الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:55 AM
الظهر 11:53 AM
العصر 3:04 PM
المغرب 5:35 PM
العشاء 6:51 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

المرسوم الرئاسي وملف الأسرى

في أبريل 2019، نشرتُ مقالاً بعنوان "الأسرى في الحكومة الجديدة: قدمت اقتراح لسياسة دمج لمواجهة المعركة الدولية المالية التي تشنها إسرائيل"، حيث اقترحت حينها تصنيف مخصصات الأسرى ضمن برامج الضمان الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية، في محاولة لمواجهة الضغوط المالية المفروضة على السلطة الفلسطينية. لكنني تلقيت ردوداً مباشرة من الأسرى أنفسهم، الذين عبروا لي من خلف القضبان أن مثل هذه الطروحات قد تقلل من شأن ملف الأسرى وتضعف مكانتهم السياسية وتُحوّلهم من رموز للنضال الوطني إلى مجرد فئات اجتماعية مستحقة للدعم. وعليه شكرتهم على الثقة والتواصل واعتذرت لهم عن طرح الفكرة، وأدركت أنني اخطات حين نشرت المقال دون الرجوع إليهم فهم أصحاب الملف وهم أصحاب الرأي، وكان لا بد من مشاورتهم في الفكرة قبل نشرها في الجريدة. 

اليوم، وبعد ست سنوات، يعود هذا النقاش إلى الواجهة من خلال المرسوم الرئاسي الصادر في 10 فبراير 2025، والذي يُعدّل قانون المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي، ليشمل آليات جديدة لدعم الأسرى والشهداء والجرحى وعائلاتهم، ضمن إطار برامج "التمكين الاقتصادي"، حيث وحسب المادة (٨) ألغيت بموجب القرار الرئاسي جميع أحكام القوانين والمراسيم واللوائح والبرامج ذات العلاقة بتقديم الدعم المالي من قبل المؤسسات الرسمية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، وزارة المالية، هيئة شؤون الأسرى والمحررين ومؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى والصندوق القومي الفلسطيني، والتجمع الوطني الفلسطيني لأسر الشهداء، وإلغاء كافة الأحكام المتعلقة بالدعم المالي أو التنسيب الوظيفي الواردة في قانون دعم الأسرى في السجون الإسرائيلية رقم (١٤) لعام ٢٠٠٤، وقانون الأسرى والمحررين رقم (١٩) لعام ٢٠٠٤ وتعديلاته، وتلغى كافة وأي قوانين وأنظمة ولوائح وسياسات وبرامج تتعلق بمدفوعات الشهداء والجرحى، بما فيها تلك الأحكام التي تنص على مدفوعات بسبب سجنهم أو وفاتهم. 

بالرغم من أن المتابع لملف مدفوعات الأسرى والأسرى المحررين، وتعدد المصادر يدرك أن هناك بطالة مقنعة عميقة، ولكن بنفس الوقت هذه التعديلات تثير العديد من التساؤلات حول تأثيرها على الوضع القانوني والسياسي للأسرى، وأهمية التشاور مع الجهات المعنية قبل اتخاذ قرارات جوهرية في هذا الملف. الإشكالية الكُبرى تكمن في حقيقة أن تغييرات جوهرية مثل هذه تمت دون استشارة الجهات المختصة، وهذا ما شهدناه في المؤتمر الصحفي الرافض لرئيس هيئة شؤون الأسرى الذي طالب الرئيس بسحب القرار. غياب المشاورات مع الجهة الرسمية المعنية بشؤون الأسرى في منظمة التحرير الفلسطينية يطرح تساؤلات جدية حول دور هذه الهيئة كجهة رسمية مخوّلة بتمثيل الأسرى. إعادة هيكلة الدعم دون استشارة هذه الجهة الرسمية يعكس خللاً إدارياً وسياسياً، وكان من الضروري أن يخرج توضيح مواز مع نشر المرسوم، وهنا مهم النظر فيما تغير في حالة الأسرى بعد المرسوم؟

