العقلانية والانجراف في الخطاب.. نموذج حديث د.موسى أبومرزوق

الكاتب: بكر أبوبكر
من المهم ، لدى الناس وخاصة المفكرين والقادة السياسيين والمراقبين العلميين غير المنحازين، أوالمأمورين لجهة، وأيضًا للمحللين... وفي التنظيمات السياسية عامة أن تكون قادرة على تحديد الأهداف ووضع الخطط وبدائلها هذا أولًا، وأن تكون قادرة على تفعيل البدائل حين تتغير المُعطيات على الأرض، وثالثًا عليها تفعيل آلية المتابعة لتحقيق الهدف، فيما رابعًا حين يصبح (حساب الزرع غير حساب البيدر) فعليه التوقف وإعادة التفكر والاستدارة وتفعيل الخطة (ب) أو (ج) ليصل خامسًا لمراجعة الذات ونقدها بعد أن يعترف بالضرروة بفشل الخطة الأساسية، أو عدم تحقيقها للأهداف المرجوة، ليس بالضرورة لسوء الأهداف وإنما قد يكون لذلك، وقد يكون للوضع الموضوعي غير الذاتي.
ببساطة نكرّر أطروحة أن الاعتراف هو بداية النجاة، والاعتراف بداية الوعي، والاعتراف بداية الإقرار بالفشل (الجزئي او الكلي أو..) ما يؤهل المعترف لنقد التجربة من موقع الواعي المتفكر والمتدبر، وليس المتواصل بنزقه ووهمه بنجاحاته المطلقة، رغم ما يحيط به من مآزق وأزمات لا تنتهي!
لذا قد نجد التمييز واضحًا بين انجراف الخطاب نحو الشعبوية التهييجية حادة الاستقطاب والتجييش، مقابل اتجاه العقلانية قليل الركّاب، وهي عقلانية علي بن أبي طالب في تصنيفه الشهير للعلماء والمتعلمين "على سبيل نجاة" مقابل "الهمج الرعاع". (قال علي بن أبي طالب-رض-(النَّاسُ ثَلَاثَةٌ - فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ ومُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ اَلْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ).
ومن هنا فأن تجد صوتًا ينتقد في ظل حالة التهييج للهمج والتحشيد والتضليل فإنه مما يحترم رغم اختلاف المواقف، وهو ينظر له بتفهم وفي سياق أدب الاختلاف الموزون والمطلوب في عالمنا عامة وفي الحالة الفلسطينية خاصة.
تصريحات د.موسى أبومرزوق
يمثل د.موسى أبومرزوق أحد أعمدة القرار في تنظيم "حماس" وله المكانة التي أهّلته ليقود الفصيل في البدايات ومازال يحمل صفة المحاوِر في آلية الوحدة الوطنية الفلسطينية التي لم تتم، فيما يقابلة الأخ عزام الاحمد من حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح بالمقابل.
ود.موسى أبومرزوق أتفقنا معه أو اختلفنا يمثل تيارًا أو مساحة داخل "حماس"، له خطاب يخطيء أحيانًا ويصيب أحيانًا اخرى.
وكلنا نذكر سقطته الأخيرة الفاقعة في المباغتة التي بدأت في 7/10/2023 وما تلاها حين شطب ثلثي الشعب الفلسطيني بغزة من مسؤوليته وسلمها (للانروا!-وكالة الغوث)، وحين قرر أن الأنفاق ل"حماس" وليست للناس! ما أثار حينها عاصفة استهجان من الجميع، لا سيما في ظل وضوح فكرة الأنفاق الثورية في فيتنام التي أقيمت بالأصل لحماية المدنيين وليس التخلي عنهم، ثم ما كان من بناء أنفاق لاحقة في أرض العدو بعيدة عن العمران للعسكر.
