ريفيرا فلسطين
![](https://www.raya.ps/cached_uploads/resize/835/558/2024/06/03/كاتب-1717395722.jpg)
الكاتب: أسامة خليفة
كاتب فلسطيني
طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فكرته «الرائعة» بعنوان « ريفييرا الشرق الأوسط» التي قال إن «الجميع يحبونها»، إلا المعنيين فيها، المقصود أصحاب الأرض أهل غزة، وجيرانهم الحقيقيين من شعوب الدول العربية «مصر، الأردن..» التي سيهجّرون إليها، وهو يفترض أنه يقدم عرضاً مغرياً بمنح الفلسطينيين أرضاً جديدة، وبيوتاً جديدة جميلة، بدلاً من الخيام المهترئة التي لا تحمي من برد ومطر، ولا تصمد أمام رياح بسيطة يهزها، ولا برد متوسطي يداهمها ليلاً، وهم نيام في منطقة مدمرة، ومراكز إيواء تفتقد الخدمات، بعضها أصابها التدمير الكلي والأخرى التدمير الجزئي، وقد شهدت المنطقة «عقوداً من الموت».
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو دعا كافة الأطراف المعنية إلى التفكير فيه بجدية، وفي حال تم قبول العرض، يجب أن يتم تنسيق الخطة بين عدة دول شريكة، ملمعاً فكرة ترامب قائلاً: أنه «عرض فريد من نوعه، لم تقدم مثيلاً له أي دولة أخرى في العالم».
هل يعلم ترامب ووزير خارجيته أن أكثر من 70% من سكان غزة لاجئون في قطاع غزة، أقاموا في ثمان من مخيّمات البؤس 77 عاماً متطلعين إلى العودة إلى ديارهم التي شردوا منها، إنهم يريدون العودة إلى مدنهم «أسدود والمجدل «عسقلان» وبئر السبع...»، و 46 قرية مهدّمة « قرية الفالوجة، قرية بيت دَرَاس، قرية دمرة، حمامة، ياصور. سمسم، وغيرها... ». ذلك وفق القرار 194 الذي أصدرته الجمعية العامة، ويقضي بعودة الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها العام 1948، إلا أنّ الاحتلال رفض هذا القرار، ومنع اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها. ولاحقهم إلى غزة ليصنع نكبة جديدة، ليس باللاجئين هناك فقط، بل بالبقية من أهل غزة الباقيين على أرضهم التي عاشوا عليها منذ آلاف السنين، وهم يشكلون 30% من سكان غزة حالياً، ويريدون أن يبقوا على أرضهم لأنهم يعشقونها ويقدسون ترابها، ولا يريدون التخلي عنها للولايات المتحدة أو لغيرها.
لا وجود لغزة دون غزيين السكان الأصليين، هم أصحاب القرار فيما يخص وطنهم، لا ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة المدمر بسبب الحرب، وإعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى، متوقعاً غزة أن تكون ملكية طويلة الأمد للولايات المتحدة، ويرى أن ذلك سيجلب استقراراً كبيراً لهذا الجزء من الشرق الأوسط، وستقوم الولايات المتحدة بما يلزم في غزة، وتطور هذا المكان اقتصادياً، ويمكن أن تصبح غزة «ريفييرا الشرق الأوسط» لكن ليست لسكانها الغزيين بل لـ«أناس» سيأتون من جميع أنحاء العالم، ليعيشوا في غزة بعد «إعادة تطويرها»، وليس «إعادة إعمارها»، الإعمار لأجل إسكان أهلها المنكوبين، وليس للسياحة والسائحين المتنعمين. حيث صرح ترامب: إنه يتصور بناء منتجع حيث يمكن لأي شخص أن يعيش فيه، بعد أكثر من 15 شهراً من القصف الإسرائيلي الذي دمر الجيب الساحلي الصغير، فهل يرى صغرها كرأس قلم قياساً ومقارنة بـ«إسرائيل» التي ابتلعت نصف مساحة غزة واستولت على أراضيها في العام 1948.
وكيف نفهم تصريحات ترامب خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، هل نأخذها على محمل الجد؟. قال النائب الديمقراطي في الكونجرس آل جرين: «التطهير العرقي ليس مزحة، خاصة عندما يصدر من رئيس الولايات المتحدة، أقوى شخص في العالم، يجب أن يكون لديه القدرة على إتقان ما يقوله.
أم نضعها في خانة المناورة والمساومة السياسية؟. أم هي فقط تصريحات غير مسؤولة من رجل عرفت عنه الصفقات التجارية دون احترام الإرادة العربية، لسياسي متغطرس لا يعبأ بإرادة الشعوب، ولا بالشرعية الدولية، ولا بحقوق الأمم؟. أم هي محاولة لجذب الانتباه وحب الأنا والظهور؟.
