أهداف العدوان على الضفة الغربية تتعدى بكثير كونها جائزة ترضية لسموتريتش
الكاتب: د. محمد عودة
جرت العادة ان يستخدم القادة الاسرائيليون دماء الشعب الفلسطيني ثمنا لصراعاتهم الداخلية، إن اهم المؤهلات التي تُعتمد لاختيار شخصية تقود اسرائيل كم قتل من الفلسطينيين، وعندما يكون التنافس محتدم بين اي متنافِسين على قيادة اسرائيل يعمد كل منهما لافتعال معركة مع الشعب الفلسطيني الاعزل لتُشكل الدماء الفلسطينية المسفوكة حينها بطاقة العبور الى قيادة اسرائيل.
في 4 يناير 2023 قدم ياريف ليفين نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي مشروع سماه الاصلاح القضائي ، بعد ستة أيام من تنصيب الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين، مما اثار جدلاً واسعاً في إسرائيل، اتسع نطاقه ليُصبح ثورة على الحكومة على شكل مظاهرات واعتصامات مكونة من مئات الآلاف تقودها المعارضة التي أسمت مشروع التعديل انقلاباً على الديموقراطية، استمرت ثورة المعارضة على ( مشروع الاصلاح )وبشكل تصاعدي حتى السابع من اكتوبر من العام نفسه، الى ان وقع طوفان الاقصى ،هذا الطوفان الذي اعتُبر من بين اهم اسباب العدوان غير المسبوق في همجية على الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة.
لقد استخدم رئيس حكومة اسرائيل هجوم السابع من اكتوبر كذريعة للعمل في خطين متوازيين، الخط الاول الهروب الى الامام فيما يخص محاكمته بتهمة الفساد والرشوة مما يمنحه مزيدا من الوقت للبقاء في رأس هرم القيادة، اما الخط الثاني فهو محاولة انجاز المشروع الاستراتيجي الذي طرحه في كتابه (مكان بين الأمم إسرائيل والعالم) والذي يستند إلى خرافات ونصوص تلمودية مشكوك في مصداقيتها، وهذا يتقاطع مع العديد من مشاريع تصفية القضية الفلسطينية التي طرحتها شخصيات قيادية و امنية في إسرائيل اضافة الى رغبته في إطالة عمر الكيان ،وقد أشار في احدى خطاباته بانه يتمنى ان تستطيع إسرائيل الاحتفال بمئة عام على قيامها .
استخدم ولا زال نتنياهو المذبحة (الابادة الجماعية ببشاعتها غير المسبوقة) لإنجاز عدة أهداف أهمها تسجيل نفسه ملكا لإسرائيل بحكم البقاء على راس الحكومة اطول مدة متفوقا على بن غوريون إضافة لحماية نفسه من القضاء الاسرائيلي الذي كان يريد (إصلاحه). وقد استخدم كل اشكال التزييف والتزوير من اجل استعطاف العالم الغربي خاصة امريكا، فقد شارك الغرب وبالاساس امريكا في حماية اسرائيل من الانهيار اضافة الى تشكيل درع يحميها من الإدانة في مجلس الامن الدولي.
على مدى ما يزيد على خمسة عشر شهراً عمل نتنياهو على إطالة امد العدوان حتى تنتهي الانتخابات الامريكية، الانتخابات التي اتت بدونالد ترامب الذي ومن منطلقات استعمارية (حيث اسرائيل تمثل حامي مصالح امريكا في المنطقة )و دينية ( الصهيونية المسيحية)التي تعمل على تجميع اليهود في فلسطين لتسريع قدوم السيد المسيح،ومن اجل ذلك فقد تعهد ترامب للمليارديرة مريم اديلسون بالسماح لإسرائيل بالتوسيع على حساب اراضي الضفة الغربية ( يهودا والسامرة) وقد رأينا قبل يومين وخلال حفل التنصيب كيف بادر ترامب الى الغاء العقوبات التي فرضتها الادارة السابقة على بعض المستوطنين الذين اعتدوا على الفلسطينيين اعتداءات صنفت على انها جرائم ضد الانسانية.
