كيف ننجو؟؟

الكاتب: عصام بكر - عضو المجلس الوطني الفلسطيني
ليس من شك ان هذه المرحلة هي اكثر المراحل قسوة وصعوبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني على الاقل منذ النكبة تتجلى فيها مواصفات تشبه السبات المستدام او حالة انتظار ما سيأتي مهما كان مجهولا او معلوما وما المقدمات التي تصطحب معها ذواتنا وطاقاتنا القادرة على المجابهة وسط متغيرات كبيرة تعززها معالم طريق يذهب بنا بعيدا الى تجريدنا مما نملك من قوة من قدرة على المسير تبرز معها اسئلة صعبة بدورها تلقي بوجهنا عصا ثقيلة وفوق اكتافنا اعباء اضافية والسؤال الاهم اليوم امام ما يجري هو كيف ننجو؟ وللاجابة عليه علينا الاجابة اولا كيف ولماذا وصلنا الى هنا؟ ولعل الاجابات التقليدية في السرد التاريخي سنجد ان هناك من يقول ان اتفاقية اوسلو على سبيل المثال هي السبب ونلقي باللوم على ما افرزه هذا الاتفاق من تحولات اقتصادية اجتماعية نظرا للتركيبة السياسية التي نشأت وباتت توثر بدورها على انماط حياة الناس في بلادنا ولعل ذلك يحمل من الصواب الشيءالكثير اذا اخذنا بالاعتبار ان اتفاقية اوسلو هي انتقالية لمرحلة مؤقتة اليوم نجد انها لم تعد قائمة بفعل سياسات الاحتلال ولم تنتهي كما يتوجب باقامة الدولة المستقلة ولا ايضا بانهاء الاحتلال بشكله السابق المتعارف عليه رغم التحكم في كافة مناحي الحياة ورغم اننا نؤمن جميعا اننا شعب وسلطة تحت الاحتلال والمعضلة التي تحتاج الى حلول هي كيف ننهي هذه المرحلة دون تأبيد السلطة ومعها حالة "التكيف" مع واقع الاحتلال واستمراره! وكيف نمنع في ذات الوقت انهيارها ومسعى الاحتلال لتقويض وجودها كحالة تمثل كيانية سياسية الى ما هو اقل في ظل الحصار المالي وتضييق الخناق على مقومات الحياة ضمن محاولات التهجير والترحيل على قاعدة لا نريد سلطة وهمية تحت الاحتلال يتم استخدامها لاعاقة الوصول الى الاستقلال وفي ذات الوقت لا نريد العودة للحكم العسكري الاحتلالي المباشر وانما العمل الى تحويل السلطة لبوابة للحرية وتجسيد استقلال دولة فلسطين بانهاء الاحتلال عنها .
مرحلة ملتبسة هي الاكثر خطورة واجراءات الترحيل والتهجير وحرب الابادة الشاملة تتواصل والمسعى للتطهير العرقي ومحاولات اجتثاث الهوية الوطنية وانهاء الحلم بممارسة حق تقرير المصير الكل يدرك المخاطر الناجمة عن استمرار هذا الوضع مع تفشي معدلات البطالة والفقر الى نسب غير مسبوقة وفرض الحصار واغلاق الضفة الغربية، واستمرار المصادرات وهدم البيوت، والقتل اليومي وخير شاهد على ذلك ما يجري شمال الضفة الغربية من عملية اطلق عليها الاحتلال "السور الحديدي" تتواصل للشهر الثاني منذ ان بدأت في جنين وامتدت لمحافظات طولكرم، وطوباس والمخيمات القريبة منهما، وايضا نابلس ومخيماتها وايضا مناطق عديدة في محافظة الخليل وبيت لحم جنوبا وهي ذات المنهجية التي مورست على قطاع غزة طوال 471 يوما بحيث لا تخفي الاهداف التي تسعى لتحقيقها منها جهارا نهارا بتهجير المخيمات وطمس معالمها وضرب الكثافة السكانية في ذات الوقت التي تعمل على توسيع مهاجمة المستوطنين للقرى والبلدات الفلسطينية برعاية وغطاء اميركي شامل عبرت عنه تصريحات سيد البيت الابيض في لقاء رئيس حكومة الاحتلال ومنحه الاراضي الفلسطينية (هدية تمليك) ومنها غزة التي يريدها الريفيرا فيما مصير الضفة للضم والحسم والتهويد .
