ما هو الموقف المناسب والأصح ردا على تجدد حرب الإبادة؟

الكاتب: هاني المصري
تدور هناك حوارات متشعبة وصاخبة وعلى طرفي نقيض في الصفوف الفلسطينية لتفسير أسباب تجدد الإبادة، وهل هي تكتيكية أم مرحلة أخرى من نفس الحرب، أي هل تستهدف الضغط على المقاومة حتى تقبل بخطة ويتكوف أم لاستكمال السعي لتحقيق أهداف الحرب بما فيها التهجير بل على رأسها التهجير.
وجهة نظر أولى وهي بالاجمال منتشرة في صفوف المقاومة وهي ترى أن تجدد الحرب تكتيكي لأن دولة الاحتلال لا تقوى على تجديد الحرب، لأنها لن تحقق فيها ما لم تحققه في ال ١٥ شهرا السابقة، وخصوصا أن الشعب الفلسطيني صامد والأجنحة العسكرية للمقاومة قادرة على تكبيد الاحتلال خسائر بشرية بعد أن أعادت تنظيم صفوفها وضمت عناصر جديدة عوضتها عن الخسائر التي لحقت بها، ولأنها في حالة انقسام داخلي على عدة أمور بما فيها على استئناف الحرب قد تصل الى عصيان مدني وحرب أهلية، وجراء الخسائر الاقتصادية، وكون الجيش الاسرائيلي مستنزف وغير قادر على حرب طويلة، وخشية من ردة الفعل العربية و العالمية.
وجهة نظر ثانية، وهي منتشرة إجمالا بين معارضي المقاومة، وهي ترى أن تجدد الحرب ناجم عن أحكام سيطرة اليمين الاسرائيلي قبضته على مفاصل الحكم وعودة حزب القوة اليهودية للحكومة ما سيمكنها من تجاوز أزمة التصويت على الموازنة، بدليل الاستقالات والإقالات التي مكنت نتنياهو من تشديد قبضته بشكل قوي جدا، وهذا اليمين يرى أن لديه فرصة تاريخية لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين بدء من غزة مرورا في الضفة وانتهاء بالداخل، لذلك الحرب مرشحة للاستمرار خصوصا إن جبهات الإسناد لغزة ما عدا اليمن قد حيدت، وسوريا تغيرت وحزب الله ضعف، وإيران ضعفت كذلك، الأمر الذي يدفع نتنياهو للمضي في مشروعه لتغيير الشرق الأوسط، ويشجع حكومة تل أبيب وجود إدارة امريكية لا تخفي دعمها الكامل حتى للتجويع والمجازر الجماعية وتولت أمر الهجوم العسكري على الحوثيين، وتضع ايران أمام خيارين كلاهما مر اما الاتفاق كما تريد واشنطن أو مواجهة احتمال الحرب.
ولا يقيم اليمين الحاكم وزنا كبيرا للخسائر التي لحقت باسرائيل لانه يعتقد أن الأهداف الموضوعة والانجازات التي تحققت تستحق ويمكن ان تتحقق، ولا لردود الفعل العربية والاقليمية والدولية لانها استطاعت في السابق احتوائها وقدرتها حاليا على احتوائها أكبر، كما ان اوروبا مشغولة بإوكرانيا وتنافسها مع ادارة ترامب، وروسيا والصين كذلك.
وجهة نظر ثالثة وهي تقف في المسافة بين وجهتي النظر، ولها صدى في اوساط من المقاومة لا تجزم ولا تختصر الحرب الحالية بأنها تكتيكية بل مرشحة للتصاعد على ضوء تفاعل كل العوامل المذكورة، ولا تعتبر أنها حتما ستسير نحو الاستمرار الى حد تحقيق التهجير والضم وتغيير الشرق الاوسط مع عدم اهمال كلي لهذا الاحتمال، كما انها لا تنظر للأمور على قاعدة أبيض وأسود، وأن إسرائيل لم تحقق أهدافها او حققتها، بل انها قطعت شوطا على طريق تحقيقها ويمكن إذا استمرت العوامل المتحكمة بالصراع على ما هي عليه أن تستكمل تحقيقها، بما فيها التهجير الذي ممكن أن يتحقق بالتدريج وبدون أن يصل إلى تهجير جميع سكان القطاع واقامة "ريفييرا الشرق الأوسط"، وإذا تحقق سيناريو المعجزة أي حدوث تطور ايجابي كبير غير متوقع يقلب الحسابات رأسا على عقب مثل موقف عربي يستخدم اوراق القوة والضغط، وتفاقم الانقسام الداخلي في إسرائيل، كما أن هناك احتمال حدوث تطور سلبي كبير يحقق سيناريو اللعنة ويزيد الوضع سوء على سوئه.
ما يهم كيف يمكن ويجب أن يتصرف الفلسطينيون.
