنوية التي تنتجها 135 دولة بشكل فردي، ما يزيد من تفاقم حالة الطوارئ المناخية العالمية.
وأشارت الدراسة إلى أن إعادة بناء نحو 200 ألف مبنى سكني، مدارس، جامعات، مشافي، مساجد، مخابز، ومحطات المياه والصرف الصحي التي دمرها جيش الاحتلال، خلال الأشهر الأربعة الأولى من العدوان على قطاع غزة، ستولد ما يصل إلى 60 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون )e2tCO(، أي ما يعادل إجمالي انبعاثات عام 2022 لدول مثل البرتغال والسويد، وأكثر من ضعف الانبعاثات السنوية لأفغانستان. وفيما يتعلق بتأثيرات العدوان على النظام المناخي، أوضحت الدراسة أن الهجمات الجوية والبرية الإسرائيلية في أول أربعة أشهر من العدوان، وَلَّدَت انبعاثات مسببة للاحترار العالمي تفوق البصمة الكربونية السنوية لـ 26 دولة حول العالم. ومن المثير أن أكثر من 99% من الكمية المقدرة بـ 652,552 طن متري من ثاني أكسيد الكربون التي تولدت في الأشهر الأربعة الأولى للعدوان، مرتبطة بالقصف الجوي الإسرائيلي والغزو البري لغزة.
كما أن حوالي 30% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون نتجت عن الجسر الجوي العسكري الأميركي الداعم للعدوان، وتحديدا 244 طائرة شحن أميركية معروفة زودت دولة الاحتلال بالقنابل والذخائر والإمدادات العسكرية الأخرى، خلال أول شهرين من العدوان الإسرائيلي. وبصرف النظر عن حجم المذابح البشرية المرعبة وغير المسبوقة في العصر الحديث، كشفت هذه الدراسة عن نفاق العديد من الحكومات الغربية التي تزعم تحليها بالأخلاق بشأن مخاطر تدمير المناخ ومسؤولية كل دولة عن حماية الكوكب، في الوقت الذي تمول فيه وتساعد وتُمَكِّن العدوان الدموي الكارثي لدولة إسرائيل وآثاره على المتضررين من تغير المناخ الحالي والمستقبلي.
وبالعودة إلى الوراء، قبل العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، فإن الحروب التي شنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، فضلا عن المناورات والتدريبات والعمليات العسكرية العدوانية اليومية الموجهة ضد الفلسطينيين والعرب في فلسطين ولبنان وسوريا وغيرها، تسببت في انبعاث مئات ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون وسائر غازات الدفيئة. وتعادل كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة نتيجة للنشاطات العسكرية الإسرائيلية العدوانية، تلك الكمية الناتجة عن تسيير عشرات ملايين السيارات في شوارع فلسطين وسائر أنحاء الوطن العربي.
حرائق لوس أنجلوس وغزة: دروس وعبر
يُجمع معظم علماء المناخ على أن الحرائق الضخمة المندلعة في العديد من دول العالم، هي من صنع الإنسان. الحرائق المرعبة التي اشتعلت في كانون ثاني الماضي في كاليفورنيا (لوس أنجلوس)، وغطت مساحات شاسعة
ودمرت أحياء سكنية كاملة، تعد واحدة من أكثر الكوارث المناخية تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. والمفارقة أن أنظمة المياه عجزت، خلال فترة زمنية طويلة، عن التعامل مع تلك الحرائق واحتوائها؛ في الوقت الذي تنهمك الحكومة الأميركية في تمويل ودعم آلة القتل الجماعي في غزة.
الشركات والصناعات النفطية والعسكرية الكبرى، والأنظمة الإمبريالية المدمرة للمناخ، يعبرون عن غضبهم من طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية والشباب المناهضين للظلم ولجرائم القتل الجماعي ولقصف أهالي قطاع غزة المحاصرين المجوعين بقنابل الدمار الشامل؛ ناهيك عن نشطاء المناخ الجذريين الذين يسعون إلى وضع حد للظواهر المرعبة في العالم، من حروب ونشاطات مدمرة للطبيعة والمناخ والمجموع البشري، والتي تبلغ تكلفتها السنوية آلاف مليارات الدولارات؛ بينما تزعم تلك الأنظمة بأن ليس لديها الأموال الكافية لمنع هذه الظواهر، وترفض إعادة النظر بالجرائم المقترفة ضد البشرية والمنظومة المناخية.
الباحث الأميركي أحمد إيبسيس، قارن مؤخرا (صحيفة: Mondoweiss) بين مشاهد قطاع غزة وهو يحترق طيلة 15 شهرًا من العدوان الإسرائيلي، ومشاهد مشابهة في مدينة لوس أنجلوس الأميركية، حيث غطت الحرائق الواسعة المدمِّرة غير المسبوقة مناطق شاسعة في ولاية كاليفورنيا. ورغم بُعد المسافة، قال الباحث بأن لغة هذه النيران واحدة تجسد أزمة عالمية من الكوارث المترابطة.
وأكد إيبسيس أن التدمير الإسرائيلي للبيئة الفلسطينية ليس وليد العدوان الأخير على قطاع غزة، بل يعود عشرات السنين إلى الوراء، حيث اقتلعت دولة الاحتلال أكثر من 2.5 مليون شجرة منذ عام 1967، منها مليون شجرة زيتون؛ فاستبدلت هذه الأشجار بنباتات مستوردة غريبة عن البيئة المحلية أدت إلى تصحر الأراضي وتدهور التربة. وأوضح أن البنية التحتية الزراعية والمائية في قطاع غزة تعرضت لدمار شامل، حيث سمم جيش الاحتلال التربة الزراعية الخصبة ودمر أكثر من 70% من آبار المياه وآلاف الدفيئات الزراعية.
