الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:14 AM
الظهر 11:47 AM
العصر 2:34 PM
المغرب 5:00 PM
العشاء 6:19 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

أفريقيا الصينية.. بيكين تحول البوصلة، هل استعدت القارة السمراء!

الكاتب: آسيا العتروس

دأبت الصين ومنذ أكثر من ثلاثة عقود على تدشين العام الجديد بزيارة يؤديها وزير الخارجية الصيني إلى أربع عواصم إفريقية كخيار استراتيجي لتعزيز موقعها في القارة الإفريقية بعد غياب طويل للعملاق الصيني الذي انتبه لحضور القوى المنافسة ممثلة في أمريكا وروسيا واليابان فضلا عن الشريك الاوروبي التقليدي لدول القارة بكل ما تمثله من موقع جغرافي استراتيجي وجسر قائم بين دول المتوسط وبين أوروبا وأفريقيا أو كذلك كسوق واعدة يتوقع لها أن تبلغ حجم ملياري ساكن بحلول 2050..

ما هو معلوم و غير قابل للتشكيك أن الصين التي تعدل بوصلتها نحو إفريقيا بعد النجاح الذي تحقق لها في التنمية الاقتصادية والقضاء على الفقر في الأرياف لها أهدافها الواضحة التي تسعى لتحقيقها في القارة ولكن ما ليس معلوم بالمرة كيف استعدت الدول الافريقية التي تعاني أغلبها من الفقر والتخلف والعطش والبطالة تعرف ما تريد و لديها خطة مشروعة للتعامل مع بلد بحجم قارة والتي لها طموحات كبيرة تمتد إلى الهيمنة على الفضاء و كسب سلاح الذكاء الصناعي بمعنى أن الصين لن تكون إفريقية الهوية بمعنى لن تنزل إلى مستوى أفريقيا و سيتعين على الدول الأفريقية أن توجه البوصلة نحو الصين وأن تتطلع إلى الحلم الصيني وبلوغ ما بلغته الصين من تطور على مختلف المستويات.

من هذا المنطلق فإن التقليد الصيني الذي بدأ العالم ينتبه له في السنوات الأخيرة ليس بالأمر الطارئ ولم يكن نتيجة قرار اعتباطي أو غير مدروس بل على العكس من كل ذلك فهو قرار مرتبط بخيارات محسوبة ومصالح آنية ومستقبلية للصين المارد الاقتصادي المنافس الأول للعملاق الأمريكي الذي بات يحسب له ألف حساب أمام التمدد الصيني الهادئ ومساعي البحث عن شراكات وتحالفات مستقبلية تبدأ اقتصادية وتجارية وبيئية وثقافية ولكنها ستتحول لاحقاً إلى تحالفات أمنية وعسكرية أمام الانسحاب الفرنسي من دول القارة مع تنامي الرفض والعداء للوجود الفرنسي في دول عديدة  من مالي إلى بوركينافاسو والنيجر والتشاد بالنظر إلى التطور السريع للصين في المجال  العسكري..

وقد وجدت الصين في منتدى التعاون الصيني- الإفريقي الذي أطفأ شمعته الخامسة والعشرين  أرضية مناسبة لتطوير وتوسيع العلاقة الصينية الإفريقية وكانت بيكين  أعلنت خلال المنتدى الأخير المنعقد في سبتمبر الماضي في بيكين عن تمويلات  جديدة لأفريقيا بقيمة 51 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ودعم 30 مشروعًا للبنية التحتية والطاقة النظيفة في مختلف أنحاء القارة الغنية بالموارد، وإيجاد مليون فرصة عمل على الأقل في ذلك ما يمكن أن يغري أغلب الدول الإفريقية الأربع والخمسين التي تواجه تحديات وصعوبات اقتصادية متفاقمة على وقع مناخ العولمة وتداعيات جائحة كوفيد واستمرار الصراع الروسي الأوكراني والصراع في السودان والحرب في قطاع غزة والشرق الأوسط وغير ذلك من الملفات الحارقة التي حولت وجهة اهتمام الحلفاء التقليديين  في إفريقيا و دفعت إلى تراجع الاستثمارات و المساعدات وفرضت احتياجات جديدة جعلت دول القارة أكثر تداينا وهو ما أدركته الصين التي لم تتأخر عن عرض مساعداتها و خدماتها ومهاراتها التي غالبا ما تكون بمعزل عن المشهد السياسي للدول المعنية وعن مسألة الحقوق والحريات التي لا تدخل في الحسابات الصينية علما وأن تعد بلغة الارقام أكبر شريك تجاري لإفريقيا، وقد بلغت التجارة الثنائية 167.8 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام. وحتى خلال جائحة كوفيد لم تتخلف الصين عن تعزيز موقعها في إفريقيا بل لعلها وجدت في الجائحة أرضية لمزيد تعزيز علاقاتها مع عدد من دول القارة لتخفيف أعباءها في المجال الصحي والطبي والعلمي والبحث الجامعي.. يأتي ذلك فيما يبلغ حجم الاقتصاد الصيني 19 تريليون دولار..

