الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:05 AM
الظهر 12:43 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:04 PM
العشاء 8:21 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

رحيل الحوراني، زقطان و"الحوت": صمت لا يُشبههم

الكاتب: رامي مهداوي

كيف نرثي من كانت حياتهم فعل مقاومة، وكلماتهم جسورًا نحو وطن لم يكتمل بعد؟ كيف نكتب عن الغياب حين يكون الفقد بحجم ثلاث قامات فلسطينية حملت الحلم والهمّ في آنٍ واحد؟ محمد الحوراني، وضاح زقطان، ونضال الحسن "الحوت"، ثلاثة وجوه من فلسطين، رحلوا تاركين فراغًا لا يُملأ، وصدى لا يخفت.

محمد الحوراني: رجل السياسة والمبدأ

في لقاءاتي الأولى مع محمد الحوراني، لم أكن أسمع صوتًا عاديًا، بل صدى مرحلة بأكملها، صوت رجل عايش الانتفاضات، حمل الحجارة قبل أن يحمل الملفات، وظلّ مخلصًا لمبادئه حتى اللحظة الأخيرة.

كان يجيد فن الجمع بين السياسة والفكر، بين الدبلوماسية والموقف الصلب. لم يكن من أولئك الذين تتغير وجوههم بتغيّر المناصب، ظلّ محمد هو نفسه، صاحب الابتسامة الواثقة، والكلمة الحاسمة، والرؤية الواضحة.

في صوته كانت تسكن فلسطين بكل جراحها وآمالها، وفي كلماته كانت تختبئ الحكمة والتجربة. لم يكن محمد قائدًا سياسيًا فحسب، بل كان إنسانًا يعرف كيف يحتضن الناس بطيبته وابتسامته التي لا تفارقه حتى في أحلك الظروف.

حكى لي مرة عن انتفاضة الحجارة، عن لحظات المطاردة والاختباء، لكنه لم يكن يسردها كقصص من الماضي، بل كتاريخ مستمر. كان يؤمن أن فلسطين لا تتحرر بالشعارات، بل بالفعل، بالنضال الذي لا يقبل المساومة. حتى حين أصبح في مواقع القرار، لم يغادر الشارع، ولم يسمح لأحد أن يبيعه أو يشتريه، فكانت جنازته أكبر دليل.

وضاح زقطان: ذاكرة الأطفال وحارس الحكاية

وضاح لم يكن شاعرًا فحسب، كان مؤرخًا للحلم الفلسطيني، ومسرحيًا يعرف أن الأطفال في المخيمات يحتاجون لأكثر من مجرد كلمات المواساة. حمل همّهم في قلبه، وحمل فلسطين في صوته.

كان لقاؤنا الأول يشبه كلماته: بسيطًا، عميقًا، مدهشًا. تحدث عن الأطفال كما يتحدث أب عن أبنائه، كان يرى فيهم المستقبل رغم كل شيء. عندما زرت إحدى ورشه الفنية، أدركت أن وضاح لم يكن يكتب للأطفال، بل كان يعيد لهم طفولتهم المسلوبة، يمنحهم مساحة للحلم رغم رماد الحرب.

لكن وضاح لم يكن فنانًا معزولًا، كان مقاتلًا سابقًا أيضًا، ابن المخيم الذي لم ينسَ طريقه، بل سلكه مجددًا عبر الكلمة واللحن. كان يرى أن الفن مقاومة، وأن الأغنية قد تكون بندقية في زمن الخذلان.

نضال الحسن "الحوت": صرخة لا تموت

في كل مرة كنت أستمع إلى "الحوت"، كنت أسمع فلسطين كما هي، دون رتوش أو تجميل. الإنسان الذي كان شاهدًا على العصر، على الخيبات والانتصارات الصغيرة، على العناوين التي تُحذف، والأصوات التي تُخرس.

كان يدرك أن قول الحقيقة ثمنه باهظ، لكنه لم يتراجع. في آخر اتصال بيننا، كان صوته حزينًا، كأنه يرى النهاية تقترب، لكنه ظلّ صلبًا. لم أسمع ضحكته تلك المرة، الضحكة التي كان يعرفها المقربون منه، ربما لأنه كان يعرف أن الرحيل قادم، وأن صوته سيبقى شاهدًا حتى بعد أن يخفت.

هؤلاء الرجال لم يكونوا مجرد أسماء في قائمة الرحيل، كانوا جيلًا، فكرة، ذاكرة. كيف نرثي من لم يغادر حقًا؟ كيف نكتب عن غيابهم ونحن لا نزال نسمع أصواتهم في ساحات النضال، في أغاني الأطفال، في الإعلام؟ في شوارع رام الله والوطن؟!

محمد الحوراني، وضاح زقطان، نضال الحسن، لم يرحلوا تمامًا. لأن المبدأ لا يموت، والكلمة الصادقة لا تُمحى، والنضال لا يتوقف عند جيل واحد. وداعًا أيها الأبطال، ستبقون بيننا ما بقيت فلسطين.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...