بن سلمان وترمب ومصالح البلدين
الكاتب: عمر حلمي الغول
مع بداية توليه الدورة الثانية في البيت الأبيض يوم الاثنين 20 كانون ثاني / يناير الحالي، طالب الرئيس دونالد ترامب بطريفة استعراضية فجة دول الخليج العربي عموما والسعودية خصوصا ابرام صفقات أسلحة، والاستثمار في الاقتصاد الأميركي، الذي يعاني من أزمات كبيرة، والمساهمة بتعويض واشنطن عن خسائرها، حتى انه في لقاء مع صحيفة "ديلي نيوز" الأميركية الاحد 19 كانون ثاني / يناير الحالي، حملها مسؤولية حرائق كاليفورنيا، وحملها المسؤولية عن حرب السودان، وعرج مستحضرا قضية اغتيال جمال خاشقجي، غامزا من قناة الأمير محمد بن سلمان، وعايرها بحمايتها من التدخل الفارسي، ولولا الولايات المتحدة الأميركية لأصبحت محميات إيرانية، وتتحدث اللغة الفارسية، وطالب المملكة السعودية بدفع نصف تريليون دولار أميركي، وتناسى الرئيس الجديد ما قدمته دول الخليج العربي من اسهامات في خدمة مصالح الولايات المتحدة من نفط وغاز وموقع استراتيجي وقواعد عسكرية واستثمار في الاقتصاد الأميركي عامدا متعمدا
ومع ذلك، لم يتعامل الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي بردود فعل مع تصريح ترمب، واعلن ان سيستثمر في الاقتصاد الأميركي بمبلغ 600 مليار دولار أميركي، مما دعا ترمب ليدعو السعودية لرفع سقف المبلغ لتريليون دولار، ولكن القيادة السعودية التي تعتمد سياسة الحياد الإيجابي، وتصفير المشاكل مع دول الإقليم والعالم عموما، لن تمنح المبالغ المعلن عنها مجانا، أو هبة للولايات المتحدة، وانما لديها اجندتها الوطنية، ولها مطالب مستحقة على الإدارة الأميركية الجديدة، منها: أولا دعم برنامجها النووي السلمي؛ ثانيا العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، واعتبار السعودية حليفا متميزا؛ ثالثا ابرام اتفاقية الدفاع المشترك؛ رابعا حل المسألة الفلسطينية، والزام إسرائيل بالانسحاب من أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة بعد هزيمة حزيران / يونيو 1967 بما فيها القدس الشرقية العاصمة الفلسطينية، مقابل تطبيع العلاقات مع دولة إسرائيل؛ خامسا الموافقة على صفقات الأسلحة الاستراتيجية من صواريخ وطائرات وقنابل وغيرها من قائمة الأسلحة الضرورية لتعزيز القدرة العسكرية السعودية، وهناك ملفات أخرى ذات صلة بمصالح المملكة.
ومعلوم ان القيادة السعودية بموافقتها على الاستثمار في اميركا الشمالية لم تساوم على علاقاتها مع الأقطاب الدولية الأخرى، وخاصة جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية والهند ودول البريكس، لأنها تنأى بنفسها عن الانخراط في الصراع بين الأقطاب الدولية، وارتباطا ببرنامجها الأساسي المتمثل بتعزيز مكانة الدولة السعودية في الإقليم الشرق اوسطي والعالم، باعتبارها قطبا إقليميا هاما، لما لها من ثقل جيوسياسي في العالمين العربي والإسلامي، بالإضافة للثقل الاقتصادي والمالي عالميا وبالتالي التحالف مع الولايات المتحدة والاستثمار بها، لا يعني سحب استثماراتها من الصين التي تقد بمئة مليار و200 مليون، ومئات الملايين من الدولارات في روسيا والهند وغيرها من الدول.
لأن الأمير بن سلمان من خبرته خلال العقد الماضي من إمساكه بمقاليد الحكم في العربية السعودية، وطرحه خطته 2030، ومن خلال متابعاته للتطورات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية، بات يدرك ان العالم يسير بخطى حثيثة نحو تحولات دراماتيكية، لذا لن يضع بيضه كله في السلة الأميركية. وبإعلان استعداده للاستثمار الكبير وغير المسبوق في الولايات المتحدة، أولا نزع من الرئيس الأميركي ال47 قفازاته الاستعراضية المتغطرسة بالتهديد والوعيد؛ وثانيا وضع على الطاولة الأميركية أولوياته المطلوبة من الإدارة الجديدة، مقابل الاستثمار في الاقتصاد الأميركي، الذي يفترض ان يعود بالربح والارصدة المالية الجديدة على الخزينة المالية السعودية؛ ثالثا تحقيق المصالح الحيوية للقطب السعودي؛ رابعا حل المسألة الفلسطينية، التي كانت ومازالت قضية العرب المركزية، والتي عززتها الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني في ارجاء الوطن الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة على مدار 471 يوما حتى يوم 19 كانون ثاني / يناير الحالي مع إبرام اتفاقية الهدن الثلاث وصفقة تبادل الرهائن بنحو الفين من أسرى الحرية الفلسطينيين. وغيرها من الأهداف السعودية.
بعض المراقبين وصف السياسة السعودية، بانها تقوم على سياسة الانحياز الإيجابي، بتعبير أدق تتحرك السياسة السعودية وفق ما تمليه مصالحها الحيوية، ولا تقوم على ردود الفعل، أو المواقف التقليدية لسياسات القيادات السابقة. وأي كان التوصيف لمنهجية ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي، فإن الناظم لها الارتقاء بمكانة المملكة، وحماية مكانتها الوطنية والعربية والإقليمية والدولية، وترتكز على مبدأ "الاخذ والعطاء"، وفي المقابل تفادي الاخطار، والابتعاد عن التورط في حروب غير ذي فائدة مرجوة. والمستقبل المنظور كفيل بكشف آفاق تطور العلاقات الثنائية السعودية الأميركية.