كل هذا بات معروفا حيث اعادة استنساخ صفقة القرن بنسختها الجديدة المعدلة وتصفية حقوق اللاجئين والقدس التي يرون انها اصبحت خارج اطار اية تسوية مستقبلية ان وجدت كيف ننجو هو ذات السؤال الذي يطرح بقوة ولا بد هنا من العمل على وقف نزيف البنيان والجسد اولا استمرار التآكل الجاري لن يقود الا الى المزيد من الويلات ولن يجلب الا المزيد من الضعف والسؤال الطبيعي المجرد هل نملك امكانيات للنهوض؟؟ الاجابة نعم بالاستناد لتاريخ طويل منذ قرن من الصراع ما زال مشتعلا ومتقدا ليس فقط لم تتضح نهاية له وانما ما زالت الابواب مشرعة على كل الاحتمالات فيه وطالما لم يحل الصراع سيبقى العالم منشغلا بايجاد التسوية والحلول والتطورات الداخلية والخارجية تحمل بشرى تؤكد ان الهزائم ليست قدرا للشعب الفلسطيني وان بالاماكن مواجهة التحديات الماثلة خارطة طريق النجاه فيها ربما تتطلب احداث اختراق جدي ملموس بتوحيد النظام السياسي الفلسطيني على اساس تشاركي قاعدة ذلك اننا في مرحلة تحرر وطني بكل ما تستدعي هذه الصيغة من تلاقي وطني ووضع الخطط والبرامج والقواسم المشتركة للعمل على اساسها اذ بدون انجاز الوحدة كيف لنا ان نواجه مخططات الضم والابادة والترحيل؟ ثم العمل على عقد اجتماع للامناء العامين لكل القوى الفلسطينية يترافق ذلك مع مؤتمرات شعبية مجتمعية تضم مؤسسات وشخصيات وطنية ونقابية ومهنية واطر واتحادات...الخ يلتقي الجميع في ورشة عمل واسعة تناقش ادوات النهوض والعمل للتصدي للمخاطر الراهنة وازاحة اية خلافات مهما كانت جانبا والتوحد في جبهة موحدة تضم الجميع فلا رهان الا على تجرية شعب مجرب وصاحب باع طويل خاض غمار تحديات لا تقل خطورة عما يجري اليوم اثبت اصالة وصلابة في مواجهتها ثم ثالثا العمل على وضع السلطة بامكانتها في خدمة انجاز مرحلة التحرر الوطني وتغير اولوياتها وبرامجها بما يخدم حالة الصمود ودعم الفئات الشعبية المسحوقة والوصول الى حالة صمود تلبي احتياجات هذه الفئات ضمن خطة صمود شاملة بمشاركة القطاع الخاص والاهلي والمكونات كافة تترافق مع تفعيل اطر ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ثم باجراء تعديل وزاري او تغير في هيكل الحكومة الحالية لتكون حكومة توافق وطني تمارس عملها في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس لقطع الطريق على محاولات الاحتلال تفتيت الترابط الجغرافي والسياسي باعتبار الاراضي الفلسطينية وحدة جغرافية وسياسية واحدة كل هذه القضايا ليست مطالب مباشرة فقط للجمهور العريض من ابناء الشعب الفلسطيني وانما هي ممر اجباري علينا اجتيازه بنجاح اذا ما اردنا سحب البساط وتفويت الفرصة امام حكومة اليمين الاكثر تطرفا في اسرائيل واهدافها في تصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني ومحوه من الوجود .
في الاطار العام ضمن الحالة الصعبة التي نعيش لا يمكن الابقاء على معالجات انية طارئة هي في غاية الاهمية بطبيعة الحال ولكن ان لا تكون القضايا الانسانية هي لب وجوهر القضية الوطنية ذات الادوات المجربة المستخدمة تحمل وبالا على مستقبل شعبنا ووجوده فوق ارضه القرارات التي تتخذ ولا تتنفذ تشكل ايضا عائقا مهما امام العمل لذلك المطلوب ارادة صلبة جدية تحمل الاولويات لترتيب البيت الداخلي قبل طلب مساعدة الاشقاء العرب والاقليم المنشغل باعادة ترتيب اوراقه من جديد والبحث عن مواقع محدده وان نعمل على انقاذ قضية بل مصير شعبنا الذي هو اليوم في مهب الريح .
لم يعد السؤال هل ننجو؟ وهو ليس محل مساومة او تشكيك لان الاجابة نعم ننجو معا ولو بعد حين وايضا مع الادراك ان حجم الصعوبات والمعيقات كثيرة ولكن يمكن تخطيها بوحدة موقف وكلمة - لم تعد المعادلات السابقة والوصفات وحتى المفردات المستخدمة كافية للمواجهة علينا العمل مع كل ساحات العمل داخل فلسطين وخارجها والمحافظة على القضية في وجه محاولات الطمس والتذويب واعادة هندسة العقول لاستيعاب ما هو قادم مطلوب وقف حالة التآكل الجاري وان يضع الجميع نصب عينيه ان الوطن كله في خطر والتنافس هو بالحفاظ عليه وحمايته وتجنيد وحشد كل الامكانات للدفاع عنه حتى نتمكن من النجاة .