أصحاب وجهة النظر الأولى يقولون أن على المقاومة أن تصمد عدة أسابيع على الإكثر وستعود إسرائيل الى طاولة المفاوضات، ولا يقولون ماذا سيحدث بعدها، ما سيحدث كالتالي وهو الاحتمال الأقوى أي تبادل جديد للأسرى وعودة إلى نفس النقطة، وهذا يعني تجدد الحرب لاحقا.
أصحاب وجهة النظر الثانية يطالبون باستسلام المقاومة وتسليم سلاحها والأسرى وتفويض السلطة او الدول العربية اولا الامم المتحدة بالأمر والاستعداد لرحيل قادة المقاومة وكوادرها تماما كما فعلت منظمة التحرير عام ١٩٨٢، وهذا "قد" ينقذ ما تبقى من غزة وقد يمنع الابادة و التهجير، وهو يفقد دولة الاحتلال المبررات التي تستخدمها لمواصلة الحرب.
أصحاب وجهة النظر الثالثة ينطلقون من أن الوضع رغم الصمود الاسطوري والمقاومة الباسلة كارثي و صعب جدا وينذر بالمزيد من التدهور، ونحن في وضع يجب ان نحاول انقاذ ما يمكن انقاذه وتقليل الأضرار والخسائر، وليس مرحلة تحقيق الاهداف، و يشددون على أن كل السيناريوهات مطروحة، يتقدم وحدا منها أحيانا ويتراجع آخر أحيان أخرى ولكن يجب الاستعداد لكل الاحتمالات، فلا يمكن التصرف على اساس حتمية الحرب ولا استبعاد تدحرج الحرب وفق الخطة الموضوعة من جيش الاحتلال والتي تقضي باحتلال القطاع واعادة الاستيطان فيه وفرض الحكم العسكري و بتجميع السكان في معسكر او معسكرات اعتقال جماعية وتشجيعهم على الهجرة "طوعا" أو قسرا، ولا يمكن الثقة كليا باستحالة هزيمة المقاومة (الهزيمة لا تساوي الاستسلام ولا تساوي الانسحاب الضروري أحيانا للحفاظ على الذات لمواصلة المقاومة لاحقا، فلا للاستسلام ولا للتهور) مع أن القضاء على المقاومة مستحيل، الهزيمة محتملة نظرا للاختلال الفادح في موازين القوى وعدم وجود روادع كافية خصوصا عمق فلسطيني وعربي واقليمي ودولي، بدليل ان المقاومة مستمرة في الضفة ولكن ضمن مستويات يمكن السيطرة عليها والتعايش معها.
هناك حل هناك مخرج
المخرج المطلوب رغم أنه مستبعد تحقيقه فورا هو تطبيق إعلان بكين (حكومة وفاق بمرجعية وطنية وتفعيل الإطار القيادي لمنظمة التحرير والتحضير لإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير بالتوافق الوطني حاليا وعبر إجراء انتخابات بأقرب وقت ممكن) ووضع الجميع في العالم أمام هذا الواقع وأمام مسؤولياتهم.
يتضمن هذا الخيار أن الفصائل لا تكون مشاركة في الحكومة مباشرة لسحب الذريعة من الدول المانحة التي يمكن أن تساهم بالإعمار بانها لا يمكن أن تمول حكومة تشارك بها حماس، وهذا يتطلب من حماس أن تغادر الحكومة فعلا لا شكلا وتشارك بالمنظمة، والاتفاق على برنامج سياسي وطني واقعي كفاحي، يحدد ماذا يريد ويقبل الفلسطينيين في هذه المرحلة وكيف سيحققوه أي بأي أشكال مقاومة، والاستعداد لهدنة، والعمل على قيام سلطة واحدة وقيادة واحدة وسلاح واحد.
يمكن جدا ان لا توافق القيادة المتنفذة على هذا الحل كما فعلت حتى الان، ويمكن أن لا تتحمس له حماس رغم موافقتها عليه، ولكن إذا أردنا الخلاص الوطني يجب ان يضغط من يوافق عليه لكن يطبق مع القيادة المتنفذة، وهذا أفضل بكثير أو بدونها، ومن المتوقع أن ترفض واشنطن وتل أبيب هذا الحل، ولكنه سيجد تأييدا عربيا وإقليميا وعالميا واسعا جدا، والأهم سيجد تأييد من معظم الفلسطينيين، وعندها حتى لو فشل مؤقتا سينجز لاحقا، والأهم من خلاله سيواصل الفلسطينيون نضالهم موحدين.
الحل المذكور ليس مثاليا ولكنه أهون الحلول وأقلها سوء، وهو القادر على حفظ وحدة القضية والأرض والشعب ووحدة النضال لإنهاء الاحتلال وتجسيد الاستقلال، وهذا يضمن بقاء الراية الفلسطينية مرفوعة حتى الانتصار.