إدارة ترامب في الشرق الأوسط، وعود زائفة ورؤية عقائدية فاشية ودينية مشوهة
الكاتب: مروان أميل طوباسي
تلخيص :
منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، تميزت سياساته بعقائدية متطرفة وتجاهل كامل للحقوق الفلسطينية، مع التركيز على تعزيز الهيمنة الإسرائيلية. في خطابه الافتتاحي، استلهم ترامب رؤية "العصر الذهبي" المتأثرة بالنهج الفاشي لهتلر، ما يعكس رؤيته الفاشية ذات البعد الاقتصادي في ظل أزمة الرأسمالية.
سياسات ترامب في الشرق الأوسط اتسمت بالنفاق السياسي، الانحياز التام لإسرائيل، والترويج لوهم "صفقات اقتصادية" لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. شخصيات مثل مايك بولس وجيسون ويفكوف لعبت دورًا في ترويج حلول وهمية ، بينما تجاهلت الإدارة الأمريكية أي مصلحة في دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة .
التحالف الأمريكي-الإسرائيلي مبني على أسس ومحددات استراتيجية منها حضارية ودينية ، اضافة الى ان إسرائيل تعتبر قاعدة استراتيجية لواشنطن في المنطقة . خطوات مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ودعم المستوطنات الإسرائيلية تؤكد على هذه الرؤية. إضافةً إلى ذلك، تسعى إدارة ترامب إلى الضغط على الأردن اقتصاديًا لدفعه نحو قبول الفلسطينيين من غزة على أراضيه.
السفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هاجابي، والمندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، جسّدا السياسات العقائدية للإدارة. هاجابي، المؤيد للحق التوراتي في الضفة الغربية، يرفض إطلاق مصطلح "مستوطنات"، بينما دعمت المندوبة ذات الرؤية بوضوح.
قاعدة ترامب الانتخابية، المكونة من المسيحيين الصهيونيين، ترى دعم إسرائيل واجبًا دينيا . هذه الأيديولوجيا دفعت الإدارة لتبني سياسات تخدم المشروع الإسرائيلي بالكامل على حساب الفلسطينيين، بما في ذلك دعم ترحيل الفلسطينيين واقتراح "إخلاء مناطق" ، وضم مناطق .
تجاهل الإدارة لحقوق الفلسطينيين ظهر في "صفقة القرن" السابقة، التي ركزت على تعزيز الهيمنة الإسرائيلية وتطبيع العلاقات مع دول عربية، مثل السعودية الان التي تواجه ضغوطًا للتطبيع . رؤية ترامب للمنطقة عقائدية وتجارية ، حيث وصف غزة بـ"فرصة استثمارية"، متجاهلًا معاناة الفلسطينيين وحقوقهم السياسية في وطن .
ختاما، سياسات ترامب تدعو الفلسطينيين إلى إعادة ترتيب الأولويات وتوحيد الصفوف وفق رؤية استراتيجية واضحة لمواجهة إدارة أمريكية منحازة، والعمل على تجاوز الأوهام المرتبطة بدورها الإيجابي.
المقال كاملاً :
منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية والمتغيرات المتسارعة على كافة المستويات الدولية والإقليمية والمحلية . امام ذلك فقد مثل خطاب ترامب في تنصيبه عرض مروّع مليء بالكراهية والتركيز على العظمة الوطنية والوعد الإلهي ، مٍثل ظهور أي اتجاه تاريخي جديد ، تتعدد الآراء حول معناه .
لقد هاجم الإدارة السابقة، المهاجرين، وشرائح واسعة من الأمريكيين، بجانب سكان أمريكا اللاتينية وباقي العالم.
لقد استلهم ترامب خطابه من أول خطاب إذاعي لهتلر عام ١٩٣٣ ، حيث هاجم النظام السابق ووعد بعصر جديد من العظمة الوطنية مغلفة بمصطلح نشر السلم . لقد أعاد ترامب هذه الرؤية باستخدام مصطلح "عصر ذهبي"، ولكنه عمليا يخدم رؤية فاشية متنامية ذات إبعاد اقتصادية امام ازمة النظام الرأسمالي اليوم .
