حكومة الإبادة تحاصر الفرح
الكاتب: عمر حلمي الغول
لم تهن عزيمة الشعب العربي الفلسطيني حتى في أحلك لحظات الإبادة الجماعية وهول الموت والدمار والنكبات والكوارث المتعاقبة على مدار تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولم يستسلم لعتمة المستعمر الإسرائيلي النازي، ولم ينحنِ لإملاءاته وقهره العنصري الاجرامي، ولا لعمليات التطهير العرقي سابقا وحتى اللحظة، وظل يبحث عن اختطاف أي بارقة أمل كي يفرح، ويفتح مطلق كوة صغيرة للأمل ومواصلة الحياة والكفاح حتى تحقيق أهدافه الوطنية، وحافظ على موروثه الحضاري بإقامة الافراح والليالي الملاح في أية مناسبة وطنية سياسية او ثقافية أو اجتماعية، غنى ورقص وهتف وعلا الصوت كلما استطاع لذلك سبيلا.
وقرأت بعض تعليقات ومواقف للعديد من أبناء الشعب والاشقاء العرب، الذين عتبوا وتساءلوا كيف يتمكن الفلسطينيون من الفرح، رغم الموت والابادة الجماعية، التي أودت بنحو 250 الفا من الشهداء والجرحى، وليس 170 الفا في قطاع غزة على مدار 471 يوما بعد 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 حتى 19 كانون ثاني / يناير الحالي (2025)، كما أوردت بعض التقارير الفلسطينية وغيرها، وفي ظل الدمار الهائل والكارثي وغير المسبوق في تاريخ الصراع مع دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وتناسى أولئك، أن الموت المعلن والدمار والنكبة العميقة والاوسع لم يفت في عضد أبناء الشعب الفلسطيني، ولم تثنيه عن اقتناص لحظة الإعلان عن اتفاق الهدن الثلاث كي يفرح لتوقف القاء القنابل والصواريخ ولو مؤقتا، لا بل انهم واصلوا الزواج تحت القصف الإبادوي وفي خيام النزوح التي لم تحمهم من برد الشتاء ولا حرارة الصيف، ونفس الشيء في الضفة الفلسطينية والقدس العاصمة الأبدية، رغم الاجتياحات والاعتقالات والابادة بأشكال وأساليب متعددة، ومع ذلك أقاموا افراحهم واحتفوا بمناسباتهم الوطنية والاجتماعية بالطرق الملائمة للواقع، وإن كان لي من تحفظ، فهو انحصر على المبالغة لدى البعض في افراحهم، وتجهالهم الظروف الذاتية والموضوعية، وكتبت عن تلك الطقوس الفائضة عن الحاجة، وغير المحببة.
وبالتلازم مع ما تقدم، فإن حروب حكومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية لم تقتصر على القصف بأحدث القنابل والصواريخ متعددة الاوزان، والتجويع والحرمان من الماء والكهرباء والامراض ونشر الأوبئة والتلوث البيئي والنزوح والمأوى غير المقبول، لا بل واصلت حربها حتى ضد ابسط معايير الحياة، بالحرمان من الفرح بالأفراج عن أسرى الحرية، وطافت قوات الجيش والشرطة وحرس الحدود على العائلات المقدسية عشية الافراج عن اول دفعة من الرهائن الاسرائيليين وأسرى الحرية الفلسطينيين الاحد الموافق 19 كانون ثاني / يناير الحالي، وعشية الافراج عن الدفعة الثانية أمس السبت الموافق 25 من ذات الشهر، حيث قامت تلك القوات النازية باقتحام منازل عائلات الاسرى المفرج عنهم من قرى وبلدات محافظة رام الله والبيرة: سلواد، وعين قينيا، وبير زيت، وقراوة بني زيد، وبيت لقيا، والمغير، وهددتهم شفهيا من إقامة تجمعات أو أية مظاهر احتفال.
وهددت قوات الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة أهالي الأسرى المحررين بعظائم الأمور في حال أقامت الخيام لاستقبال المهنئين بالأفراج عن ابنائهم، أو لجأت لآية مظاهر من الفرح للمفرج عنهم، رغم ان بعضهم قضى زمنا فاق ال20 عاما في اقبية التعذيب والسادية الإسرائيلية، وللأسف تضمن اتفاق وقف اطلاق النار المؤقت في غزة، باتخاذ إجراءات عقابية بحقهم في حال أقاموا فعاليات احتفالية بتحرر أبنائهم؟ وينطبق على الإسرائيليين المثل القائل "إن لم تستح أفعل ما شئت."
هذه السياسة العنصرية الاجرامية تعكس وحشية ونازية إسرائيلية استثنائية، وتكشف عن وجه دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية أمام العالم، في الوقت الذي أقامت ونظمت الدولة والحكومة وعائلات الرهائن الاسرائيليين الافراح بمناسبة الافراج عن الرهينات الاسرائيليات المفرج عنهن، الامر الذي يتطلب من العالم وخاصة في دول الغرب الأوروبي والأميركي مراجعة مواقفهم من الدعم المطلق واللا مشروط لدولة إسرائيل اللقيطة والخارجة على القانون، والكف عن إغماض العيون عن جرائم حربها، وعنصريتها، التي تفقأ العيون، واتخاذ الإجراءات الرادعة، وفرض العقوبات القانونية والسياسية والاقتصادية لوقف انتهاكاتها العنصرية المتناقضة مع ابسط معايير القانون الإنساني الدولي، وعلى الهيئات الدولية أيضا تشريع قرارات أممية جديدة ضد دولة الأبرتهايد والنازية الإسرائيلية. وفي ذات الوقت، فضح القوة الفلسطينية المفاوضة "حماس" لموافقتها على ما ورد في الاتفاق المهين، التي اعتبرت ما تم "نصراً"، متجاهلة الإبادة ووحشيتها، وحجم الشهداء والجرحى من أبناء الشعب الهائل، الذين اعتبرهم قائد ما تسمى كتيبة شمال بيت حانون بعض الضحايا، متساوقا مع قائده خالد مشعل، مسؤول الخارج في المكتب السياسي لحركة حماس، الذي اعتبر مئات الالاف من الضحايا "خسائر تكتيكية". ومع ذلك، سيبقى الشعب الفلسطيني لصيقا بالفرح، ولن يبقى اسيرا للحزن والفاجعة، وسينهض كما العنقاء من تحت الرماد، مواصلا درب الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية.