الهدنة وصفقة تبادل الأسرى
الكاتب: بهاء رحال
وأخيرًا، أبرمت الصفقة لوقف حرب الإبادة وخرج الاتفاق إلى العلن بعد طول انتظار وترقب، وتوقف القصف والقتل والموت في غزة، وجاءت الهدنة المنتظرة ليلملم الناس في غزة شملهم، ويعودوا إلى ركام بيوتهم، ويبكوا طويلًا ونبكي معهم كل من غابوا وكل ما رحلوا وكل من استشهدوا، وهم يشدون الرحال من جنوب النزوح إلى شمال القطاع ووسطه، إلى جباليا والشجاعية وحي الصبرة والرمال والنصيرات، إلى كل غزة المدمرة الناهضة إلى زمانها القادم، وهي تعانق الأسرى المفرج عنهم من سجون الاحتلال وفق ما جاء في الاتفاق.
أبرمت الصفقة وجاء وقت غزة الناهضة من بين جحيم الموت والقتل، وجاء زمانها بعد أن رفضت التهجير وصبرت في وجه التطهير العرقي، وذاقت مرارة الإبادة الجماعية، وعاشت فصول المقتلة بأيامها وساعاتها ودقائقها، وذاق الناس كل أشكال القهر والعذاب، في ليالي البرد والمطر وأيام الجوع والعطش والمرض، والكل كان يشهد على ذلك بالصوت والصورة، ووقفت البشرية كلها عاجزة عن وقف المقتلة، وكان الناس في غزة وحدهم. ما أصعب ما عاشوه وحدهم، وما أقسى ما تعرضوا له من وحشية غير مسبوقة.
٤٦٨ يومًا حتى جاء إعلان التوقيع على اتفاق الهدنة ووقف الإبادة، وتلك أيام من جحيم، ومن موت مستعر استمر كل دقيقة وكل ثانية، فأهوال الحرب كانت أفظع من أن تصفها كل الكلمات، وتحولت معها غزة إلى قطعة من جهنم بفعل الصواريخ والقصف والتدمير الشامل، ودُفن الناس في مقابر جماعية، ومات أطفال كثر وشباب وزهرات ونساء ورجال، وما زال الكثير منهم تحت أنقاض البيوت المهدمة، مصائرهم مجهولة بأعداد حسب التوقعات ستكون صادمة، فما فعله الاحتلال وما اقترفه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فاق منسوب حقده ودمويته المعهودة، وما أحدثه من خراب ودمار تعدى فصول إرهاب الدولة إلى دولة الإرهاب، التي مارت التدمير الشامل والقتل الجماعي وتجويع الناس، وفي محطات المقتلة مات الرُضع بردًا، وماتوا جوعًا من نقص الغذاء والدواء.
الصفقة ستنهي معاناة الناس وأشهر القهر والعذاب والموت الطويلة، وستخرج غزة ثانية من جحيم الإبادة إلى زمانها الناهض من بين الخراب والدمار، لتشق طريقها ثانية في بناية نفسها كعادتها، تضمد جراحها وتوقف نزيفها، وتتمسك بحقها في الحياة والعيش الكريم بحرية وكرامة.
قال عنها محمود درويش:
غزة لا تواصل انفجارها اليومي، لنقول لها شكراً !
وغزة لا تواصل انقضاضها اليومي على الموت لكي نكتب عنها قصيدة.
وغزة لا تجد متسعاً من الوقت لكي تقرأ تحياتنا
ولا بريد إلى غزة لأنها محاصرة بالأمل والأعداء
ورغم ذلك، نقف اليوم، وكل يوم لكي نصلي لاسمها النادر بين الأسماء.