وعن خطاب أبومرزوق ما بين صعود وهبوط وابتعاد واقتراب، وانجراف عاطفي أوعقلانية، ما نستلهم منها قواعد ثمانية وضعها الدكتور أبومرزوق للمقاومة او الحرب أو الثورة والاشتباك، نقدم المفارقات التالية في خطابه، ولكل متأمل ومتفكر أين ينظرويقرر، فلعل وعسى نقترب معًا!
1-فقط الكفاح المسلح ولغة القوة.
موسى أبومرزوق على قناة الجزيرة القطرية في 25/5/2021م قال أن" الاحتلال لن يفهم الا لغة القوة كما كان في عهد موسى علية السلام عندما نتق الجبل (نتق القرآنية بمعنى نُزع الجبل ورُفع) فوقهم! ، لذا فان العدو لن يُعطي شيئًا للشعب الفلسطيني بدون مقاومة، وبدون قوة وبدون صواريخ، وبدون انتفاضة شاملة لكل ابناء شعبنا."
ثم يضيف مكرّرًا "الشيء الوحيد الذي يحصل الحقوق للشعب الفلسطيني هي القوة لا شيء غير القوة."
2-الموافقة على دولة 22% من فلسطين
وفي 11/6/2021 يقول أبومرزوق على قناة الغد الفضائية: "نحن لم نتنازل عن حق العودة أوالتنازل عن شبر على أرض فلسطين، لكننا تنازلنا بشئ واحد لشعبنا في عام 2006 بالموافقة على دولة فلسطينية كاملة السيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس عاصمة خالية من الاستيطان مع إبقاء حق العودة".
3-برنامج السلطة برنامجنا!
على ذات القناة يشير الى أن:"برنامج السلطة الفلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية يعدّ أحد التوافقات الفلسطينية، نحن تنازلنا للتوافق على برنامج عليه إجماع فصائل الشعب الفلسطيني، وهو هدف مشترك عند الجميع،...."!
مضيفًا ما تم نقضه لاحقًا، بالقول: "نحن لا نسعى لسلطة أو قيادة لأنه في عام 2006 لم تكن حماس في القيادة."!
4-السلطة فاسدة، والمنظمة؟!
ويقول أيضًا " نحن لا نريد أن ننفرد بمنظمة التحريرالفلسطينية، أو الحكومة نحن نريد تحرير الأرض، لا نريد أكثر من ذلك، .... لكننا نرى أن منظمة التحريرالفلسطينية هي المعوق الاساسي الآن بالاتفاقيات التي وقعتها، وأصبحت السلطة الفلسطينية سلطة فاسدة، كما أنها سلطة حزب لم يعد له شعبية التي تمكنه، لذلك حدث فيه انقسامات."!؟
وعودة الى لقاء الجزيرة 25/5/2021م يقول أبومرزوق "ليس لدينا مانع من إدخال أموال المساعدات (لغزة) عبر وكالات دولية أو بشكل مباشر من الدول المانحة دون تدخل من حماس، والمجتمع الدولي يريد إبقاء السلطة الفلسطينية إحدى أدوات أوسلو بديلا عن المقاومة".
ورغم ذلك وفي ذات الحديث الناقد للسلطة والمتهِم لها، يقول بتناقض مع تصريحاته وفي ذات المقابلة أنه يتعامل معها!؟ (مع السلطة الفاسدة والبديلة عن المقاومة برأيه) حيث "حماس وافقت السلطة على كل ما طلبته ولم يتحقق شيء، والجميع في حركة فتح والشعب الفلسطيني يدرك ذلك".
5-لا نستطيع أن نجرّ شعبا بأكمله إلى معركة! (وقواعد أبومرزوق للحرب)
موسى أبو مرزوق لـ"الغد" بتاريخ 9-8-2023 وفي سؤال وجهه المذيع له فحواه: لماذا لم تشارك حماس مع حركة الجهاد الإسلامي في غزة وجنين؟ قال أن: " المعارك لا تُخاض بإردات فردية، ولا تُخاض أيضا من أجل أهداف جزئية، لا نستطيع أن نجرّ شعبا بأكمله إلى معركة أنت في النهاية لا تريدها." مضيفًا " كان من المفترض أن أي قرار للمعركة يكون نابعا من تفاهمات مشتركة، حتى يكون الجميع يعدّ العدة ويستنهض الهمّة ويخوض معركة مخطط لها وليست محطة يُجر إليها شعبنا، ويدفع ثمنها في النهاية".
