دول مستأجرة، وحقد أخوي!

الكاتب: بكر أبوبكر
الحقائق على الأرض اليوم أن القضية الفلسطينية قد تم حرفها حرفًا شديدًا عن اتجاهها الأصل وهو اعتبار الإسرائيلي المحتل لفلسطين، هو العدو المفترض مواجهته حصريًا بكافة أشكال المقاومة والنضال والجهاد والثبات والرباط.
ومن الواضح لدينا تعاظم فكرة الحزبية والعصبوية والانتهازية، مقرونة بالتقبيح والتكفير والتخوين للآخرعلى حساب الديمقراطية وتعددية الآراء والاحترام والجماعية والقضية المركزية.
كما هو من الواضح أن الفواعل من بعض دول العرب المستأجرة للغرب أو أمريكا، أوالاقليميين قد أصبحوا من كبار العابثين بالقضية العربية الأولى (كانت الأولى في أيام مضت خاصة فترة الراحل جمال عبدالناصر، والخالد ياسر عرفات)، وتكامل العبث وتشجيع الفرقة والانقسام وتعظيم "الحقد الأخوي" من خلال دعم بعض الفصائل، وخاصة "حماس" ضد المخالفين عبر التهويل والتدليس والتفخيم والتحشيد من خلال قناة الفتنة الأولى قناة الجزيرة، أومن خلال تساوق هذه الدول مع المهيمن الأكبر على العالم الذي يعِد يوميًا بتدمير فلسطين وتهجيرأهلها، وشطب فصائلها كافة وسلطتها كما عبر حليفه العزيز "نتنياهو".
الحقائق على الأرض تقول أن فلسطين والقضية الفلسطينية قد تحولت لدى الأمة العربية من القضية المركزية التي دونها الأرواح، وعلى الأقل الأموال أو حُسن النصيحة! الى مشكلة عصيّة على الحل ليس لنا إلا إزالتها عن أكتافنا، أو دعم الفوضى غير الخلاقة داخل الفلسطينيين لنتقي شرّهم! ويبتعدوا عنّا، ونبيع "الوطنيات والنضاليات" للشعوب النائمة على لوحات المفاتيج والفضائيات والهواتف النقالة.
يتم التنقل لدى العابثين العرب ما بين أسطرة الثورة أو المقاومة المستحدثة، واجبارية قصرها بفصيل واحد أحد دون الشعب ككل! أودون كافة الفصائل بأشكال عدة، مظهرةً الشعب الفلسطيني البطل كلّه ما بين مستسلم أومقاوم! وإن كانت الحقيقة التي لا تخطئها عين المنصف أن كل الشعب العربي الفلسطيني صامد وثابت وثائر بأشكال مختلفة بلا جدال منذ أكثر من 100 عام على الأقل.
يتم النفخ إعلاميًا ودعائيًا بكِير كبير(آلة النفخ) في فصيل المقاومة مختل التوازن أمام الوحش العالمي! وتحييد آلام الفلسطينيين التي هي الأصل والأوجب تخليدًا مما لم يشابهها شيء بالتاريخ الحديث، ما قصّرت به هذه الدول المستأجرة لأمريكا أرضًا وحكومات لتبيع الوهم للشعوب بعواطفها التي تم أسرها وحرفها عن الواجب، والواجب هو الفعل وليس التصفيق! كما يحصل بالشريط (الفلم) الهندي أو الهوليودي حين يتعاطف المتفرجون البؤساء مع البطل حتى لو تدمر العالم كله حوله!
فاللعب النفسي على عواطف الناس البريئة والجياشة أنتج هيجان العواطف المنظّم طوال فترة الكارثة العظمى والمقتلة والنكبة للشعب الفلسطيني في غزة والضفة، وكأن حال المتفرجين الأباعد يقول: هل من مزيد!
