الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:02 AM
الظهر 11:53 AM
العصر 2:58 PM
المغرب 5:28 PM
العشاء 6:44 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

ترامب يطلق النار قبل أن يصوّب!

الكاتب: عبد المجيد سويلم

قد نختلف مع بعضنا البعض حول ترامب، النهج والاستهدافات. فهناك من يعتقد أن الرجل ليس سويّاً إلى الدرجة المطلوبة لشغل منصب الرئيس في أكبر، وربّما أقوى دول العالم، أو من أقواها على الإطلاق، وهناك من يعتقد أن الرجل يعي كامل ما يقوم به، وأنّه يقدم على ما يقدم عليه في إطار حسابات دقيقة، حتى ولو أن شكل التعبير عنها فجّ، واستعلائي متعجرف، وتفوح منه رائحة العنصرية، وذلك لأن من يساعدونه، ومن رعوه ودعموه، ومن وقفوا معه بالباع والذراع يعرفون أن هذه الطريقة ربما تكون لها أهميتها وفعاليتها المطلوبة، بل وربما أنهم يحسنون صنعاً باستخدامه إلى أقصى الحدود نظراً لأن الجمهور الأميركي، وكذلك وسائل الإعلام الأميركية، وكذلك العالم الخارجي سيذهبون في تفسيراتهم لكل «قنبلةٍ» يفجّرها، «بإرجاعها» إلى طبيعة شخصيته التي بات من المسلّم بها أنها شخصية إشكالية على نحوٍ خاص، وعلى نحوٍ خطير وبما يجعل منه رجلاً، «استثنائياً» فريداً، غير معهود، وغير متوقع، ولا تنقصه «الجرأة» التي تصل إلى التجرّد التام من أصول اللباقة واللياقة وتوصيل الأمور، كل الأمور، إلى أعلى درجات التبجّح والوقاحة.
ومهما يكن من أمر هنا فإن «الترامبية» أهمّ بكثير من شخصية ترامب الرئيس، ومن شخصية ترامب «الزعيم»، الذي قاد مسار هذه «الترامبية».
«الترامبية» ــ كما أرى ــ ليست سوى الشكل أو الواجهة التي تقف خلفها الفاشية الأميركية الجديدة التي تبلورت داخل الولايات المتحدة، وتسيّدت، وسيطرت على مؤسسات الحكم، من الرئاسة، ومروراً بالمجلسين على هيئة اكتساح واجتياح تمهيداً لقصقصة أجنحة الدولة الأميركية العميقة على طريق إعادة بنائها من جديد، وعلى طريق بناء جديد لهذه الدولة.
أقصد أن «الترامبية» قد عقدت عدّة «صفقات» مع الدولة العميقة القديمة، لأهداف تكتيكية مؤقّتة، ولفترة قصيرة فقط حتى «تتمكّن من تأسيس دولتها العميقة الخاصة، وهذا هو جوهر الانقلاب القادم في أميركا، وهذا هو الهدف الأكبر، والثابت، في حين أن المساومات التي كثر الحديث عنها هي المتغيّر، وهي الانتقالي والمؤقّت.
وإذا كانت هذه المساومات الشكل الذي جعل البعض يعتبر أن ثمّة «عقلانية» جديدة، في الولاية الثانية لترامب، كزعيم «رسمي» لـ»الترامبية»، أو للفاشية الأميركية الجديدة، فإن انتقالية هذه المساومات هي مؤشّر على درجة أعلى من العقلانية، وذلك بالنظر إلى الاستهدافات «غير المؤقّتة» لـ»الترامبية» انطلاقاً من الواقع الأميركي نفسه.
وما أراه أن «الترامبية» إذا كانت ــ وأظنّ أنها ــ الشكل، أو النسخة الجديدة، من فاشية جديدة صاعدة، لم تتبلور بعد بالكامل، ولم تنتصر بعد إلّا في الجانب السياسي الرسمي تحديداً فإنّ مقياس انتصارها الحقيقي، وسيطرتها الفعلية لن تتكرّس إلا إذا تمكّنت من الانتصار الاقتصادي من خلال هزيمة اقتصاد المضاربات واستبداله برأسمال الأصول الثابتة الذي يكدّس الأرباح، عن طريق مراكمة الأشكال المختلفة من القيمة المضافة في الدورة الاقتصادية الأميركية، وهو ما يحتاج إلى رؤوس أموال هائلة لا يمتلك الاقتصاد الأميركي توليدها بهدف إحداث التراكم المطلوب، وهو ما تسعى «الترامبية» لتوفيره من خلال «نظام» البلطجة، وفرض الخاوات الاقتصادية على الخارج، أو الاستثمارات السهلة المفروضة على الآخرين بالقوة.
وإذا كان من الطبيعي أن يُسأل السؤال حول كيفية ارتكاز الفاشية الجديدة على شيءٍ من خارج الصورة التقليدية التي نعرفها عن الرأسمال المالي ودوره الحاسم، أو قد يكون المقرّر، أيضاً، فإن الأمور هنا على الصعيد النظري ما زالت بحاجة إلى «تنظير» جديد من علماء الاقتصاد السياسي، وإن كنت أعتقد مبدئياً أن التطورات البنيوية الجذرية التي طرأت على الهياكل الاقتصادية، وعلى مصادر تراكم، وبنى الرأسمال منذ نهايات الحرب العالمية الثانية وحتى أيامنا هذه قد أحدثت خلخلات كبيرة في «نظرية» العلاقة العضوية بين الفاشية وبين الرأسمال المالي تحديداً.
