الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:11 AM
الظهر 11:52 AM
العصر 2:48 PM
المغرب 5:16 PM
العشاء 6:33 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

حول «المراهنات» الخاسرة... والمكلفة

الكاتب: علي الجرباوي

في إطار المفهوم التقليدي لفرض انتقال الحكم بهندسةٍ من قِبل أطراف خارجية، تُفضي إلى استبدال طرف غير مرغوب في بقائه، بآخر مرغوب في مجيئه، ينشط العديد من الأطراف، إسرائيلياً وإقليمياً ودولياً، في عملية البحث عن بديل مقبول ليحلّ محل حركة «حماس» في حكم قطاع غزة بعد أن تضع الحرب أوزارها، أو بالأصح، لكي تضع الحرب أوزارها. تتقاطع مواقف هذه الأطراف جميعها، لأسباب وأهداف ليست بالضرورة متطابقة، على رفض عودة منظومة الحكم في قطاع غزة إلى سابق عهدها، أي لسيطرة حركة «حماس» عليها واستفرادها بها. لذلك، ومن أجل إطلاق مرحلة «اليوم التالي» للحرب، التي تأتي بعد تنفيذ مراحل وقف إطلاق النار المؤقت، تنهمك هذه الأطراف حالياً في عملية البحث في البدائل المحتملة لحكم القطاع. وفي حين يُصرّ نتنياهو وحكومته اليمينية على تفكيك القدرة العسكرية والسلطوية لحركة «حماس»، ويرفض إحلال السلطة الفلسطينية مكانها، فإن الأطراف الإقليمية تجد في إشراك السلطة بحكم القطاع ضرورة موضوعية لتغطية إسهامها هي في معادلة حكم وإعادة إعمار القطاع خلال المرحلة الانتقالية. ولكن تشترط هذه الأطراف للتقدم بهذا الاتجاه أن تقوم السلطة الفلسطينية بإعادة تأهيل نفسها، وذلك بإدخال تغييرات بنيوية عميقة في هيكلها وطرائق عملها. وفي الأثناء، تقترح هذه الأطراف إما تشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني أو لجنة ذات استقلال ذاتي تختص بإدارة القطاع. ويبدو أن إدارة ترامب لن تعارض التوجه الإقليمي في حال توفرت الشروط المناسبة.
حتى الآن، لا تُوافق السلطة الفلسطينية على أيٍّ من الاقتراحين: فهي لا تريد الذهاب باتجاه حكومة توافق وطني، على الأغلب لكونها قد تتيح منفذاً لمشاركة حركة «حماس» في الحكم، ليس في قطاع غزة فحسب، وإنما في الضفة أيضاً. كما ولا تريد الموافقة على تشكيل لجنة تختص بإدارة غزة، حتى وإن كان لفترة انتقالية، كون ذلك قد يؤدي إلى تكريس الفصل الدائم للقطاع عن بقية الأرض المحتلة، وينهي إمكانية قيام الدولة الفلسطينية. فوق ذلك، ترفض السلطة الامتثال للاشتراطات الخارجية المفروضة عليها، على اعتبار أنها تُعتبر تدخُّلاً سافراً في شؤونها الداخلية، وتصرّ على أنها تجري عملية إصلاح ذاتها بذاتها.
مع إلحاح الأمر، واستمرار الأطراف الخارجية في مسعاها للتوافق على المعادلة الأنسب لحكم القطاع خلال المرحلة المقبلة، يبرز التساؤل المهم: على ماذا تعوّل السلطة في حال استمر رفضها التعاطي مع الطلبات الخارجية، ألا يتم استثناؤها، أو الالتفاف عليها، في الترتيبات القادمة؟
بخلاف جميع التقديرات المعاكسة، يبدو أن السلطة تراهن على عدم إمكانية أن يتم تخطيها في هذا الموضوع، وتعتقد أن تشبثها بموقفها سيؤدي في النهاية إلى تلبية الآخرين لمطلبها القاضي بمدّ حكمها على القطاع. وهي في هذا الشأن تستند إلى افتراضات أساسية. أولاً، أن هناك إجماعاً خارجياً على عدم عودة الحكم في غزة إلى ما كان عليه الوضع سابقاً لاندلاع الحرب. ثانياً، أنه لا يمكن أن يُكتب النجاح لأي ترتيب مستقبلي لحكم غزة دون وجود طرف فلسطيني يكون، لأسباب متعددة، في مركز المشهد. ثالثاً، أنه لا مقبولية حالية أو مستقبلية لحركة «حماس» إقليمياً أو دولياً، ما يعني أنها، مع ما تمخض عن الحرب من نتائج، ستكون وتبقى خارج المشهد السياسي المستقبلي. ورابعاً، أن السلطة الفلسطينية هي صاحبة الولاية الشرعية الأصلية لحكم الأرض المحتلة بموجب الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، والمعززة بشهادة الأطراف الإقليمية والدولية.
