المستقبل يقرع الباب: 25 عامًا من العمل والشراكة مع شباب فلسطين

الكاتب: بدر أبو يوسف زماعرة
"المستقبل يقرع الباب"... بهذه العبارة المكثّفة والمحمّلة بالدلالات، استُهل تقرير واقع الشباب الفلسطيني الصادر عن منتدى شارك الشبابي بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسه. كلمات مختصرة، تحمل في طياتها الكثير من الألم، لكنها تُضيء أيضًا بارقة أمل في نهاية نفق طويل من المعاناة والتحديات. ففي الوقت الذي يواجه فيه الشباب الفلسطيني ظروفًا استثنائية تفرضها سياسات الاحتلال الإسرائيلي والانقسام والشتات، تظل إرادتهم حية، تصارع من أجل الحياة، والحرية، والمستقبل.
لقد وُلدت هذه التحديات لتعكس، في المقابل، إرادة فولاذية لدى شباب فلسطين، الذين لا يرون في الجغرافيا المجزأة حدودًا لأحلامهم، بل يرون في القدس، ويافا، وحيفا، وعكا، ملامح وطنهم الضائع، ويمضون قدمًا نحو تحقيق أحلامهم رغم انسداد الأفق.
منتدى شارك الشبابي، الذي أتم عامه الخامس والعشرين هذا العام، كان شاهدًا ومشاركًا في هذه الرحلة المضنية والمليئة بالأشواك. على مدار السنوات، لم تتوقف الأسئلة التي طرحت نفسها بإلحاح: هل نحلم بمستقبل أفضل لشباب فلسطين؟ من هم هؤلاء الشباب؟ وكيف نواكب الواقع الصعب الذي يحيط بهم؟ كانت هذه الأسئلة بوابة المنتدى نحو تحديد دوره كمنظمة شبابية تسعى إلى الفعل، لا التفرج، رغم التحديات الجسيمة التي يفرضها الاحتلال وسياق فلسطين المعقد.
لقد أدرك المنتدى، ومنذ لحظة تأسيسه، أن الشباب الفلسطيني ليسوا مجرد فئة عمرية، بل هم نمط تفكير وسلوك ونضال. إنهم الكل الفلسطيني، الحاضرون في فلسطين المحتلة عام 1948، و1967، وفي الشتات، في المخيمات، والمعازل، وعلى الحواجز، وفي الأغوار. إنهم ليسوا أرقامًا في تقارير أو مستفيدين من برامج، بل محركون للتغيير، يعايشون الواقع، ويتفاعلون معه، ويصنعون أدواتهم الخاصة للتأثير.
وفي أشد لحظات الانكشاف، حين كانت الأزمات تطغى، لم يتراجع منتدى شارك، بل تقدّم إلى قلب التحديات. كانت أولويته دائمًا أن يكون هناك، حيث الحاجة القصوى، في القرى والمخيمات والبلدات المنسية. لم يكن الهدف مجرد التخفيف من آثار الواقع، بل السعي نحو فهم الأسباب الجذرية له ومواجهتها بمشاريع مبتكرة وشراكات فاعلة.
واليوم، وبينما نستذكر هذه المسيرة الممتدة، تتجدد التحديات وتتعاظم. حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تدمير ممنهج لمخيمات شمال الضفة، أكثر من ألف حاجز عسكري يقطع أوصال الوطن، وتدهور مستمر في حالة حقوق الإنسان، إلى جانب أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة... كلها تشكّل لوحة قاتمة تحاصر الشباب الفلسطيني. ومع ذلك، يظل الأمل أكبر من الألم، والطموح أوسع من الجراح.
عبارة "المستقبل يقرع الباب" لم تأتِ كتوصيف عابر، بل كإعلان لإرادة جماعية تؤمن بأن زمن التغيير لا يُنتظر، بل يُصنع. وكما كان شباب فلسطين دائمًا في صدارة المعركة من أجل الحرية، سيستمرون في النضال لأجل حياة أفضل، ونحن في منتدى شارك باقون معهم، من أجلهم، ولن نتراجع عن التزامنا بتمكينهم لصناعة مستقبل يستحقونه.
إن مرور خمسة وعشرين عامًا لا يُختزل في الذكرى، بل يُقرأ كبداية جديدة. بداية نحو وطنٍ يُبنى بإرادة شبابه، حيث تكون الحرية والكرامة والعدالة هي القيم الحاكمة. هكذا بدأ المنتدى، وهكذا سيواصل، مؤمنًا بأن العمل الحقيقي ينبع من قلب الحلم، ومن وفاء لمئات آلاف الشباب الذين يحملون فلسطين في قلوبهم، رغم كل ما واجهوه من تهميش واحتلال.
وعلى الرغم من انسداد الأفق السياسي والانقسام وتحديات الواقع، لم يكن أمام المنتدى سوى خيار المواجهة. لم يكن قبول التحدي شعارًا، بل ممارسة يومية، عمادها الشراكة، والمثابرة، والانحياز الدائم لقضايا الشباب، الذين ما زالوا، رغم كل شيء، ينبضون بالعطاء.
وفي الختام، قد لا تكون الطريق سهلة، لكن ما دامت روح الشباب الفلسطيني نابضة بالحياة، فإن المستقبل، بالفعل، يقرع الباب