من ويندهوك العاصمة الناميبية أعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال الأسبوع الأول من العام 2025 انطلاق جولته الإفريقية السنوية التي تشمل كذلك الكونغو والتشاد ونيجيريا في تقليد أرسته الديبلوماسية الصينية، واستمر ذلك بثبات لمدة 35 عاما دون انقطاع.

مسؤول الخارجية الصيني قال في وندهوك "إن هذا التقليد ينبع من الصداقة العميقة والدائمة بين الصين وإفريقيا، سواء خلال نضالهما من أجل الاستقلال الوطني والتحرير أو في سعيهما لتحقيق التنمية المشتركة من خلال التعاون متبادل المنفعة، كانت الصين وإفريقيا على الدوام تتفهمان بعضهما البعض وتثقان في بعضهما البعض وتدعمان بعضهما البعض وتساعدان بعضهما البعض".

لا خلاف أن الصين توجه من خلال هذه الخطوة رسالة إلى الدول الإفريقية وإلى غيرها من دول العالم تعكس توجهاتها وأهدافها ورؤيتها للنظام العالمي الجديد خارج هيمنة القطب الأمريكي الواحد، وهي بالتأكيد تغازل هذه الدول وتفتح ذراعيها للإعلان عن بناء جسور الثقة ولسان حالها يردد أن الصين لم تطلق رصاصة واحدة لكسب صداقة وثقة الشعوب والدول التي تسعى لتعزيز علاقاتها معها في شتى المجالات..

يأتي ذلك فيما يستعد الرئيس الامريكي جو بايدن لمغادرة البيت الأبيض وفي جرابه زيارة يتيمة قبل نهاية ولايته إلى أنغولا في محاولة لتطويق التمدد الصيني، في المقابل يفتح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على بلاده موجة من الانتقادات على خلفية تصريحاته المهينة للدول الإفريقية والتي عكست ثقافة استعمارية عنصرية لم يتمكن من اخفاءها في خطاباته وهو يحصد منذ فترة رفضا للوجود الفرنسي في دول القارة.

هناك حقيقة واضحة اليوم أن الصين تعدل البوصلة وتتجه بثبات نحو إفريقيا التي تزخر بالمعادن والثروات الباطنية والغاز والنفط من ليبيا والجزائر إلى نيجريا المستعمرة البريطانية السابقة التي تشهد نموا متزايدا في عديد المجالات..

هناك مسألة مهمة لا يمكن تجاهلها وهي أن الصين طالما كانت من الدول الداعمة للقضايا الإفريقية والعربية وقضايا الدول المهمشة في المنابر الأممية والصين كانت من بين أول الدول التي دعمت القضية الفلسطينية وبادرت بفتح سفارة فلسطينية في بيكين، وهو ما يجب تعزيزه والارتقاء به إلى ما كانت تحظى به هذه العلاقات قبل أن تتراجع وأن يتحقق التقدم الصيني الإسرائيلي التجاري والاقتصادي والعسكري والزراعي والمعرفي.

تعزيز العلاقات الصينية الإفريقية يمكن تحويله إلى فرصة لدور صيني أكثر فعالية في دعم الحق الفلسطيني في مواجهة الإبادة غير المسبوقة في غزة..

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...