دونالد ترمب... كل شيء بات جاهزاً الآن
الكاتب: د. نهلة الخطيب
الظروف الإقليمية والدولية باتت أكثر تعقيداً، أين هو العالم الآن؟ وأين هو الشرق الأوسط؟ لا توازنات على مستوى الإقليم، ولا توازنات على مستوى العالم، ومتغيرات لا يحكمها قانون، عالم لا مكان فيه إلا للقوي، وبعد الفشل في فرض هدنة إنسانية للحرب الدائرة في غزة طيلة خمسة عشر شهراً يؤكد أن الشعوب الضعيفة تدفع الثمن عند اختلال توازن القوى والصراع على مستقبل النظام الدولي.
بايدن الصهيوني حتى الثمالة الذي لم يتوقف عن التبشير بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، بعد إخفاقه في فرض وقف لإطلاق النار ووقف المذابح، إنها حل للاحل، ولا تتجاوز عتبة التمنيات، هو متعلق بأمل أن ينجز شيئاً والتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، وبعد سنة ونيف وبعد التدمير الهائل في قطاع غزة وحرب الإبادة غير المسبوقة، تحققت الأمنيات في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، "طبعاً، بعد تدخل ترمب وبدون صفة رسمية"، ترمب أراد إنهاء كل الملفات قبل توليه السلطة، وعد بوقف إطلاق النار في غزة ولبنان واستطاع أن يجعل ذلك واقعاً، هدد الشرق الأوسط وهدد الجميع بالجحيم، وهل هناك جحيم أشد هولاً من الجحيم الحالي؟ وكلنا يدرك ماذا ينتظر المنطقة!! كل شيء بات جاهزاً الآن، فالتغيير الاستراتيجي لا يقتصر على غزة ولبنان وسوريا "واحتواء الدول الأخرى تحصيل حاصل"، مشاريع كبيرة تتربص بنا، ونعلم أن لعبة الحرب ستسمر حتى ينتصر طرف ويرسم معادلة جديدة للعالم، ستلعبها الإدارة الجديدة وستحدد موقفها من حروب المنطقة وتحركها للتفاوض.
تمادي إسرائيل وغياب القيادة الأمريكية الحازمة هو المشكلة، أمريكا دولة عظمى تحكم العالم، وإسرائيل دولة صغيرة يحكمها يمين متطرف لديه أجندات وطموحات لإقامة امبراطورية دينية يهودية توسعية، انبطح أمامها بايدن وقدم لها دعماًُ غير محدود، نتنياهو استغل ضعف بايدن ودعمه اللامحدود ورفضه مبدأ الضغط على إسرائيل، الآن هناك قائداً جديداً لأمريكا، وهو ليس بايدن، لن ينبطح لنتنياهو ويقدم دعماً غير محدد دون تجاوب، الفرق بين ترمب وبايدن، أن الأول ينظر إلى مصالح أمريكا في الشرق الأوسط، "الخليج العربي، مصر، تركيا"، وأمريكا لن تسلم سياستها الخارجية إلى إسرائيل، بعكس بايدن الذي أمسى دمية بيد نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف، التي لم تكترث بتلك المصالح، وانتهت بإسرائيل بمحكمة الجنايات الدولية، وهذا يجب أن لا يستمر، فأمريكا تعي مدى التداعيات الكارثية للوضع في الشرق الأوسط، فخسارة إسرائيل تعني خسارة الشرق الأوسط.
إسرائيل المدفوعة بعقيدة توراتية توسعية تريد طرد الفلسطينيين من غزة والضفة، ولكن هناك سلام أمريكي في المنطقة كانت القضية الفلسطينية حاضرة فيه، سلام مع مصر والأردن واتفاقات ابراهام برعاية أمريكية، وحتى السعودية تشترط التطبيع بوقف إطلاق النار وإقامة دولة فلسطينية، التركيز على السعودية كدولة محورية ومؤثرة من خلال التطبيع، "وما لهذا التطبيع من تداعيات على الاتفاق السعودي الإيراني، وتهديد للمصالح الجيوسياسية للصين ولإيران". التطبيع والسلام يحتاج إلى مناخات هادئة، وما يجري في غزة لا يسمح لأي حراك أو المضي في تطبيع علني، إسرائيل تريد خلق اشكالات مع هذه الدول عندما تريد طرد الفلسطينيين من أرضهم إلى مصر والأردن، وبالتالي خلق مشكلة إقليمية ودولية، وأعتقد أن أمريكا عندها تصور جديد للسلام، وترامب يدرك أن لا سلام باتفاقات السلام الابراهيمية بدون حل الدولتين، "ربما يكون لترمب تصور لحدود هذه الدولة وطبيعتها"، برغم أن لا أحد من إدارته يؤمن بحل الدولتين.
لم تستطيع إسرائيل السيطرة العسكرية وتحقيق أهداف الحرب بالقضاء على المقاومة، ثم عدم قدرتها على حسم الحرب التي تعد أطول حروبها، فالحرب في غزة معركة وجود للفلسطينيين تشوبها مصالح دولية وإقليمية، وكيف نجحت المقاومة بعد طوفان الأقصى بتحقيق ضربة، ظهرت إسرائيل فيها ضعيفة ومرتبكة، مما جعل التدخل الأمريكي المباشر محتوم وبالطاقة القصوى وعدم الاكتفاء بإسرائيل، الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية أقرّا بأنه لا يمكن القضاء على المقاومة، ويؤيدان صفقة التبادل ولكن السلطة السياسية لا تريدها، سموتريتش وبن غفير يضعان شروط للمشاركة في الحكومة وهو الاستمرار في الحرب في المستقبل القريب أو البعيد، وربما هذه المطالب تشكل عقبة في شكل العلاقة بين نتنياهو وترامب في المستقبل على الأقل بعد إتمام المرحلة الأولى من الاتفاق. وبنهاية المطاف على أمريكا أن تضغط على إسرائيل، التي تهمها العلاقة مع أمريكا، وعندما تتغير السياسة الأمريكية بالدعم غير محدود، تتحول المعادلة الداخلية بإسرائيل فهناك من يريد السلام، وهناك معسكر سلام ودعم بايدن جعل معسكر الحرب أقوى فيها.
ازداد النفوذ الأمريكي بالمنطقة، وواشنطن باتت الآمر الناهي، ما دامت أمريكا تعيش حالة سقوط أخلاقي، وهي من تدير موتى الأخرين، والآتي خطير جداً، فالحكاية الأمريكية نفسها، ما من شك أن أمريكا تصنع التوتر في كل أنحاء العالم، وترمب جزء من هذه السياسة. لا نتوقع أن يكون أقل اهتماماً بإسرائيل من أسلافه ولكنه أكثر اهتماماً بأمريكا. حتما سنكون مع ترمب، ولكن نحن بحاجة إلى أي رجل غير ترمب، لأنه خطر على أميركا وعلى العالم، ترمب، بين "أمريكا أولاً"، والحفاظ على موقعها كقطب أعظم وحيد في العالم، و"نظرية الرجل المجنون"، وقدرته على أن تكون هناك حالة عدم تيقن حقيقية لدى الأخرين بما سيفعله، تحدق به الأزمات من كل حدب وصوب، في الشرق الأوروبي والشرق الأسيوي والشرق الأوسط، وللتوصل إلى أي تسوية، قد تحتاج إلى حرب كبرى بتداعيات كارثية على سائر القوى، فماذا سيفعل ترمب؟؟؟؟