فإذا أقررنا بنضج التفكير هنا-اللقاء تم قبل شهرين تقريبًا من العدوان الفاشي على غزة والإبادة الجماعية في هذا القرن-، والتقدير بعدم جرّ الشعب لمعركة لم يستعد لها، فإننا نرى أن أبومرزوق قد رسم قواعد أي معركة بعدة قواعد أو أسس
أولها: القرار الواحد الموحد،
وثانيها: التخطيط واستنهاض الهمم،
وثالثها حساب الثمن مما يدفعه الشعب!!؟
فماذا نقول عما حصل في نتيجة الطوفان؟!
6-المعركة تحتاج حسابات وآليات وتفاهمات!! (والقاعدة 4)
ويقول أيضًا: "نحن نقول إنه كان من المفترض ان تكون هذه المسائل محسوبة، وتكون بتفاهمات مسبقة، يتم فيها اختيار التوقيت والمكان والزمان والكيفية والآلية، ولا تكون المسائل مجرد خوض معركة، ينتج عنها خسارة."
وهنا أضاف أبومرزوق قاعدة رابعة للحرب أو المعركة هي:
التحليل الصحيح المرتبط " بألا تكون المسائل مجرد خوض معركة، ينتج عنها خسارة"! وبالقطع فإن خسارة الشعب بآلاف الضحايا والشهداء، وتدمير البلد تعد خسارة وأي خسارة، وأي دفع ثمن مما أشار لها هو ذاته أعلاه (القاعدة الرابعة).
7-لسنا جيشًا، ولكننا نواجه جيشًا؟! لذا نقدر امكانياتنا! (والقواعد حتى الثامنة)
في ذات اللقاء أعلاه يقول: "هذه المعارك يجب أن تُحسب حسابات دقيقة، نحن حركات مقاومة ولسنا جيوشا تواجه جيوشا، ويجب أن نحسب خطواتنا بدقة ويجب أن يبقى مشروع المواجهة ومشروع المقاومة، مُشرعا في كل وقت وحين، ولكن لا بد للمقاومة أن تأخذ أصول المقاومة وإمكانياتها بعين الحسبان، بمعنى آخر أن المقاومة تحت الاحتلال يجب ألا تكون محصورة بأرض، حتى لا يتم القضاء عليها، ويجب ألا تكون أيضا قوى استعراضية يسهل استهدافها، خصوصا تحت الاحتلال، ويجب حساب مقدرات الشعب والبيئة الحاضنة، واستعداه للحرب والتضحية، ونحن اليوم حينما نخوض حربًا غير مرغوب فيها من شعبنا أو نخوض حربًا لا يستطيع الشعب تحملها، بالنهاية هذه المعركة نخسرها قبل أن تبدأ."
دعني هنا ومن قواعد أبومرزوق للمقاومة أو الكفاح او الثورة أضيف ومما قاله هو
قاعدة خامسة هي عدم النظر للمساواة بين قوة المقاومة أو الثورة مقابل الصهيوني المدجج بالامريكي، والسلاح بكافة أنواعه (بالطبع على عكس الاسقاط النفسي الذي تقوم به قناة الجزيرة، والمتساوقين معها، فتخدّر العقول وتجيّش الصدور، وتُضعف من فكرة نجدة الشعب بإيهام أن المعركة بين جيشين عظيمين ندّين؟!)
وفي القاعدة السادسة رفض استعراضية السلاح (مما يحصل على سبيل المثال بالضفة الغربية من البعض، وباستعراضيات حماس في غزة).