واعتبر إيبسيس أن الحرائق في قطاع غزة ولوس أنجلوس تعكس ظلم النظام العالمي الذي يدعم الحروب والاحتلال ومراكمة الأرباح، بدلا من حماية البشرية والبيئة. وأكد أن جراح الأرض والإنسان واحدة، داعيًا إلى إعادة النظر في هذه السياسات التي تهدد الإنسانية والبيئة معًا. وأشار الباحث إلى المفارقة المثيرة المتمثلة في اقتطاع مدينة لوس أنجلوس 17.6 مليون دولار من ميزانية الإطفاء، وفي ذات الوقت أرسلت كاليفورنيا 610 ملايين دولار لدعم الاحتلال الإسرائيلي من أموال دافعي الضرائب. وذَكَّر بدور الشركات الأميركية التي تدعم التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، وخص بالذكر شركة "وُنْدِرْفُل" التي تسيطر على موارد المياه في كاليفورنيا.
أطر التخفيف ودمج السياسات: بروتوكولات حساب الانبعاثات العسكرية
يبرز العدوان الإسرائيلي الحاجة الملحة إلى توحيد تقارير الانبعاثات العسكرية وفقًا لإرشادات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ .(UNFCCC) تطبيق نماذج تحليل دورة الحياة على استهلاك الذخائر في الصراع يكشف ما يلي:
· كل قنبلة MK-82 بوزن 500 رطل تولد 2.1 طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون من التصنيع (43%)، النقل (29%)، والاستخدام .(28%)
· كل دفعة صواريخ M270 MLRS (12 صاروخًا) تصدر 4.8 طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون عبر سلسلة إنتاج الألمنيوم وتوليف الوقود الصلب. أطر إعادة الإعمار القائمة على النظم الإيكولوجية
يقترح بروتوكول إعادة إعمار البيئة في قطاع غزة (GERP) ما يلي:
1. ممرات المعالجة النباتية، مثلا استخدام خشب الأرز (Tamarix aphylla) لاستخلاص البِركلورات من التربة
2. حُفر المعالجة الفطرية مع فطر المحار (Pleurotus ostreatus) بهدف تحلل مركبات الفوسفور الأبيض
3. إنشاء مناطق عازلة هيدرولوجية مزروعة بنبات الساليكورنيا (Salicornia europaea) لترشيح ملوثات المياه الجوفية.
أظهرت التجارب الأولية في خان يونس (2024) انخفاضًا بنسبة 73% في مستويات سمية EC50 في التربة خلال 8 أشهر.
إعادة الإعمار المستدام وتكامل الاقتصاد الدائري
تتيح جهود إعادة البناء في مرحلة ما بعد الصراع فرصا لتقنيات البناء منخفضة الكربون. يمكن أن يوفر السكن المعياري باستخدام 85٪ من الأنقاض الخرسانية المعاد تدويرها 11 طنا من ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة مقارنة بالطرق التقليدية. وقد يعوض نشر شبكات الطاقة الشمسية الصغيرة في المناطق المعاد بناؤها 78٪ من انبعاثات الكهرباء قبل الحرب مع تعزيز مرونة الطاقة.
الآليات القانونية الدولية
إعادة تفسير المادة 35(3) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف تحظر "أساليب الحرب التي يُتوقع أن تسبب ضررًا واسع النطاق وطويل الأمد وشديدًا للبيئة الطبيعية". تتجاوز مقاييس التأثير البيئي للعدوان الإسرائيلي عتبات اتفاقية ENMOD للضرر "الشديد" (فترة استرداد تزيد عن 30 عامًا)، ما يخلق سابقة قانونية لمحكمة الجنايات الدولية للنظر في جرائم المناخ.
الخلاصة
يُظهر الإرث البيئي للحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، كيف أن الحروب الحديثة تعمل كعمليات صناعية ذات انبعاثات عالية، حيث تعادل انبعاثات الفترة من أكتوبر 2023 إلى كانون ثاني/ يناير 2025 تشغيل 1.2 مليون سيارة ركاب سنويًا.
عالج هذا المقال التحليلي تقاطع الصراع العسكري مع نقاط التحول المناخية من خلال انبعاثات الميثان (0.04% من الميزانية العالمية)، وتعديل البياض/ albedo (0.7 واط/م² من القوة الإشعاعية)، وتدمير أحواض الكربون (فقدان قدرة تخزين تعادل 2.1 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون).
وخَلُص المقال إلى ضرورة دمج أطر التخفيف متعددة التخصصات—من المعالجة الفطرية إلى حساب الانبعاثات العسكرية—في سياسات الأمن المناخي، لمنع مناطق الصراع من أن تصبح مسرّعات لتغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية. ينبغي على الأبحاث المستقبلية نمذجة التأثيرات المتتالية للصراعات العالمية المتزامنة على مدى الامتثال لاتفاقية باريس.
معظم خبراء المناخ يؤكدون بأن الحروب والصناعات العسكرية تعد من أهم مسببات الكوارث الطبيعية والمناخية؛ بمعنى هنالك ترابط وعلاقة سببية بين الحروب وتدمير البنية البيئية والطبيعية في مكان معين على سطح الكرة الأرضية والكوارث المناخية والطبيعية في مواقع جغرافية أخرى.