منذ فوزه أعلن ترامب انه يريد انهاء الحروب في العالم خاصة في اوكرانيا وفي قطاع غزة، اما بخصوص قطاع غزة وبحكم اختلال ميزان القوى فقد ماطل نتنياهو لفترة طويلة الا ان الضغط الامريكي اجبره على القبول بتوقيع صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الاسرى مع التاكيد على حق اسرائيل في العودة الى خيار العدوان في حال حصل اي خرق من قبل حماس لهذا الاتفاق.
لم يعطي الاتفاق نفس الحق للفلسطينيين فيما لو تم خرقه من قبل اسرائيل ، وكاد الاتفاق ان يُسقط الحكومة فقد هدد كل من سومترتش وبن غفير بالاستقالة ،بن غفير وان استقال لا يشكل خطرا جديا على الحكومة اما سموتريتش فان استقال ربما تسقط الحكومة وهذا ما لا يريده نتنياهو ولمنع الحكومة من الانهيار قدم نتنياهو جائزة ترضية لسموتريتش الذي يطالب بالاستمرار في العدوان وبما نه من غير الممكن التمرد على ترامب صعد عدوانه في الضفة الغربية من اجل عيون سموتريش وتطبيقا لرؤيتيهما بضرورة تفريغ الضفة الغربية او جزء منها من السكان وتهجيرهم طوعا وان فشلوا فقسرا كخطوة على طريق الضم.
وفي اطار تجسيد المشاريع الصهيونية بدءاً من مشروع موردخاي كيدار ومشروع ايغورا ايلاند مرورا بمشروع سموتريتش (الحسم ) وصولا الى صفقة القرن وارضاء لسموتريتش ولمنع خضوعه الى المحاكمة قرر نتنياهو توسيع العدوان في الضفة الغربية خاصة في الشمال ،ومن اجل التخلص من جملة التهم الموجهة اليه بما فيها تحمل مسؤولية فشل اسرائيل في حماية مواطنيها يوم السابع من اكتوبر فقد قدم بالأمس القريب رئيس الاركان وعدد من الضباط الكبار استقالتهم محملين انفسهم مسؤولية الاخفاق يوم السابع من اكتوبر ما يمنح نتنياهو طوق نجاة على الرغم من ان وثائق حصلت عليها اجهزة الامن الاسرائيلية وتقع في اربعين صفحة تتحدث عن تفاصيل الهجوم قُدمت الى نتنياهوا محذرة من احتمال اقدام حماس على مهاجمة غلاف غزة الا انه لما يتعاطى مع الموضوع بجدية رغم ان الوثائق نشرت قبل السابع من اكتوبر في احدى الصحف الامريكية ( نيويورك تايمز) تحت عنوان جدار اريحا.
الى متى سيبقى الدم الفلسطيني عملة التداول في البورصات الاسرائيلية؟ إن المجتمع الدولي من جهة و الامة العربية من جهة أخرى مطالبين بالعمل اليوم قبل الغد على وقف شلال الدم الفلسطيني وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره عبر معاقبة اسرائيل على كل جرائمها واجبارها على انهاء احتلالها لكل الأراضي العربية المحتلة قبل فوات الاوان، اما صُناع القرار في فلسطين فهم مطالبون بإعادة الحسابات وتقييم التجربة ، تطوير الايجابي وتصيح السلبي مما سيفضي الى تهيئة الأجواء من اجل ترتيب البيت الداخلي على قاعدة المشروع الوطني الذي تقوده منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ،الوقت ينفذ .والشلال ينزف، املي ان لا نكون الثور الأبيض حتى لا يقول العرب أُكلنا يوم اُكل الثور الأبيض.