أفكار ترامب تلقى التفضيل الواسع « حسب ترامب نفسه» لكن العرض لكي يلقى القبول يجب أن يكون جذاباً بالدعاية والاعلان المشوق لتعويض ما ينقصه من تسويق ناجح، مهمة سيقوم بها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، فهو يأخذ الفكرة على محمل الجد، ودافع عن خطة الرئيس دونالد ترامب بشأن غزة، معتبراً أنها «سخية للغاية»، وشرح المقصود منها: «لم يكن المقصود بالعرض أن يكون خطوة عدائية، بل كان، في رأيي، خطوة سخية جداً». السخاء الأميركي لا يظهر فقط في توريدات القنابل إلى إسرائيل والتي دمرت القطاع، وتتحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن هذا الدمار، بل في تصريحات ترامب نفسه، الذي قال أن الولايات المتحدة لن تدفع المليارات من أجل إعادة إعمار غزة. ألم يسمع قول ترامب إنه يعتقد أن الفلسطينيين في غزة يجب أن يُعاد توطينهم في مكان آخر، مقترحاً «قطعة أرض جديدة وجميلة» يتم تمويلها من قبل مانحين أثرياء، مستثنياً منها الولايات المتحدة وإسرائيل، وهما المسؤولان عن هذا الدمار، وتقتضي المسؤولية الأخلاقية والقانونية لا أن يدفعوا فقط بل أن يعاقبوا، ويُحال مسؤولوها إلى محكمة لاهاي. هو ينظر لكنه لا يسمع الانتقادات الفورية من كل أنحاء العالم، وسط رفض عربي ودولي لخطط تهجير سكان القطاع المدمر. ومنها ما قاله الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا: «لا يمكن قبول أن يلتقي الرئيس الأمريكي رئيس وزراء إسرائيل ويتفقا على احتـلال غــزة وتهجير أهلها».
صحا روبيو في الصباح الباكر، فرك عينيه ونظر إلى الصور الجوية، وأقر بأن «غزة تعرضت لدمار هائل»، وتنبه روبيو أن ما حدث في غزة «يشبه إلى حد ما كارثة طبيعية»، معتبراً أن «ما عرضه الرئيس ترمب بسخاء كبير هو إمكانية دخول الولايات المتحدة والمساعدة في إزالة الأنقاض، وإزالة الذخائر، والمساعدة في إعادة الإعمار، بما في ذلك بناء المنازل والشركات والمنشآت الأساسية، بحيث يمكن لـ«الناس» العودة لاحقاً، لكن في الوقت الحالي، سيحتاجون إلى مكان للعيش فيه».
وأعاد النظر والتمعن في الصور ليتنبأ بما يحدث: «إذا شاهدنا ما يحدث، سنجد أن هناك مليارات الدولارات ستكون مطلوبة لعملية إعادة الإعمار، وحجم الدمار ضخم جداً، كما أن بعض المناطق أصبحت غير صالحة للسكن الآن وفي المستقبل المنظور». وأعمل فكره ونظره وتبين له، أن « أثناء عملية إعادة البناء، وإزالة الأنقاض، هناك ذخائر غير منفجرة، وهناك أسلحة تابعة لحماس مدفونة تحت الأرض، وكل ذلك يجب إزالته بالكامل حتى يتمكن « الناس» من العيش بأمان في تلك المنطقة».
واستنتج وزير الخارجية الأمريكي بعبقريته الفذة أن هذه المهمة «ضخمة جداً»، مكرراً بشكل ممل الإشارة إلى سخاء ترامب «الشيء الوحيد الذي فعله الرئيس ترمب بسخاء شديد، من وجهة نظري، هو عرض استعداد الولايات المتحدة للتدخل، لإزالة الأنقاض، وتنظيف المنطقة من كل الدمار الموجود على الأرض، وإزالة كل الذخائر غير المنفجرة، وفي هذه الأثناء، لن يتمكن السكان الذين «يعتبرونها موطناً» لهم من العيش هناك». الذين «يعتبرونها موطناً» هل هم الفلسطينيون فقط أم الإسرائيليون أيضاً؟. وهل تنبه وزير الخارجية أن هذه القنابل التي لم تنفجر هي قنابل أميركية تحتاج إلى عامل نظافة أميركي ليزيل هذا الوسخ والعفن والقذارة الأميركية؟.
تشبه فكرة ترامب خطة اقترحها صهره زوج إيفانكا، العام الماضي في فعالية أقيمت في 8 آذار/ مارس 2024 بجامعة هارفارد، قال: إن « ممتلكات الواجهة البحرية في غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة… إذا ركز «الناس» على بناء سبل العيش»، وتم نقل الفلسطينيين إلى خارج غزة و«تنظيفها» لتطوير الواجهة البحرية «القيمة للغاية» للبحر الأبيض المتوسط في المنطقة، وقال كوشنر: «إنه وضع مؤسف إلى حد ما هناك، ولكن من وجهة نظر إسرائيل سأبذل قصارى جهدي لنقل الناس ثم تنظيف الأمر». وأضاف أنه «يتعين على إسرائيل نقل المدنيين الفلسطينيين إلى صحراء النقب في الجنوب».
على الفلسطينيين ألا يفرحوا بـ«ريفييرا غزة» حتى لو نافست «الريفييرا الإنجليزية» لأنهم لن يتمتعوا بمناخها المعتدل والمشمس ولا أن يزوروا ما سيقام فيها من منتجعات وفنادق وكازينوهات ومطاعم وبارات..، من شأنها أن تطور حركة السياحة إنها مخصصة للأثرياء فقط.