بروفة العودة للديار الأولى
الكاتب: عمر حلمي الغول
شلال العودة الهادر الى المدن والقرى والمخيمات التي نزح منها أبناء الشعب الفلسطيني العظيم أمس الاثنين 27 كانون ثاني / يناير 2025، عكس إرادة لا تلين، وإصرارا على العودة لا حدود له، وخطف عيون البشرية كلها، وكان منظرا مهيبا ومؤثرا في الوجدان الوطني الفلسطيني، وحمل مشاعر مختلطة ما بين الفرح والألم والحزن على الشهداء والجرحى والدمار الهائل للبيوت والمستشفيات والجامعات والمدارس والمساجد والكنائس والطرق، وتساقطت الدموع وجاشت النفس بالكبرياء والعزة بالشعب الجبار، الذي قهر غزاة العالم اجمع وعلى رأسهم الولايات المتحدة وحلفائها الذين خاضوا حربا عالمية على جزء من شعبي الضعيف والصغير في قطاع غزة، الذي كسر بطشهم وعنجهيتهم وغطرستهم بصموده الفولاذي والاسطوري، وغير المسبوق في سجل البشرية جمعاء.
هذا هو الشعب العربي الفلسطيني، وهذه سماته واصالته الوطنية والقومية العربية، والتي اعادت لقطاعات من شعوب الامة روح المجد والكرامة، وستبقى ذكرى العودة من مدن وقرى ومخيمات جنوب قطاع غزة الضيق ومحدود المساحة، والتي لا تزيد على 365 كيلو متر مربع الى شمال القطاع ذاته علامة فارقة في تاريخ الشعب والعالم على حد سواء، وسيدونه التاريخ بحروف من ذهب خالص، باعتباره يوما خالدا في الذاكرة الوطنية والعربية والعالمية والإسرائيلية، إن بقيت تلك الدولة اللقيطة موجودة في الجغرافيا السياسية، والتي عقب عليها ايتمار بن غفير مباشرة، وهو يرى طوفان العودة الهادر والمتدفق بقوة الإرادة والحياة والبقاء والتمسك بأرض وأهداب الوطن العربي الفلسطيني، ان (عودتهم) هزيمة كاملة لإسرائيل. كما ان عودة الامس كانت ردا على نازية نتنياهو وأركان ائتلافه الحاكم و"نصره الكامل" الكاذب، وفي ذات السياق ردا على دونالد ترمب وادارته الحالية وخيار التطهير العرقي، وادارة سلفه بايدن والدولة الأميركية العميقة، وعلى اعضاء المجلسين في الكونغرس والشيوخ والمنظمات الصهيونية واللوبيات الداعمة لها، والسيحانية الصهيونية، وعلى عرب الردة والتخاذل.
نعم كان أمس رغم الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية على الشعب العربي الفلسطيني، التي أودت نحو 250 الفا من الشهداء والجرحى يوما من أيام التاريخ الناصع البياض، والمجبول بدم الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء جميعا، والمتوج باردة البقاء والامل بالعودة الى الديار الأولى، وكما قال الشاعر العربي الكبير أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر .. ومن لا يحب صعود الجبال .. يعش ابد الدهر بين الحفر ..هذا هو الشعب العربي الفلسطيني حامل راية الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير، لن ينحني، ولن يستسلم، ولن يرفع الراية أمام الغزة ونازيو العصر الحديث، وسيواصل العطاء والكفاح بكل الوسائل والاشكال التي كفلها القانون الدولي حتى تحقيق أهدافه الكبرى.
ان عودة الامس من جنوب الى شمال القطاع، هي بمثابة البروفة الأولى للعودة للديار الأولى، لمدن حيفا وعكا ويافا واللد والرملة والمجدل والفالوجة وهربيا وحمامة والقدس الغربية والناصرة وتل الربيع وام الفحم والى كل قرية ومدينة طرد منها الفلسطيني في عام النكبة الأولى 1948. ان مناسبة الاسراء والمعراج التي حلت أمس، كانت الصدفة الضرورة، حيث ترافقت مع اسراء ومعراج الشعب الفلسطيني، لتعكس هذه الصدفة المحضة جمالية اللحظة وعبقريتها، وتلازم الواقع الوضعي مع البعد الديني، لتؤكد على حقيقة أرض الرباط، التي ستهزم الغزاة النازيون الإسرائيليون والاميركيون، كما هزمت غزاة الحقب والعصور التاريخية السابقة.
كما ان عودة أمس الاثنين المجيدة والمهيبة، والتي صفعت كل المتآمرين والمتورطين في الإبادة الجماعية والنكبات والكوارث المتعاقبة على الشعب الفلسطيني على وجوههم، وعلى مؤخراتهم، وأكدت لهم، ولكل من تواطأ معهم، ان غزة العزة عصية على الانكسار، والموت والابادة، متمثلة شعارها ورمزها "طائر الفينيق"، الذي ينهض من تحت الرماد، ولم ترحم المستعمرين بكل الوانهم وجنسياتهم وعربداتهم وفاشيتهم، ولن ترحمهم، وستبقى لهم بالمرصاد، وتنتصر عليهم وعلى ادواتهم المارقة والخارجة على القانون والمشروع الوطني التحرري، ولن تغفر ولن تسامح كل من خذلها، واستباحها ودمر أعمدة حضارتها وصوامعها ومساجدها وكنائسها وجامعاتها ومدارسها ومعاهدها. وقالت غزة مفجرة الثورة وحامية راية الوطنية، انها لا تقبل القسمة على كل مارق وخارج عن صف الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد، وستبقى عرين وعنوان الثورة والحرية والكرامة والاستقلال والعودة وتقرير المصير، وسينهض أبناء الشعب من جديد، ومن تحت الرماد ليعيدوا بنائها، وتعود قلعة للشموخ والفولذة الوطنية.