“تأخر إسرائيل في إبرام الصفقة : خسائر فادحة وأهداف لم تتحقق بسبب حسابات سياسية خاطئة”
الكاتب: بسام زكارنة
منذ اندلاع الحرب الأخيرة بين إسرائيل والمقاومة في 7 أكتوبر 2023، شهدت الساحة الإسرائيلية والفلسطينية تصعيدًا غير مسبوق من حيث الخسائر البشرية والمادية. ومع تفاقم الوضع الميداني، كان بالإمكان تفادي الكثير من المآسي لو وافقت إسرائيل على إبرام صفقة تبادل أسرى مبكرة. هذا التأخير لم يؤدِّ فقط إلى خسائر إسرائيلية فادحة، بل كشف أيضًا عن فشل القيادة الإسرائيلية في تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها قبل بدء الحرب ، ، بل وكشف عن طبيعة هذا الكيان وإجرامه بحيث سقط اخلاقيا و قانونيا امام العالم و اصبح قادته مطلوبون للعدالة الدولية.
خسائر إسرائيلية غير مسبوقة:
1. الخسائر البشرية:
• مقتل أكثر من 1300 إسرائيلي في أول يوم من الهجوم، وهو أكبر عدد من القتلى الإسرائيليين في يوم واحد منذ قيام دولة الاحتلال .
• وقوع أكثر من 250 شخص بين أسرى ومخطوفين بيد المقاومة، بينهم نساء وأطفال، مما أثار غضبًا داخليًا وضغطا هائلاً على الحكومة.
• استمرار القصف والعمليات البرية أدى إلى مقتل المئات من الجنود الإسرائيليين في قطاع غزة.
• مقتل 8 من المخطوفين نتيجة لتعنت نتنياهو في قبول مقترح بايدن في شهر ايار المنصرم ،(وهو كما قال بايدن نسخة عن الاتفاق الذي تم توقيعه وتنفيذ مراحله يوم امس) وتصريح بايدن هدفه ادانة نتنياهو، وهو ايضا ما زاد من غضب عائلاتهم تجاه الحكومة و يتحمل فعلا نتنياهو شخصيا وحكومته المسؤولية عن ذلك.
2. الخسائر الاقتصادية:
• الحرب كلّفت الاقتصاد الإسرائيلي ٨٠ مليار دولار نتيجة لتعطيل الحياة اليومية، وتوقف الأعمال، وتكاليف التجنيد العسكري.
• تدمير مئات المنازل والمنشآت في جنوب دولة الاحتلال بفعل الصواريخ القادمة من غزة.
• هجرة مستوطنين من المناطق الحدودية مع غزة، مما أدى إلى أزمة في توزيع السكان في الداخل الإسرائيلي.
وهذا ينطبق بشكل مضاعف في شمال دولة الاحتلال .
3. الخسائر النفسية والاجتماعية:
• فقدان الثقة بين الجمهور الإسرائيلي وقيادته السياسية، خصوصًا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي تعرض لانتقادات لاذعة من المعارضة و عائلات المخطوفين بسبب تأخر الصفقة.
• انتشار حالة من الخوف وعدم اليقين داخل المجتمع الإسرائيلي، مع زيادة الاستقطاب الداخلي بين مؤيدي ومعارضي الصفقة.
أهداف نتنياهو المعلنة و الفشل في تحقيقها
1. إسقاط حكم المقاومة:
• رغم الحملة العسكرية الواسعة التي شملت تدمير أجزاء كبيرة من قطاع غزة، لم تتمكن إسرائيل من إسقاط حكم المقاومة أو تفكيك بنيتها العسكرية.
• على العكس، خرجت المقاومة من الحرب وهي تبدو أكثر قوة وتنظيمًا، كما أظهرت الصفقة الأخيرة قدرتها على إدارة المفاوضات وإجبار إسرائيل على تقديم تنازلات وفق ما أعلنت عنه قبل و بعد الحرب .