قد يكون الاستنتاج المبني على هذه الافتراضات هو ما يبدد قلق السلطة، ويمنحها الثقة بعدم توفر بديل عنها ليكون الطرف الفلسطيني المناسب لملء فراغ الحكم في غزة. وإذا ما جاء هذا الاستنتاج مُعزَّزاً بإيصال رسالة مباشرة تبدي الاستعداد الكامل والمفتوح بالتعاطي الإيجابي مع ما ستأتي به إدارة ترامب من مقترح لتسوية الصراع، يصبح بإمكان السلطة الشعور بالارتياح، وإهمال ضرورة التجاوب السريع مع المطالب الخارجية المنهمرة عليها، وخصوصاً من جهات عربية، والتعويل على أن وجودها في المشهد السياسي القادم في غزة هو أمرٌ مفروغ منه. وبالتالي، ما على السلطة إلا الثبات والتحلي بالصبر، إذ لا بديل عنها، والكرة ستقع في نهاية الأمر في ملعبها.
تستطيع السلطة الفلسطينية الاعتماد في التشبث بموقفها الرافض للاقتراحين المطروحَين لترتيب الحكم القادم في غزة، على هذا الاستنتاج، كونه الأكثر احتماليةً للاستخلاص من مجموعة الافتراضات المذكورة أعلاه. ولكن هل يمكن الجزم بأن هذه هي مجموعة الافتراضات الوحيدة التي يمكن استنباطها من الوقائع المحيطة بالوضعية الفلسطينية حالياً، وأنه لا توجد مجموعة أخرى من الافتراضات التي من الممكن أن تقود لاستنتاج مغاير؟
لأغراض التحليل، يمكن إيراد مجموعة أخرى من الافتراضات التي يجدر فحصها، كونها لا تقلّ بموثوقية صدقيتها عن تلك المشمولة بالمجموعة الأولى، ويمكنها أن تُنتج نتيجة مختلفة عن تلك التي تبني عليها السلطة موقفها. أولاً، إن تبنّت إدارة الرئيس ترامب «حل الدولتين»، فعلى الأغلب أن يكون بنسخة تتكون من مراحل، تنحصر مراحلها الأولى بوعد بإقامة الدولة الفلسطينية بقطاع غزة. ثانياً، يمكن أن يدعم استمرار رفض إسرائيل لتمدد سلطة السلطة الفلسطينية إلى غزة لهذه النسخة الترامبية لـ»حل الدولتين»، ما يعني أهمية وجود سلطة حكم مختلفة في القطاع عن تلك الموجودة في الضفة. ثالثاً، أن استخدام إسرائيل للقوة العسكرية هائلة التدمير لم يتمكن من إنهاء سيطرة حركة «حماس» على الحكم في غزة، والحكمة التقليدية تقول: إن استثناء القوة الموجودة على الأرض هو أمر أصعب فعلياً بكثير من مجرد الإعراب عن الرغبة في حدوث ذلك. صحيح أن حركة «حماس» لا يمكنها العودة لحكم غزة كما كان عليه الحال قبل كل التغيرات التي جاءت بها الحرب، ولكن صحيح أيضاً أن وجودها كقوة لا تزال تسيطر على الوضع في القطاع، وامتلاكها للـ»القوة المعطلة» لأي معادلة حكم تحاول أن تستثنيها، يجعل من إمكانية إقصائها من ترتيبات وضع الحكم القادم في غزة، مهمة شبه مستحيلة. ورابعاً، أن الحركات السياسية تستهدف باستمرار الحفاظ على استمرارية وجودها، ولذلك تكون دائماً على استعداد لتكييف أهدافها، ومواءمة أوضاعها مع المتغيرات التي تلمّ بها.
