أين بيتي؟ سؤال بلا إجابة
الكاتب: رامي مهداوي
"وين بيتي؟" "وين حارتنا؟!" "وين الأبراج؟!" "وين إحنا يا راجل؟!" وغيرها من الأسئلة تتردد على لسان كل فلسطيني فقد منزله في قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي الغاشم. مع توقف القصف ونقل الفضائيات لمشاهد الدمار الهائل الذي حل بمناطق واسعة من القطاع، يجد الغزيون أنفسهم أمام مأساة حقيقية تتمثل في ضياع بيوتهم وتشريد أسرهم.
عاد أصدقائي_كما عاد أكثر من مليون مواطن_ الى أماكن سكنهم وأحيائهم بعد وقف إطلاق النار، وجدوا أنفسهم أمام مشهد صادم: أكوام من الركام، وأحجار متناثرة تحمل ذكرياتهم، وأبواب مخلّعة تفصل بين بيوتهم وخرابها.
كانت بعض العائلات تبحث وسط الأنقاض عن بقايا حياة، قطعة أثاث مكسورة، صورة عائلية مغطاة بالغبار، أو حتى مفتاح منزل لم يعد له وجود.
مشاهد النساء المتشحات بالسواد وهن يصرخن بحثًا عن مقتنياتهن الضائعة وأطفال يحملون ألعابًا محطمة تعكس حجم الفاجعة التي أصابتهم.
الحديث عن المنازل المدمرة في غزة يدور حول محورين أساسيين: الأول يتعلق بالمناطق التي تم تسويتها بالأرض بالكامل، حيث اختفت المعالم والحدود، وأصبحت المنطقة مجرد ركام يصعب تمييزه. الفلسطيني الذي يعود إلى هذه المناطق لن يستطيع التعرف على منزله أو حتى موقعه السابق، مما يضاعف من معاناته النفسية والوجدانية.
أما المحور الثاني فيرتبط بالبيوت التي تضررت جزئيًا، والتي وإن كانت أقل تضررًا من الفئة الأولى، إلا أنها لم تعد صالحة للسكن وتحتاج إلى إعادة بناء شاملة. هذه البيوت تمثل تحديًا آخر أمام أهل غزة الذين يتساءلون: متى سيتم ترميمها؟ وهل ستتوفر الإمكانيات اللازمة لذلك؟
المأساة الكبرى تكمن في أن إزالة الركام وتهيئة الأراضي لعملية إعادة الإعمار قد تستغرق عدة سنوات، وهو ما يضع آلاف الأسر أمام معضلة التشريد المؤقت والبحث عن مأوى بديل. ولكن السؤال الأهم يظل: إلى أين سيذهب أصدقائي وأبناء شعبي؟
في ظل هذه الظروف المأساوية، لا بد من العمل على عدة محاور لمواجهة هذه التحديات:
1. الإغاثة العاجلة: يجب تقديم المساعدات الفورية من مأوى وغذاء واحتياجات أساسية للنازحين.
2. إعادة الإعمار: وضع خطط تنفيذية سريعة لإعادة تأهيل البنية التحتية والمنازل المتضررة.
3. توثيق الأضرار: من الضروري توثيق كافة الأضرار من خلال فرق متخصصة لضمان الحصول على الدعم الدولي لإعادة الإعمار.
4. الضغط السياسي والدبلوماسي: يجب تفعيل الجهود الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه وإلزامه بتحمل المسؤولية.
إن ما حدث في غزة ليس مجرد عدوان عسكري، بل جريمة إنسانية تستدعي تحركًا عالميًا فوريًا. الدمار الذي أصاب المنازل والبنية التحتية يكشف عن ازدواجية المعايير الدولية وفشل المنظومة الحقوقية في حماية المدنيين. لم يعد الفلسطينيون يبحثون عن مأوى فقط، بل عن حقوقهم المسلوبة والعدالة التي طال انتظارها.
إن على المنظمات الحقوقية والإنسانية العمل دون كلل لملاحقة قادة الاحتلال في المحافل الدولية، وضمان حصول الفلسطينيين على تعويضاتهم وحقوقهم الكاملة. فما حدث في غزة تجاوز كل الحدود الأخلاقية والإنسانية، وترك بصمات عميقة في نفوس من فقدوا منازلهم وأحباءهم.
وفي النهاية، رغم الألم والمعاناة، يبقى الفلسطينيون صامدين ومتمسكين بحقهم في الحياة والعودة إلى بيوتهم، لأن غزة كانت وستظل رمزًا للصمود والتحدي، ولن تندثر أحلام أبنائها تحت الركام.