وأظنّ أن المسألة باتت مختلفة، أو بات يُنظر لها من زوايا فكرية وثقافية وسياسية جديدة ومتجددة، كما أظن أن الطابع، ودرجة «الاحتكارية» تحولت إلى قاعدة «كافية» لصعود الفاشيات الجديدة، وهنا تتجلّى التحالفات بين «المسيحية الصهيونية» ورؤوس الأموال اليهودية العاملة في كل القطاعات الريادية.
أما باقي المؤشّرات، أو ما هو مشترك بين الفاشية التي صعدت بُعَيْد  الأزمة الاقتصادية العالمية ــ الكساد العظيم ــ والشعبوية، ونظام الميليشيات المسلّحة، وحتى منظومات المافيا السياسية، فأظنها تامة التماثل والتشابه، والتطابق أحياناً وهي ماثلة أمامنا بكل وضوح.
واضح أن ترامب يتصرف بعشوائية من حيث شكل التعبير عن طموحاته، وعن أفكاره وعن أهدافه، ولكنه وبمن يقف خلفه ليس عشوائياً، وليس ساذجاً أو جاهلاً على الإطلاق.
القائمون على إستراتيجية «الترامبية» من خلف الستارة هم من يصنعون السياسة الحقيقية، وهم من يملون عليه السياسات، والعشوائية تبدأ عندما يتولّى هو «شرحها» لأنه لا يجيد هنا سوى أن يقول كل ما هو، أو كل ما يبدو عشوائياً وساذجاً، وأحياناً غبياً واعتباطياً يثير السخرية، ولذلك يبدو أحياناً وكأنه يبدأ بإطلاق النار قبل أن يصوّب نحو الهدف.
عندما أطلق «مبادرته» حول قطاع غزّة كان من يقف خلفه يهدفون إلى تخويف المقاومة الفلسطينية في القطاع، وكانوا يهدفون إلى إرباك الساحة العربية كلّها، وكانوا يحاولون إغراق سوق التداول الإعلامي بالمقولات التي تحوّل الجميع إلى «دائرة» درء الأخطار والدفاع عن النفس، ولكي تتحوّل المقولات إلى مقولات مألوفة تجري المساومة على محتواها لاحقاً، إذا تعذّر الوصول بها إلى حيّز التطبيق.
الذين يقفون خلف ترامب أرادوا إنقاذ حكومة الاحتلال الفاشية،  لأن سقوطها كان سيكون وبالاً عليه، وعلى من يقف خلفه، وأرادوا أن تكون المبادرة هي ورقة المساومة وذلك بوضعها في سوق المقايضات والمساومات والصفقات بدلاً من مقولة «الدولة الفلسطينية»، وبحيث تتم مقايضتها مقابل «التطبيع» بين دولة الاحتلال وبين العربية السعودية، وأرادوا أن يقايضوها بالمساعدات الأميركية لكلٍ من مصر والأردن، وأرادوا أن يضعوها لإخراج حركة حماس من المعادلة السياسية في القطاع ووضع شروط قاسية على السلطة الوطنية الفلسطينية إذا ما كان لها أيّ دور شكلي في إدارة القطاع لاحقاً.
أي أنّ المبادرة لم تكن عشوائية، وأرادوها طوق نجاة لحكومة نتنياهو، وتهديداً مباشراً للعرب، وابتزازاً غير مسبوق للنظام العربي كلّه، وأرادوا إرباك الإقليم كلّه، وقد «نجحوا» إعلامياً في الأيام الأولى لإلقاء «قنبلة» التهجير إلى حدّ كبير.
عندما «صدّق» ترامب نفسه بعد الاختراقات الأولى التي أحدثها التفجير تمادى وتبجّح وأخذ يسرح ويمرح ويشرح فسقط في المحظور. المحظور أنّ العالم كله، والإقليم كله لاحظ تزامن هذه القنبلة مع قنابل ألقاها حول كندا، وجزيرة غرينلاند، والمكسيك، وقناة بنما، ودول أميركا اللاتينية، وبعض الدول الإفريقية، وهنا بدأت ردود الأفعال «الغربية» الرسمية تتوالى، وتشجّع بعض العرب، وانهارت المحاولة من أساسها، وتبيّن الآن أن من المستحيل «النجاح» بها لأنها مستحيلة التطبيق من دون موافقة كل الأطراف، ومن المستحيل أكثر موافقة الأطراف عليها.
للمرّة الأولى يصبح أمام الحالة الفلسطينية قاعدة تحالف جديدة عربية ودولية تقوم على أساس المصالح المشتركة بمواجهة التحالف اليميني الفاشي في الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الفاشية.
إذا لم يتم استثمار هذه الفرصة التاريخية الجديدة فإن المعنى الوحيد لذلك هو سقوط القيادات الفلسطينية عن بكرة أبيها، ومن دون استثناء، في حين أن استثمارها هو مرحلة نهضة وطنية كبيرة لم تكن بحسبان أحد، وخصوصاً بحسبان ترامب ونتنياهو.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...