أما سابعًا فلقد وضع حساب مقدرات الشعب والبيئة الحاضنة والحفاظ عليها أساسًا، كما "الرغبة الشعبية" بخوض الحرب، بما "يستطيع الشعب تحملها" كي "لا نخسر المعركة قبل أن تبدأ"!؟
فتأمل يا رعاك الله في نتيجة العدوان الصهيوني واستجلابه الى قطاع غزة مقارنة بقواعد أبومرزوق للثورة أو المقاومة.
لا بل وقد أضاف قاعدة ثامنة كالتالي:
أن "نحسب خطواتنا بدقة"، والإشارة الى "أصول المقاومة وإمكانياتها بعين الحسبان"! فكيف ترون!؟
8-التحريض ضد أجهزة السلطة
على قناة الجزيرة القطرية في 29/10/2023 قال أبومرزوق "لدينا 60 الف بندقية موجودة في الضفة الغربية في يد الأجهزة الأمنية ولماذا تبقى هذه البنادق مشرعة في صدر المتظاهرين والمقاومين ولا تتجه نحو الأعداء؟"
وقال: "بعض من يجلس على الكراسي في السلطة الفلسطينية و"السي أن أن" فضحتهم وقالوا أننا لن نستطيع أن نعلن ذلك صراحة، وكانوا يقولون أقتلوهم أقتلوم أقتلوهم أي يريدون للغربيين أن يقتلوا "حماس" في قطاع غزة، السلطة وبعض الدول العربية تطالب سرًا بالقضاء على حماس".
وفي هذه النقطة رأينا استغلالًا من القناة المعروفة لدفع الصدور الضيقة للتبرم وتوجيه كل حنقها ليس ضد الصهيوني وإنما ضد السلطة الوطنية الفلسطينية إتباعًا لتحريضات "حماس" في أكثر من مناسبة وهي تعلم كل العلم أن أجهزة السلطة الأمنية لا تملك من أمرها الا الحفاظ على الأمن الداخلي فقط، إن استطاعات.
عوضًا عن النظر بقواعد الثورة أو الاشتباك أو الحرب التي قررها أبومرزوق ما لاينطبق عما قدّره من بنادق متقادمة غير قادرة على مواجهة الجيش الصهيوأمريكي، وبنفس منطق او قواعد أبومرزوق للمقاومة أو الثورة المسلحة.
9-التحرير الكامل أم إدارة القطاع فقط؟!
صرح موسى أبومرزوق بخطابه في قناة الغد 22/2/2024 معلنًا موافقته المتواضعة على إدارة قطاع غزة من قبل حكومة كفاءات، ومؤكدًا على وثيقة "حماس"-خالد مشعل عام 2017 التي أعلنت قبول ما يقبل به الشعب الفلسطيني أي الدولة الفلسطينية على حدود 1967؟!
لتتبخر مطالب حرب التحرير الكامل؟! أو كما قال الشهيد محمد الضيف مخاطبًا فصيل "حماس" والفصائل الأخرى، وكل الأمة في خطاب اليوم الأول:
"ابدئوا بالزحف الآن نحو فلسطين، ولا تجعلوا حدوداً ولا أنظمة ولا قيودا تحرمكم شرف الجهاد والمشاركة في تحرير المسجد الأقصى".!؟
10-لم نحقق بعض أهداف الطوفان!
قال القيادي بحماس موسى أبو مرزوق على قناة العربية مساء الأحد 26/1/2025م أننا لم نحقق بعض من أهداف 7 أكتوبر، موضحًا أن "هدف الحصول على الدولة الفلسطينية من 7 أكتوبر لم يتحقق، كما أن هدف وقف الاستيطان لم يتحقق أيضاً، وكذلك وقف حصار غزة لم يتحقق". فيما أكد أن "خسائرنا في الحرب كانت كبيرة"!؟
(أنظر في 31/1/2025 حيث قال خليل الحية: إن شعبنا ومقاومته الباسلة حققوا أهدافَهم!؟)
وفيما أشار أبومرزوق لبعض النجاحات فإن مما يحسب له هنا العقلانية والإقدام للاعتراف بجزئية النجاحات سواء للفصيل، أو الإسرائيلي، وليس التشبث بمطلقية النصر العظيم حتى لو تلاشت البلاد ومُحيت الأمة عن بكرة أبيها!؟ كما يصور بعض المنساقين لعواطفهم المجيشة اوالمتحزبين لفصيلهم ضد فلسطين وشعبها البطل الصامد في انجراف مذموم.
