الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:26 AM
الظهر 11:47 AM
العصر 3:13 PM
المغرب 5:54 PM
العشاء 7:09 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الطغمة المالية والتكنولوجية تحارب حرية التعبير علناً

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

لم يتوقف الأمر على مطاردة المحتوى الفلسطيني في منصات التواصل الاجتماعي الكبرى بذرائع أقل ما يقال عنها أنها ظالمة وغير حقيقية وتمثل بالغ الانحياز لرؤية الاحتلال وآرائه ، وقيل في هذا الصدد أموراً كثيرة مفزعة، حيث تم إلغاء آلاف الصفحات وشطب آلاف مؤلفة من المصطلحات والكلمات، وقد طالت هذه الحملات المسعورة الصور والرموز كذلك، ولم تكلف هذه المنصات الكبرى نفسها عناء الاعتذار أو التبرير، بل فعلت ذلك بكامل الوقاحة والعنف والعدوان، لم تعتذر هذه المنصات أنها تصادر حرية التعبير، بل قامت هي بشرح الحرية التي تريدها وقدمت المعايير الجديدة للحرية التي تسمح بها. وهذا هو بيت القصيد. 
فالغرب الاستعماري الآن الذي يعيش أزماته الاقتصادية والأمنية والسياسية يجبر على أن يعيد النظر في ارثه الذي تراكم من عصر النهضة حتى يومنا هذا ، وقد تجلى ذلك في  الانعطاف نحو اليمينية والشوفينية والانعزالية في أوروبا، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد تمثلت في انتصار الانجليكانية البيضاء بكل حمولتها العقائدية والسياسية ، وأعتقد أن مثل هذا الفوز الساحق الذي له أسبابه وسياقاته التاريخية ،  يحمل في طياته ميولاً خطيراً لمصادرة حرية التعبير كما عبّر عنه آباء الليبرالية الأوائل ، إذ أن تحالف الانجليكانية البيضاء مع طغمة مالية وتكنولوجية هائلة القوة وبالغة النفوذ  أدى بهما إلى  إعادة تفسير لليبرالية ذاتها بما فيها من حريات سياسية وفكرية واقتصادية. هذا التحالف ما بين التطرف الديني والجشع المالي وشهوة السيطرة التكنولوجية على العالم أنتج ميلاً كبيراً نحو العنف والعدوانية والرغبة في مصادرة كل شيء لصالح  هذا التحالف. 
هذا التحالف يعتقد أنه يملك العالم ويسيطر على ثرواته وشعوبه وبالتالي يستطيع أن يفعل بهذا العالم كما يفعل بملعب جولف، هذا التحالف يصل إلى مراحل مذهلة في التعبير عن السيطرة و الغطرسة والعجرفة إلى درجة أنه يريد مصادرة بلاد وتهجير شعوب وفرض اتاوات واخضاع أمم وتفكيك هيئات دولية وإعادة تركيبها من جديد، وفي هذا إعادة تعريف جديد –غير ليبرالي على الاطلاق- للقانون الدولي والعلاقات بين الأمم، ولم يكتف هذا التحالف بذلك ، بل وصل به الأمر إلى أن يحارب الأفكار ذاتها في انقلاب على كل الإرث الليبرالي العلماني الذي كان أساس التقدم الغربي.
إدارة ترامب  –وبقرار مفاجئ- أوقفت منحاً   لجامعات مرموقة في أمريكا تقدر بنحو أربعمائة مليون دولار، ولم تكتف الإدارة بذلك بل تدخلت في تعيين رؤساء الجامعات الذين لم يستطيعوا منع المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني ، وتابعت الإدارة الامريكية ملاحقتها للأفكار وأصحابها بأن قررت أن تطرد كل من يشتبه في أنه يقوم بأي نشاط سياسي داعم للقضية الفلسطينية ، وجعلت من محمود خليل الطالب الفلسطيني المقيم في أمريكا عبرة لمن يعتبر وذلك بقرار طرده إلى درجة أن ترامب  نفسه قال في تغريدة متحمسة "شالوم محمود"، ولم ينته الأمر بهذا ، بل تعداه إلى أن إدارة ترامب طلبت من جامعة كولومبيا وقف وإقالة دائرة دراسات الشرق الأوسط لأن ما يدرّس فيها من مواد غير مسيطر عليها وغير  مراقبة، وإذا وصل الحال أن تقوم إدارة أمريكية بمحاربة المناهج الجامعية والأكاديميين والطلاب فإن من الواضح أن تحالف التكنولوجيا والإيديولوجيا هذا قد يسرّع في انهيار الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه يهدم الأسس والقيم التي قامت عليها نهضة أمريكا وتقدمها.
محاربة حرية التعبير بهذا الشكل السافر على كل الأصعدة وعلى كل المستويات لن يعود بفائدة لا على أمريكا ولا على كل جماعات المصالح واللوبيات العلنية والخفية، وهذا ما تشهد عليه شوارع نيويورك ومدن أخرى دعماً للطالب محمود خليل، ومن الواضح أن قضية هذا الطالب قد تتحول إلى بداية تحول حقيقية . انهيار الدول والحضارات تحتاج دائماً إلى أشخاص موهومين ومنفصلين عن الواقع ورغم ذلك يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...