من هنا رسمت إدارته سياسة مشوهة في الشرق الأوسط تتسم بالنفاق السياسي والفاشي ، والتوجهات العقائدية المتطرفة اضافة الى الصفقات التجارية ، والانحياز الكامل إلى إسرائيل وفكرة الترانسفير . هذه السياسة لم تكتفي بتجاهل الحقوق الفلسطينية ، بل عززت الهيمنة الإسرائيلية، بينما قدمت أوهاما من خلال شخصيات مثل مايك بولس وجيسون ويفكوف. وفي الوقت ذاته، أظهرت السياسات الأمريكية تحت إدارة ترامب غياب أي مصلحة حقيقية في دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مما يعمق المعاناة الفلسطينية ويدفع باتجاه تصفية القضية.
-- وعود زائفة وشخصيات وسيطة .
باعتقادي ، لعب مايك بولس، الملياردير من أصل لبناني ووالد زوج تيفاني ترامب، دورا في تقديم وعود للفلسطينيين بأن هناك فرصة حقيقية لإحداث انفراج في ظل إدارة ترامب. هذه الوعود تبعت نمطا أمريكيا مكررا في بيع الوهم للفلسطينيين ، حيث يتم الترويج لحلول اقتصادية أو سياسية وهمية دون تقديم أي التزامات حقيقية. كذلك، سعى جيسون ويفكوف مبعوث ترامب للشرق الأوسط، إلى الترويج لدور وساطة مع الفلسطينيين، حتى أنه أبدى رغبة في زيارة غزة . لكن في الواقع لا تتعارض هذه المبادرات مع سياسات الإدارة التي تسعى لتكريس الأحتلال الإسرائيلي وتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية بالإضافة إلى مشاريع الضم والالحاق.
-- مشروع الهيمنة الإسرائيلية ضمن الإستراتيجية الأمريكية .
التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل يعتمد على مصالح استراتيجية عميقة من ضمنها محددات دينية وحضارية ثقافية ، وهو ما يجعل من فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة تتعارض مع التوجهات الأمريكية. إسرائيل تمثل قاعدة استراتيجية لواشنطن في المنطقة، ومن ثم، فإن تعزيز قوتها يخدم المصالح الأمريكية. في هذا السياق، كان دعم إدارة ترامب للمستوطنات الإسرائيلية ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة موحدة لإسرائيل خطوات تؤكد أن واشنطن ترى في استمرار الهيمنة الإسرائيلية خيارًا استراتيجيًا طويل الأمد.
فالموافقة على قرار حكومة الأحتلال الاسرائيلية تمديد وجود جيش الاحتلال في لبنان بعد انتهاء المدة وفق أتفاق الهدنة يندرج في هذا السياق من جهة .
ومن جهة اخرى ، من الواضح ايضا ان اجندة ترامب قد اسقطت الاردن من حساباتها تماما ، هو حصار اقتصادي يريد ترامب ان يفرضه على الأردن لدفعه للتماهي مع مشروعه السياسي في المنطقة واستقبال الفلسطينين من غزة على أراضيه، ذلك المشروع الذي فرمله الأردن الرسمي ابان فترة الرئيس ترامب الأولى في البيت الابيض ، والان تجري المحاولة مرة ثانية تحت سياسات التلويح بالتهديد من خلال قطع المساعدات .
من جانب اخر فأن السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاجابي، والمندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة عكسا هذه السياسات بوضوح. هاجابي، وهو من الإنجليكيين المتشددين، يؤمن بما يسمى "الحق التوراتي" لليهود في الضفة الغربية، ويرفض إطلاق تسمية "مستوطنات" على التجمعات الإسرائيلية هناك. وبالمثل، أكدت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة في تصريحاتها على هذا الحق، مما يعكس عمق التأثير العقائدي في صنع القرار الأمريكي.
-- البعد العقائدي والتأثير الانتخابي.
