الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:07 AM
الظهر 12:43 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:03 PM
العشاء 8:20 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الحوراني قائد من نور لا تغرب شمس مواقفه

الكاتب: بسام زكارنة

بعض الرجال يشبهون الجبال  شامخون في حضورهم، راسخون في مواقفهم، وإن غابوا تبقى آثارهم محفورة في ذاكرة الأرض والناس ، هكذا كان أبو ركان رجلاً لا يبدله الزمن، ولا تنال منه العواصف ، كان كالشمس التي وإن غابت عن الأفق، ظلّ دفؤها يسري في القلوب، ومثل الشجرة التي تمتد جذورها في الأرض تمنح ظلّها لكل من يلجأ إليها ولا تهتزّ مهما اشتدّت العواصف ، رجلٌ من معدن القادة العظام .

رجلٌ ثابت كالصخر لكنه يُلين القلوب

في زمنٍ تتغير فيه المواقف كما تتغير الفصول كان أبو ركان ثابتًا كالجبل لا تهزه الرياح ولا تُعَريه العواصف ، لم يكن ممن يبيعون مبادئهم بثمن، بل كان وفيّاً لها حتى آخر لحظة ، صنّفه البعض معارضاً لكنه كان في الحقيقة نبض الفكرة بينما كان الآخرون مجرد صدى عابر ، حتى خصومه لم يجدوا فيه عدواً بل رأوه صديقاً نقيّاً يختلف معهم دون أن يحمل ضغينة، ويجالسهم دون أن يتنازل عن قناعاته ، كان كالنهر الهادئ يتسلل إلى العقول بحكمته فيُقنع دون أن يُجبر ويؤثر دون أن يفرض يُغير القناعات كما تنحت المياه الحجر لا بقوة بل بصبرٍ وحكمة.

حب شعبه و حبوه و كان خادم لهم 

لم يكن أبو ركان رجلًا محدود الانتماء لمنطقة أو فئة، بل كان ابن فلسطين كلها ، سكن في الخليل لكنه كان لاجئاً  فيها ومع ذلك، لم يكن غريباً بين أهلها العظماء بل صار واحدًا منهم بل أكثر من ذلك، صار رمزاً  من رموزها ، وعندما جرت الانتخابات التشريعية حصل على أعلى الأصوات، في مشهدٍ لم يكن مجرد أرقامٍ انتخابية بل شهادة حب وتقدير من كل أطياف الشعب هناك حبهم وحبوه وكان خادما لهم ، لم يكن انتخابه انتصاراً لعائلة أو فصيل بل انتصاراً  لقيمه ومعاملته وصدقه وثبات مواقفه التي تجاوزت الإقليمية والعصبية والمناطقية والحزبية في معقل و بلد العشائر  ، كان إجماع الناس عليه دليلاً  على أن المعدن الأصيل يلمع مهما حاول البعض تغطيته وأن المبادئ الحقيقية تُكسب صاحبها الاحترام حتى من المختلفين معه.

حنانه كان وطناً لأسرته

ابو ركان و ان كان قويّاً  في مواقفه ، فقد كان نهراً  من الحنان لعائلته ، كان حاضراً في تفاصيلهم يقرأ في أعينهم ما لا يقال، ويمنحهم من قلبه بلا حساب ، لم يكن أباً  أو جدّاً فقط بل كان صديقاً أخاً وملاذاً ، كان يتعامل مع حفيدته الصغيرة وكأنه طفلٌ في عمرها، يضحك لضحكاتها، وينحني إلى عالمها الصغير، حتى إنها حين كانت تجلس بجانبه، لم يكن أحد يستطيع أن يبعدها عنه، كانت تتشبث به وكأنها تستمد منه الأمان ، لقد كان ذلك الاحتضان المستمر دليلاً على الحب الذي لا يُشترى ولا يُباع، حبٌّ يُزرع في القلوب فيثمر وفاءً لا يذبل.

كان صوته آسراً يحمل بين نبراته خشوعاً  يلامس الروح ، في صغره كان إمام المسجد الذي اكتشف جمال صوته يطلب منه الأذان، وكان كل من يسمعه يشعر وكأن صوته يتسلل إلى أعماقه مثل نسيم الفجر حين يوقظ الأزهار ، كان يتقن تلاوة القرآن بأجمل الطرق وكأن كلماته ليست مجرد حروف بل أنغام تلامس القلوب وترتل معها الأرواح في خشوع.

 

كان يعلم أن الرحيل قدر لكنه تمنّى مهلةً أخيرة

ورغم إدراكه أن لكل أجل كتاب تمنى أمنيةً أخيرة: “أنا لا أقف في وجه القدر ولكن أتمنى من الله أن لا أرحل قبل زواج ابنتي” في شهر 11 وكأن قلبه كان يعرف أن موعد الرحيل قريب فتوجه برجاءٍ أخير إلى السماء , و لنقاء قلبه  لم يخذله الله فمنحه الكريم ما أراد وكأن الرحمة الإلهية أرادت أن تمنحه لحظة وداع مكتملة.

وداعٌ يليق بالكبار

“من زرع خيراً حصد محبةً لا تنتهي”

انتهت أيام العزاء لكنها لم تُنهِ الحزن الذي خيّم على القلوب ولم تطفئ الشموع التي أوقدها أبو ركان في دروب من عرفوه ، كانت جنازته صورةً صادقة لحياته حيث احتشدت الجموع من كل صوب، عيونهم دامعة وقلوبهم مثقلة بالفقد رجالٌ ونساء شيوخٌ وشباب، كلهم جاؤوا ليودعوا الرجل الذي لم يكن ملكاً لعائلته فقط بل كان ابنا وأخا لكل من عرفه و قائداً تنحني له الهامات  و هنا لم نذكر عملقة سيرته النضالية نتركها لفتح و رفاق السجن و السلاح جزء منها نعرفها و اكثرها ضمن عمله السري سابقاً.

لم تكن تلك مجرد جنازة بل كان مشهداً  مهيباً من الوفاء لرجلٍ عاش كبيراً ورحل كبيراً ، وقف الناس في أيام العزاء يتحدثون عن مواقفه عن صدقه وحنانه وثباته عن ابتسامته التي لم تُفارق محياه حتى في أصعب الظروف و كان العزاء أقرب إلى جلسات استذكارٍ لرجلٍ نقش اسمه في القلوب لا بالحروف بل بالأفعال والمواقف.

ومع انقضاء  هذه الأيام الحزينة عاد كلٌ إلى بيته لكن ذكرى أبو ركان لم تغادر فهناك أشخاص يرحلون بأجسادهم فقط ويبقون في ضمير الحياة كما تبقى الجبال رغم تعاقب الفصول.
رحل الجسد لكن الموقف و عهد الثوار باقٍ والمبدأ ثابت والحكاية لم تنتهِ…

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...