2. القضاء على التهديد الأمني:
• الهجمات الصاروخية من غزة استمرت طوال فترة الحرب، مما يثبت أن إسرائيل لم تنجح في تحييد القدرات العسكرية للمقاومة و بالتاكيد التهديد الامني ما زال مستمراً.
• الأنفاق الهجومية، التي كانت واحدة من أكبر المخاوف الأمنية الإسرائيلية، ظلت تمثل تهديدًا مستمرًا رغم الضربات الجوية والبرية وما زال هذا الخطر قائما.
3. استعادة المخطوفين بسرعة:
• تأخرت إسرائيل في قبول صفقة تبادل الأسرى، ما أدى إلى تفاقم معاناة المخطوفين و عائلاتهم .
• التأخير في التفاوض تسبب في زيادة عدد القتلى بين المخطوفين، مما يُعد فشلًا أخلاقيًا واستراتيجيًا للحكومة.
أسباب تأخير إسرائيل في قبول الصفقة:
1. الاعتبارات السياسية الداخلية:
• حاول نتنياهو إرضاء الأحزاب اليمينية المتشددة، مثل حزب سموتريتش وبن غفير التي ترفض تقديم أي تنازلات للمقاومة.
• الخوف من أن يُنظر إلى إبرام الصفقة كـ”تنازل” سيُضعف موقف الحكومة داخليًا ولم يتمكنوا من تجنبه الان .
2. تقديرات أمنية خاطئة:
• قادة الأمن الإسرائيلي افترضوا أن الحملة العسكرية ستجبر المقاومة على تقديم تنازلات دون الحاجة إلى صفقة.
• عدم توقع أن تتمسك المقاومة بورقة المخطوفين بهذه القوة.
3. الاسباب الحقيقية لرفض نتنياهو للصفقة :
• الخوف على مستقبله السياسي: كان نتنياهو مترددًا في قبول الصفقة بسبب حساباته السياسية الضيقة، التي تتعلق بخوفه من تأثير هذه الصفقة على مستقبله السياسي، خصوصًا الخوف من محاكمته بسبب قضايا فساد و محاكته عن إخفاقه في تجنب 7 أكتوبر حيث فشلت الحكومة الإسرائيلية في تحصين الجبهة الداخلية قبل الهجوم، وهو ما جعلها تتعرض للانتقادات بسبب فشلها في تجنب الكارثة التي ضربت صورة جيشها و تفوقه.
النتائج الكارثية لعدم إبرام الصفقة مبكرًا:
1. تصاعد الغضب الشعبي:
• تزايدت الاحتجاجات أمام منزل نتنياهو ومقر الحكومة من قبل عائلات المخطوفين والجمهور الغاضب.
2. تعزيز صورة المقاومة:
• المقاومة أظهرت نفسها كطرف قادر على الصمود والمساومة بفعالية، مما عزز مكانتها في الساحة الفلسطينية.
3. خسائر غير قابلة للتعويض:
• تأخر الصفقة أدى إلى مقتل رهائن لم يكن ينبغي أن يُقتلوا، وخسائر بشرية ومادية لم يكن لها داعٍ.
قرار إسرائيل بعدم إبرام الصفقة مع المقاومة مبكراً كان خطأً استراتيجيًا كبيرًا كلفها خسائر هائلة على جميع المستويات.
• الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسها نتنياهو، تتحمل المسؤولية عن هذه النتائج الكارثية، خاصة وأن الشروط النهائية للصفقة لم تختلف كثيرًا عن تلك التي عرضت في البداية.
يبقى السؤال الذي يطرحه الإسرائيليون الآن: هل تأخر نتنياهو في اتخاذ القرار بسبب حسابات سياسية ضيقة؟ وهل سيدفع ثمن هذا التأخير سياسيًا في المستقبل؟
الوقت فقط كفيل بالإجابة، لكن الثابت أن إسرائيل خرجت من هذه الحرب وهي أضعف، بينما تمكنت المقاومة من تعزيز مكانتها في المشهد الإقليمي والدولي.