بلا دولة... الفلسطينيون كلهم لاجئون
الكاتب: نبيل عمرو
"بعد أن جدد الرئيس ترمب اقتراحه على مصر والأردن لاستقبال مئات ألوف الغزيين، فإنه يعمّق حالة اللجوء الفلسطيني ويوسعها، ما يستوجب إعلامه بحقيقة أن ما يحتاجه الفلسطينيون في الأساس هو دولة حقيقية، وليس مخيمات جديدة".
منذ وجد أول مخيم فلسطيني في العام 1948، وإلى أيامنا هذه، واصل المخيم إثبات حضوره في الحياة الفلسطينية، ليس كملاذ لأناسٍ هجروا من ديارهم، لتنفق عليهم وكالة الغوث الدولية، بل كعنوان لظاهرة اللجوء التي تطورت واتسعت لتشمل الفلسطينيين جميعاً، سواء من يحمل البطاقة الزرقاء الممنوحة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، أو من يعيش في أي مكان داخل فلسطين وخارجها.
الذين بقوا في مدنهم وقراهم التي احتلت في العام 1948 وأقيمت عليها دولة إسرائيل هم لاجئون في الواقع ما داموا غير متساويين في الحقوق والواجبات وما دام يُنكر عليهم حقيقة أنهم أهل البلاد الأصليون، وهذا حالهم منذ أن كانوا يعدون بالآلاف حتى صاروا يعدون بالملايين.
حين أُعلن عن تأسيس الدولة العبرية لجأ كثيرون إلى أقرب الأمكنة التي أتيحت لهم، وكان مقصدهم الضفة الغربية وغزة أولاً، ثم لبنان وسوريا، وبعدد أقل مصر، ومع أن الذين لجأوا إلى الضفة لم ينظر إليهم كغرباء إلا أن إقامتهم في مخيمات أسستها وكالة الغوث، فرضت عليهم تميزاً سلبياً عن أشقائهم، وبفعل اتحاد الضفتين الغربية والشرقية، امتلأت المملكة الأردنية الهاشمية بالمخيمات، وكانت الجنسية الأردنية الكاملة التي حصل عليها الجميع عامل توحيد للحالة، ولكنها لم تكن كذلك في الشعور.
خارج المملكة التي قامت على الضفتين، وأسست لوحدة ناجحة بين شعبين وكيانين، انتشر المخيم واللاجئون بكثافة في ذلك البلد، وكذلك في لبنان وسوريا دون أن يحصل ساكنوا المخيم في البلدين الشقيقين على الحقوق والواجبات التي حصل عليها نظرائهم في الأردن، ذلك عمّق شعور اللاجئ في النفوس، واتحد فيه كل فلسطيني مع فلسطيني آخر أينما وجد ومهما علا شأنه الوظيفي في البلد المضيف.
طول أمد اللجوء وانتشار الفلسطينيين خارج المخيمات بما شمل العالم كله، وفّر لهم بفعل النظم التي تحكم البلدان التي عاشوا فيها، فرصاً للتميز في كل المجالات، وفي بلدان عديدة وصل اللاجئ الفلسطيني إلى مرتبة رئيس دولة، ورئيس حزب، ورئيس وزراء، وما حول ذلك وما دونه من مراتب.
غير أن الفلسطيني ظل يشعر في قرارة نفسه بأنه لاجئ، ذلك لأنه لم يحمل وثيقة تؤكد انتماءه الأصلي سوى أن أجداده كانوا من تابعيات مختلفة ليس منها الانتماء لدولة فلسطينية معترف بها، وليس له من كل ذلك سوى إشارة لمكان الميلاد.
اللجوء حالة شعورية، تبقى في الروح على نحو لم تفلح كل الامتيازات والمكانات من إنهاءها، كان الجذر الأعمق الذي دفع اللاجئين الذين هم كل الفلسطينيين لأن يفكروا في الثورة، وكان منطلقها من أكثر الأماكن التي وفّرت فرصاً وثروات لهم وهي دول الخليج العربي وما أن أعلن بلاغها الأول حتى سرت الثورة في النفوس سريان النار في الهشيم.
اندفع الفلسطينيون الذي يوحدهم الشعور بأنهم لاجئون إلى المشاركة في الثورة دون حساب للخسائر التي سيتكبدونها، ولو راجعت سجل الشهداء والجرحى والمعاقين الذين يعدون بمئات الألوف، في مسيرتهم الثورية الراشحة بالدم فسوف تجد أنهم جميعاً إمّا طلبة في الصفوف النهائية في المدارس والجامعات، ومهنيون مختصون في كل المجالات، وإذا ما دققت في وضعهم الاقتصادي فقلما تجد فقيراً دفعه العوز إلى الذهاب إلى الثورة كي يتقاضى مخصصات تعينه على الحياة.
شعور اللاجئ استبد بنفوس الفلسطينيين وازداد تعمقا كلما فشلت تجربة خاضوها ذلك بفعل أن الفشل أنتج أكثر من لجوء جديد، ودون استعراض تاريخي لوقائع الفشل وما أنتج، فلنلق نظرة على الواقع الراهن، والمكان الأكثر دلالة هو المكان الفلسطيني والفشل الأوضح هو فشل تجربة أوسلو.
من يعيشون على أرض الوطن راودهم ذات يوم، شعورٌ بأن أفقاً انفتح سيؤدي إلى دولة واستقلال، ونُسب ذلك للثورة التي قادها عرفات، ووصل بها إلى غزة ثم الضفة، وبدا كما لو أن تسوية قضية القدس، مسألة وقت.
فشلت التجربة أخيراً ليعود الشعور باللجوء كحالة مشتركة بين كل الفلسطينيين أينما وجدوا إذ لا فرق في هذا الشعور بين ساكن المخيم وساكن القرية والمدينة، بين أهل غزة وأهل الضفة وبين الخارج والداخل، فكلهم بالشعور وواقع الحياة لاجئون.
لا فكاك من هذه الحالة إلا أن تنتهي سطوة الشعور باللجوء بحصول الفلسطيني على ما يساويه بكل شعوب الأرض، أن يضع في جيبه بطاقة هوية وجواز سفر صادر عن دولته، ساعتها ينتهي الشعور باللجوء القسري الذي يعيشه كل الفلسطينيين ليحل محله شعور مواطن عادي في دولة عادية.
أخيراً أقول للرئيس ترمب، هل تعالج القضية الفلسطينية بلجوء جديد ومخيمات جديدة؟