من الدعم المباشر إلى "التمكين الاقتصادي"، يُعيد المرسوم صياغة آلية دعم الأسرى وذوي الأسرى عبر تحويل الدعم المالي المباشر إلى برامج اقتصادية واجتماعية تعتمد على تقدير الحاجة، بدلاً من احتساب عدد سنوات الأسر. وعلى الرغم من أن هذا التحول يعتبر إيجابياً ومنطقياً على المستوى الاقتصادي والإداري العام للتخلص من ظاهرة البطالة المقنعة التي تأتي تحت غطاء فساد إداري في التعامل مع القضايا العامة، إلا أنه قد يحمل أبعاداً سياسية تمسّ جوهر القضية.

وهنا ضروري الإجابة عن: 
* هل يعني ذلك أن الأسرى لم يعودوا يُعتبرون ضمن فئة "مناضلي الحرية"، بل أصبحوا فئات اجتماعية مستحقة للدعم الاقتصادي؟
* هل يمكن لهذا التغيير أن يُستغل دولياً للقول بأن السلطة الفلسطينية تُعيد تعريف موقفها من الأسرى استجابةً للضغوط الدولية في إطار الدبلوماسية القسرية التي تنتهجها الدول المانحة؟
لا يمكن النظر إلى هذا المرسوم بعيداً عن الضغوط السياسية والمالية المفروضة على القيادة الفلسطينية. منذ سنوات، تسعى إسرائيل والولايات المتحدة والدول المانحة إلى فرض قيود صارمة على الدعم المالي الذي تقدمه السلطة للأسرى بحجة دعم "العنف"، مستخدمين الابتزاز المالي كأداة سياسية. وبالتالي، فإن إعادة هيكلة الدعم هو محاولة لتجنب العقوبات الدولية، لكنه في ذات الوقت يثير مخاوف داخلية حول تأثيره على هوية الأسرى السياسية.
 
كيف يمكن معالجة الإشكالية دون الإضرار بحقوق الأسرى؟ 
يجب أن يكون هناك تنسيق وتشاور كامل بين القيادة الفلسطينية والهيئة الرسمية التابعة لمنظمة التحرير المختصة بشؤون الأسرى.
إشراك الأسرى أنفسهم في اتخاذ القرار، أي نقاش حول تعديل آليات الدعم يجب أن يشمل الأسرى الحاليين والمحررين لضمان أن هذه التعديلات لا تمسّ مكانتهم الرمزية. 
الحفاظ على البعد السياسي لقضية الأسرى، يجب أن تؤكد القيادة الفلسطينية، من خلال خطاب واضح، أن الأسرى ليسوا مجرد فئة اجتماعية تحتاج إلى دعم اقتصادي، بل هم جزء أساسي من النضال الوطني الفلسطيني. وعلى المستوى القانوني والدولي، يجب أن يستمر العمل على تقديم الأسرى كـأسرى حرب وفق اتفاقيات جنيف، مما يمنحهم حماية قانونية أقوى في المحافل الدولية.
لا بد من التوازن بين التحديات السياسية والالتزامات الوطنية. فالمرسوم الرئاسي الأخير يعكس محاولة لمواءمة الالتزامات الوطنية مع التحديات المالية والسياسية الدولية الحساسة.
والأهم فيما يخص ملف الأسرى، يجب ألا نحيد عن الهدف الأسمى في المطالبة بالإفراج عن الأسرى كأولوية وطنية وحتى تتحقق الحرية، يظل ملف الأسرى خطاً أحمر، وركيزة أساسية في النضال الوطني الفلسطيني، وأي تعديل في السياسات المتعلقة بهم يجب أن يكون نابعاً من رؤية وطنية شاملة تحترم تضحياتهم، وتضمن حقوقهم دون تقديم تنازلات تحت الضغوط الخارجية

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...