لكونها استُهدفت بحرب طاحنة أثّرت سلبياً ليس فقط على بنيتها وقدرتها العسكرية، وإنما طالت أيضاً قوى إسنادها في المنطقة برمّتها، فقد تلتقط حركة «حماس» متطلبات المرحلة القادمة، وتقوم بعملية التحول المطلوبة باتجاه التركيز على المجال السياسي، ما يمكن أن يفتح أمامها أفق فتح أبواب عواصم غربية موصدة حتى الآن أمامها، ويؤهلها من وجهة نظر هذه العواصم، بعد مرور فترة انتقالية، للمشاركة في السلطة القادمة في القطاع، إن لم يكن العودة لاستلامها. قد يبدو هذا الأمر ضرباً من ضروب المستحيل، ولكن يجب ليس فقط التأمل فيما يحدث حالياً في الإقليم، في سورية على وجه التحديد، وإنما ما حدث في الماضي من تحوّل أدى إلى اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، وعقد اتفاق أوسلو معها. في أحيان كثيرة، تفرض الحروب الملتبسة النتائج، بمعنى عدم الفوز الكاسح لطرف على آخر، «لحظة» تلاقي مصالح أطراف تحاربت ولم تتصالح بعد، ما يفتح المجال أمامها لإمكانية إحداث تحولات، تؤدي للقيام بمقاربات تنتهي بالتوصل إلى توافقات. في الوضعية الحالية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، قد تتلاقى المصالح المتباينة على تشجيع تحوّل حركة «حماس» سريعاً إلى المسار السياسي، وإدماجها بشكل ما في سلطة الحكم في غزة، خصوصاً إن كان القطاع سيكون مركز الدولة الفلسطينية المستقبلية. ومع أنه قد يبدو أمراً خارج سياق المتداول حالياً من توقعات، قد يكون إنتاج «حماس المتجددة» أسرع من قدرة السلطة على تقديم نسختها المتجددة، ما يمكن أن يحصر عملية انتقال السلطة في القطاع بتغيير طبيعة حركة «حماس»، وليس استبدالها بغيرها. في هذه الحالة، فإن مراهنة السلطة على حتمية حصول الاستنتاج المستخلَص من مجموعة الافتراضات الأولى ستكون ليس فقط خاطئة، بل وستؤدي أيضاً إلى نتائج خاسرة.
في هذا السياق، يجدر الانتباه إلى عدم وجود ثوابت دائمة، أو ضمانات مستمرة، في السياسة، لأن عواملها دائمة التحرك والتحول. فعدو اليوم يمكن بسهولة أن يصبح صديق الغد، والعكس صحيح. لذلك، لا يجوز بناء المواقف واتخاذ السياسات بناء على اعتبار مواقف وتوجهات الآخرين وكأنها مسلمات ثابتة لا تتغير. بل يجب الانتباه، والحرص على الأخذ بالاعتبار، أن المواقف والتوجهات السياسية ليست عقائد لا تحتمل التغيير، بل إنها تتغير مع اتجاه رياح المصالح المتحولة باستمرار، لذلك لا أعداء دائمين ولا أصدقاء دائمين.
ما يُستخلص من الاستعراض السابق أن التعويل في بناء الموقف السياسي على مجموعة افتراضات «مناسبة» قد لا يجدي نفعاً أمام وجود إمكانية لتحقق مجموعة افتراضات أخرى مقابِلة. كما ويجدر استخلاص أن ذهاب كل طرف من طرفَي الصراع الفلسطيني الداخلي باتجاه تحقيق مصالحه الخاصة، سيؤدي إلى نتائج كارثية للقضية الوطنية الفلسطينية.
إن أفضل الطرق لاجتياز المرحلة الصعبة القادمة علينا هو أقصرها، ويتلخص بتحقيق الحد الأدنى من المناعة اللازمة لتدعيم الموقف الفلسطيني، وذلك بالتوصل إلى تفاهمات داخلية ضرورية تتيح المجال لتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتمحور مهمتها حول نشل الوضع الفلسطيني مما يواجه من حالة تشظٍّ داخلي واستهداف خارجي. هذا هو الحد الأدنى المطلوب، إن فشلنا في تحقيقه، فلا لوم يقع على أحد سوى على أنفسنا.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...