التفوق القيّمي والأخلاقي الفلسطيني
الكاتب: د. محمد عودة
ليست مصادفة ولا استعراض ما شاهدناه على قنوات التلفزيون اثناء تسليم المجندات الأربع للصليب الأحمر ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في مرحلته الأولى، اليوم انتصرت قيّم ومبادئ وانسانية الشعب الفلسطيني على وحشية واجرام الاحتلال حيث تفوق على وحشية واجرام النازية.
في مشهد غير مسبوق في تاريخ تبادل الاسرى، مقاومون مسلحون يصطحبون مجندات أربع بدى على وجوههن مظهر يوشي بأنهن بصحة جيدة وأنهن كن يتلقين عناية فائقة، تشمل الملبس والدواء والغذاء الذي ربما لم يكن متاحا كما يجب لحراسهن.
بالتأكيد هذا المظهر ليس نتاج معاملة وعناية لحظية، ان مظهر المجندات كشف الستار عن عناية صحية وإنسانية شاملة على مدى خمسة عشر شهرا في ظروف غير اعتيادية حيث الخطر الدائم من ان تطالهن غارات الطيران الإسرائيلي من جهة والعوز الذي كان يعاني منه حراس المجندات.
كان مشهد عرض انتصار اطفال ونساء ورجال غزة يشكل عرضا مذلاً للصهيونية فكراً وممارسة، لقد جسدت المقاومة اليوم تفوقا إنسانيا، قيّمياً واخلاقيا مبرهنا على ان المقاومة ما زالت قوية قادرة رغم ما عاناه اهل قطاع غزة من الم وعذاب وانعدام لأبسط مقومات الحياة، ورغم ذلك فان الشعب الفلسطيني الشجاع وبالأخص اهل قطاع غزة صمد وصبر لأنه واثق من النصر الذي سيعيد له وطنه السليب.
لم نسمع أي من الاسرى المحررين من ذوي الاحكام العالية أي اشادة باي سجان، بل على العكس لم يكن السجناء بحاجة للحديث فمظهرهم يشي بالواقع الذي عاشه ولا زال اسرانا البواسل، على العكس تماما فالمجندات الأربع تلقين شهادات وهدايا من المقاومة وقبل ان يصعدن الى سيارة الصليب الأحمر شكرن محتجزيهن بوجوه مبتسمة.
فبالرغم من اننا نتألم لضحايانا الا ان شعور الفخار والعزة لا يفارقنا على عكس اسرائيل، انها جريحة تكتم غيظها وتحاول التغطية على فشلها المدوي فهي لم ولن تستطيع هزيمة الشعب الفلسطيني اما الفشل القيمي والاخلاقي في الفكر والممارسة فقد عرياها أمم المجتمع الدولي.
ستظل غزة واحدة من أعظم ملاحم الشعوب المدافعة عن كرامة وكبرياء وحرية الإنسان ستظل نبراسا هاديا لكل من يناضل لأجل حريته واستقلاله ورغم ان لا شيء يعوض حياة طفل في غزة لكنها ضريبة تدفعها الشعوب العصية على الكسر والتي لن ترفع راية الاستسلام.
اما إسرائيل التي تمارس أبشع صنوف القهر والتوحش وازهاق أرواح عشرات آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، ليس هذا فحسب بل من المتوقع ان تضاعف جرائمها المستمرة في مدن ومخيمات الضفة الغربية وأنها ستمعن تقتيلا بغية تفريغ الأرض من أصحابها على طريق التوسع الاستعماري الاحلالي الا انها لا تدرك انها بهذه الممارسات تسرع الخطى على طريق الزوال المحتوم.
إن اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها سيشهد فصله الاخير مع زوال هذا الاحتلال الذي يناقض ويعادي كل القيم الإنسانية النبيلة عندها سيحل السلام وسيتحرر الانسان ما بين النهر والبحر خاصة اليهود من فكر وايديولوجية الحركة الصهيونية التي نزعت عن الكثيرين منهم قيم الإنسانية..