أضاف أبومرزوق بالقول أن "اسرائيل ترفض عودة السلطة الى غزة"، وقال أيضًا أن "حماس لا تسعى الى الحـكـم"، و"حماس ليست متمسكة بإدارة قطاع غزة، من قبل الحرب". كما أضاف: "دعونا السلطة الفلسطينية للعودة إلى قطاع غزة أكثر من مرة". وهي مواقف أو تصريحات تتناقض مع واقع تمسك الفصيل المطلق بقطاع غزة بشكل شديد، دون أي اعتبار للمتغيرات الداهمة.
وفي موقف غزل غريب مع الرئيس الأمريكي الغريب "ترمب" قال: مستعدون للحوار مع أميركا"! فيما ذكر أن "إدارة ترامب السابقة عرضت علينا التفاوض". وأكد: "مستعدون للحوار مع أميركا وترامب رئيس جاد!".
وفي اعتراف فريد أشار بالقول "لا أنكر أن أبو مازن أخرج الالاف من السجناء"، ثم مؤكدًا على مواقف سابقة له وللفصيل منذ وثيقة خالد مشعل بالدوحة عام 2017 على الأقل بقوله " نوافق على دولة في الضفة وغزة والقدس".
استنتاجات عامة
نتفق ونختلف في مفاصل وأفكار، وهذه سمة الحوار الذي أفترض أن الدكتور أبومرزوق يشجعه، ودعني هنا أعلق في نقاط خمسة فقط كالتالي:
1-يجب أن نحلل بعقل مفتوح ونطرح الأفكار ونتيحها للجميع
2-ما لنا ألا ننتقد أنفسنا وطنيًا وقوميًا؟ وكيف لنا أن نحلل دون الإشارة لمواضع الخلل والزلل والتطرق لآليات النهوض من الكبوات او النكبات؟
3-نمتلك كفلسطينين مقاومين وثوار مرابطين كل امكانيات القوة الذاتية باتحادنا، ونمتلك كأمة كل امكانيات النهضة والتطور وأولوياتنا كما يرى ونرى معه بتجنب الصراعات الداخلية والتركيز على صدّ التحديات الخارجية
4-النظري مهم، وتحديد التعريفات والمصطلحات والمفاهيم ولكن في ظل أزمة أو مذبحة ومأزق ألا ننشغل بالنظري كثيرا، انتصرنا ام انهزمنا والفرق بين النصر والنجاة بون شاسع.
5-قال د.عزمي بشارة في مؤتمر له بالدوحة أن:" إعادة النظر في استراتيجية المقاومة (أو الثورة أو الجهاد أو النضال...)، من دون التخلي عن خيار مقاومة الاحتلال ونظام الفصل العنصري، وأن يسعى الفلسطينيون لابتداع أدوات نضالية جديدة وخطاب سياسي ديمقراطي..." "ويكون منسجمًا مع الأوساط الدولية" في إطار العدالة. وهو مما يتفق مع فكرة الحسابات لأبي مرزوق وفهم الثورة والكفاح والمقاومة والجهاد ومعناها ولكنه لا يتفق مع التطبيق العملي لحماس.
استدراك "نيويورك تايمز":
كنت قد أجلت نشر هذا المقال (كتبته في 29/1/2025م) لأسباب تتعلق بطوله، وتذمر عامة القراء من الطول، وبالتالي إمكانية إنزاله على مقالات أقصر متتابعة، الى أن وصلني تصريح د.موسى أبومرزوق الجديد المشار له في 24/2/2025 نقلًا عن "نيويورك تايمز" والذي صرح فيه بوضوح أكثر مما كان قد أشار له وبينّاه آنفًا.
إن تصريح د.أبومرزوق الجديد يدلل على الفكر الواقعي السياسي الذي يتحلى به وهو الذي يخطيء ويصيب كغيره من القادة أو الفصائل ويمتلك جرأة الاعتراف وتحمل المسؤولية دونًا عن التيار المتشدد والمغالي وذو الفكر المطلق بالتنظيم.
نرى إقدامًا أكثر وجرأة أكبر بالطرح فيما يتعلق بالمباغتة والطوفان والنتائج الكارثية فيما ورد بتصريحه للصحيفة الاجنبية (رغم نفي "حماس" الرسمية للتصريح على ادعاء أنه أخرج من سياقة ...الخ من تبريرات) ودعنا نتلمس أهم المفاصل مما قاله كالتالي:
قال أبو مرزوق في مقابلته مع صحيفة "نيويورك تايمز"، إنه "لم يكن ليدعم الهجوم لو كان يعرف الفوضى التي سيخلفها على غزة. وقال: "إن معرفة العواقب كانت ستجعل من المستحيل عليه دعم الهجوم".
وأضاف أنه "لم يتم إطلاعه على الخطط المحددة لهجوم 7 أكتوبر، لكنه هو وغيره من القادة السياسيين لحماس أيدوا الاستراتيجية العامة المتمثلة في مهاجمة "إسرائيل" عسكريا"،
وقال:"لو كان متوقعا أن يحدث ما حدث، لما كان هناك هجوم 7 أكتوبر".
كما شبه أبومرزوق "حماس" بشخص عادي يقاتل مايك تايسون، بطل الملاكمة للوزن الثقيل السابق: "إذا نجا المبتدئ غير المدرب من لكمات تايسون، فسيقول الناس إنه انتصر".
كما اقترح أبو مرزوق أن: "هناك بعض الاستعداد داخل حماس للتفاوض حول مستقبل أسلحة الحركة في غزة".
وقال أبومرزوق أن:"بقاء حماس في الحرب ضد "إسرائيل" هو بحد ذاته نوع من النصر".
مضيفًا: "سيكون غير مقبول الادعاء بأن "حماس" انتصرت، خاصة بالنظر إلى حجم ما ألحقته إسرائيل بغزة".
وعند مقارنة تصريحاته الواضحة الدلالة في صحيفة "نيويورك تايمز" بعيدًا عن نفي الفصيل، لاسيما والصحيفة تحتفظ كما نعلم بالتسجيلات، (وياليتهم لم ينفوا لأوقعوا في قلوب العقلانيين أن تيار العقل أو تعددية الرأي على الأقل بدأ يسود بالتنظيم على حساب تيار المفاصلة والتقديس والامتناع المطلق عن الاعتراف بالخطأ!) فإننا نجدها تصريحات تتوافق مع خط الرجل العملاني (البراغماتي) وقدرته على التعامل ضمن فكر الواقعية السياسية بعيدًا عن الأدلجة والفكرانية التي لا تفهم الا القطع بين الحق والباطل أو معسكر الشر والكفر مقابل معسكر الخير والإيمان. وللتذكير بما يتطابق فيما قاله بالصحيفة مع تصريحات ذكرناها أعلاه بقواعده الثمانية للثورة أوالمقاومة، ننظر لمقارنتين بسيطتين كالتالي
1-شبه أبومرزوق فائض القوة الصهيو- أمريكي كمقاتل عادي (أو حماس) أمام بطل الملاكمة العالمي تايسون والنتيجة جليّة حيث الانسان العادي سيكون أمام الموت المحقق، أو شر هزيمة ما يبرز نتيجة الطوفان، ويتطابق مع طرحه السابق بالمقال أعلاه حين قال: يجب "ألا تكون المسائل مجرد خوض معركة، ينتج عنها خسارة." وحين أكد "نحن حركات مقاومة ولسنا جيوشا تواجه جيوشا" مضيفًا يجب "أن تأخذ أصول المقاومة وإمكانياتها بعين الحسبان" وهذه المقتطفات من العام 2023 قبل الطوفان بشهرين مما أشرنا له بالبند الخامس بمقالتنا .