لا يمكن فصل سياسات ترامب عن قاعدته الانتخابية، التي تتألف بشكل كبير من المسيحيين الصهيونيين أو الإنجليين. هذه الجماعات ترى في دعم إسرائيل واجبًا دينيا وأيديولوجيا. بالنسبة لهم ، فإن "أرض إسرائيل الكبرى" تمثل جزءًا من عقيدتهم، مما يفسر الدعم غير المشروط الذي تحظى به إسرائيل من هذه الأوساط. هذا التأثير العقائدي لعب دورا كبيرًا في دفع إدارة ترامب لتبني سياسات تخدم المشروع الإسرائيلي بالكامل على حساب الحقوق الفلسطينية.
فمنذ توليه منصب الرئيس، قام ترامب ابضا بإلغاء العقوبات المفروضة على المستوطنين ، ورفع الحظر عن شحنة القنابل الى اسرائيل ،داعيا إلى نقل الفلسطينيين قسراً مع اقتراح "إخلاء مناطق .
-- غياب المصلحة في إقامة دولة فلسطينية .
إذا ما نظرنا إلى سياسة ترامب بواقعية، يتضح أن إدارته لم تكن ترى أي مصلحة حقيقية في دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة أو تمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم كما كل الإدارات السابقة . المصلحة الأمريكية تركزت على تعزيز الهيمنة الإسرائيلية، سواء من خلال خطوات سياسية مثل "صفقة القرن" التي تجاهلت تمامًا الحقوق الفلسطينية المشروعة، أو من خلال تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية مثل الإمارات والبحرين ، اضافة الى المملكة العربية السعودية التي تتصدر الأولوية اليوم في دائرة الضغط الامريكي لتوقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل .
-- وهم التنمية وعقلية الصفقات .
يتعامل ترامب مع القضايا الدولية، بما فيها القضية الفلسطينية، من منطلق "عقلية الصفقات". بدلاً من التركيز على تحقيق العدالة أو معالجة الجذور السياسية للصراع، ينظر ترامب إلى المنطقة كمكان للربح الاقتصادي. تصريحاته حول غزة بأنها "فرصة استثمار سياحية رائعة" ليست سوى مثال على هذه النظرة التجارية الضيقة، التي تقلل من اهمية وواقع معاناة الشعب الفلسطيني وتحول قضيته إلى مشروع تجاري.
-- السياسات الأمريكية تجاه غزة والمبادرة الجديدة .
في الوقت نفسه، ظهر تصريح من ترامب في الآونة الأخيرة يوضح رؤيته لما بعد الحرب في غزة، حيث اقترح أن تقوم مصر والأردن باستقبال الفلسطينيين من غزة ، قائلاً "نريد تنظيف هذا المكان بالكامل"، مما يعكس فكره الفاشي والمزيد من الاستهانة بالقضية الفلسطينية وإصرارا على تحويلها إلى ملف آخر بعيد عن الحقوق التاريخية السياسية للشعب الفلسطيني. هذه التصريحات تتماشى مع التوجهات الأمريكية التي لا تملك أي نية حقيقية لتحقيق السلام أو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة او تمكين شعبنا في حقه بتقرير المصير .
سياسات ترامب تجاه الشرق الأوسط، خاصة القضية الفلسطينية، تعكس نهجا استراتيجيا يخدم الهيمنة الإسرائيلية والدور الأمريكي بالمنطقة التي تسعى له لاعتبارات استراتيجية مختلفة، بينما يقدم وعودا زائفة للفلسطينيين من خلال النفاق السياسي . في ظل هذا الواقع، يصبح من الضروري علىينا نحن الفلسطينيين توحيد صفوفنا وفق رؤية استراتيجية واضحة والعمل على إعادة ترتيب الأولويات الداخلية والسياسية والدبلوماسية لمواجهة التحديات المتزايدة ، بما في ذلك تجاوز الأوهام المرتبطة بأي دور إيجابي لإدارة أمريكية منحازة لإسرائيل.