لقد أنتج التواطؤ المنظم بقتل العقل العربي والفلسطيني الى عملقة الحقد بالصدور على من يقف ولو بالفكر والمنطق والحجة ضد ما يفعله بطل الشريط (الفلم)! فتسلم "الجزيرة" من الأذى، وتحفل بالاعجابات والتعليقات! ويطارد المتفرجون أحلامهم عبر (الفلم)! ويتحول العرب من داعمين للثورة والكفاح الفلسطيني ولوحدته الوطنية وممثله الشرعي والوحيد (م.ت.ف)، الى دعاة وأمراء قسمة وفتنة واضحة. كما ينتقلون بين الكلمات الكبيرة ضد (العدو الصهيوني) وبين الفعل الحقيقي كوسطاء له!؟ ومنفذين لإرادته، في شلّ القضية، والمنطقة العربية واستتباعها للحاكم المطلق أي الإسرائيلي نائب الامريكي على المنطقة.
لم تصل القضية الفلسطينية لأدنى حالاتها لسبب خارجي فقط، وإنما لأسياب وطنية داخلية بالأساس فحيث وجدت الانقسام تذكرت الانشقاقات في جسد الثورة الفلسطينية ولإن بدعم عدد من الدول العربية (أنظمة العراق، سوريا، ليبيا...القديمة)، وحيث وجدت الانقسام تتذكر الانقلاب من فصيل "حماس" بالدم والسلاح عام 2007 ما أسمته حماس "الحسم العسكري" ضد الشعب في غزة! وما أنتج لاحقًا سلسلة من الانتكاسات بالقضية العربية-الوطنية حتى اليوم، لم تنفع معها كل محاولات التقارب والمصالحة التي لفت عواصم العالم.
وحيث رأيت الواقع الفلسطيني المُزري تجد الجمود المحبط، والتكلس المزري، والنفور المتبادل بين العديد داخل القوى/الفصائل الفلسطينية التي تمارس المقاومة والثورة والكفاح وإن كل بشكل مختلف، ففي حركة فتح تجد إما فيها أو حولها من الانتهازيين والطفيليين مَن طابت لهم الكرسي فأبوا الا الحفاظ عليه، ولو طارت الدنيا!
وفي فصيل "حماس" صُناع الانقلاب خاصة من تصدوا لهؤلاء الانتهازيين بأن فاقوهم انتهازية! حيث احتكار ثلاثية الصواب المطلق، واحتكار الدين، واحتكار النضال وكأنهم هم الاسلام، وهم النضال حصريًا، لاسيما وهم يجدون من يطبّل لهم يوميًا في الفضائيات. وكان الأولى بجميع الفصائل أن تضع الناس في أولوياتها فتصون حريتهم وحياتهم وكرامتهم وأرضهم فتدافع عنهم بدلًا من الإصرار على التمادي في بالباطل الذي يستدعي المراجعة والنقد، وربما التنحي لجيل أكثر وعيًا وعقلانية كما يستدعي وضع الجماهير والقضية فوق الرؤوس وليس الفصيل اوالحزب وقراراته الفاسدة.
نعم إن القضية الفلسطينية بعجز أهلها عن التصالح والقرار المستقل والوحدة، تبرز صورة مشوهة وقاتمة أمام الجماهير وتبدو كقضية تحتضر. وهي بعدم اعتراف قادتها بالأخطاء الجسيمة، وبالتكلس والعجز، ستودي بنا في مهاوي الردى، وهي بتواطؤ أنظمة عربية وإقليمية خلفت ما سبقها تنفذ سياسات أجنبية تتبيعية، وتعقد مؤتمرات لا وطنية فاشلة حتمًا كسابقاتها برعاية دول أعظم، وتصنع شرائط (أفلامًا) تشوش الانسان العادي. لكن البطل الفلسطيني هو الشعب، وهي الامة وهذا البطل لا يجعل عواطفه تسبق عقله، فيعي ويفهم وسيسقط كافة العابثين في الجسد من داخله، ومن خارجه وتستمر الثورة والمقاومة والكفاح حتى النصر.