2-وفي فكرة الاعتراف بالخسارة أو شبه النصر، أوالتخطيط بفهم الإقدام استنادًا للعواقب كان قد قال في 26/1/2025م أننا لم نحقق بعض من أهداف 7 أكتوبر، ما أوضحه أكثر في لقاء "نيويورك تايمز" بشهر فبراير، حين قال: "سيكون غير مقبول الادعاء بأن "حماس" انتصرت، خاصة بالنظر إلى حجم ما ألحقته "إسرائيل" بغزة". مع تعزيز فهمه للنصر ببقاء حماس الفصيل بحد ذاته.
خاتمة
مما سبق وكإضافة ما فوق استدراكية فإن القيادي في "حماس" موسى أبومرزوق يعيد كثير من تصريحاته ومواقفه، ويغيّر بعضها وفق الظرف وتغير المنظور مما يجعله سياسي محترف، وليس فكراني مؤدلج يتعامل بعقلية المفاصلة! فهو عملاني (براغماتي)، ويغير المواقف كما يقتضي الموقف (الواقعي السياسي).
ولكننا نتساءل عن فكرة السلطة وإدارة قطاع غزة التي لا تريدها حماس كما قال! في ظل التشبث الحالي حتى الرمق الاخير؟! لاسيما وأن بقاء حماس بحد ذاته انتصار كما قال. ألم يكن الأجدر في ظل هذا الإقرار دعوة السلطة باعتبارها مقدمة الدولة الفلسطينية لإدارة القطاع بلا لجنة إسناد مبهمة، أو غيره من عراقيل تؤكد تشبث الفصيل بحكم غزة مما يعني تثبيت تقسيم البلاد رغم فظيع الدمار وعظيم المأساة، والنكبة الثانية! وهي التي قال عنها بشجاعة السياسي-وكما فعل حسن نصر الله-"إن معرفة العواقب كانت ستجعل من المستحيل عليه دعم الهجوم".
عمومًا من المهم أن يكون الصدر واسعًا لأي قيادي ليقوم بالمراجعة وليتقبل الانتقاد، ولا يظل أسيرًا لحلم النصر أو النجاح الدائم أو الرباني المقدس، دون الإقرار بفشل هنا أو هناك. أو دون أن يعترف بخطأ او خطيئة قراراته أوبعض منها مادامت الحسابات على غير هوى النتائج أوالفاعلين.
ولنا في المقال ثمانية أسس أو قواعد وضعها أبومرزوق واستنادًا لتصريحاته تتعلق بالثورة أوالمقاومة أو الكفاح لم نجد لتطبيقها بالنكبة الثانية والمقتلة التي أصابت قطاع غزة ثم الضفة (2023-2025م) أي مجال، وما نجد أنه عند التطبيق تسقط النظريات وتسود العشوائية أو تبدأ نظريات جديدة تُعلي من شأن الحاصل ولو على حساب العقل أو المنطق أو الدين، أو قرار الشعب الذي لا تقوم الثورة أو المقاومة أو الكفاح الا لخدمته هو أولًا واخيرًا، ولتحرير الأرض.
كل التحية لمن يفكر وينظر ويتأمل وينتقد ذاته، وفصيله، ويراجع مواقفه، ويجعل نفسه متاحًا أمام الجماهير، فلا يضع بينه والجماهير ألف حاجز حين يقدّس الفكرة أو الراي أو الشخص أوالفصيل، ولا يخرج من شرنقة صوابية رأيه اوتحصينه بالتفسيرات المضللة المنسوبة للدين أو المهيَجة بالاعلام التضليلي الذي لا يخدم الا تخدير الجماهير من جهة أو الكذب المباشر في وجهها مع مساحيق التجميل، وبالتالي إطلاق العنان للعدو ليتخذ من أدوات التخدير هذه منصة لاستمرار العدوان واستكمال نكبة العصر والإبادة الجماعية في فلسطين.