جنين وحصافة الحسم
تقترب أحداث جنين، بغض النظر عن التوصيفات المطلقة عليها، من الشهر على بدئها دون وضوح أو اقتراب موعد لانتهائها، بل أن المظاهر المرافقة لها تشير إلى ما هو أخطر منها؛ كخطاب الحقد والكراهية والتحريض عبر حملات "غير منظمة" التخوين والملاحقة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تنذر بخراب كبير في بنية المجتمع الفلسطيني لم نشهدها في فلسطين بهذه الطريقة، وهي تكتسب تأثيرا حادا نتيجة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي دون رادع أو محاولات من قبل القيادات السياسية المختلفة للحد منها أو التعبير عن امتعاضها من هذه الحملات.
الخطر هنا أن الجميع تخلى عن حصافة العقل الكامن في عقلية دولة القانون والمؤسسات واستدعوا عقلية القبيلة "العائلة والعشائر والتنظيمات والمراجع الدينية" وهي، في ظنى، عقلية أحادية الجانب تؤمن بالقوة وترى العدالة بتحقيق النصر وبالقضاء على الآخر دون النظر للمخاطر المستقبلية فيما عقلية الدولة هي عقلية ثنائية المنشأ مصلحة المواطنين مع حماية الوطن "الأمن القومي"، والحرية يرافقها حماية مصالح الآخرين وهكذا...؛ فجميع الثنائيات القائمة في الدولة تقوم على ثلاثة قيم مُؤسسة في وثيقة اعلان الاستقلال هي: ملكية الفلسطينيين للدولة، ومشاركة الفلسطينيين في تطوير هوية الدولة، والعدالة بمساواة الفلسطينيين أمام القانون.
إن معالجة ثنائية المقاومة وإنفاذ القانون هما أمران متكاملان لا يختلف المواطنون عليهما يحتاجان إلى إعمال العقل "حصافة الحسم" والنظر بشكل معمق حول جذور واسباب وقوع هذه الاحداث في مخيم جنين وبالتالي معالجة الظواهر الاجتماعية الناجمة عنها، فالأحداث في مدينة وجنين ومخيمها هي المظهر فيما الأسباب متعددة، منها مرتبط بغياب اتفاق سياسي "فصائلي" حول شكل المقاومة ومزايا كل وسيلة من وسائلها وعيوبها، ومنافع كل أسلوب ومساوئه، وهو قرار فصائلي خاصة تلك الفصائل التي تمتلك السلاح أو لديها مجموعة مسلحة. ومنها مرتبط بعدم القيام بإنفاذ القانون بشكل دائم على الجميع بغض النظر عن طبيعة وشكل ومكانة الأشخاص المتهمين.
وبقدر المأساة التي تحصل في جنين، فإن هناك فرصة لإنجاز اتفاق وطني بتبني استراتيجية وطنية للمواجهة المفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي وتمظهراته "الجنود والمستوطنين" يتضمن الاتفاق على وسائل النضال وأساليب المقاومة الشعبية. هذا الاتفاق سيساعد على تجاوز الأزمة الداخلية القائمة، ويمنح القدرة للفلسطينيين على تجاوز المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية.
آن الأوان لإعمال حصافة الحسم في الجوانب المختلفة لحياة الفلسطينيين في مساحة الحرية المطلوبة للشعب الفلسطيني، الشراكة في العمل الوطني، واستخدام القوة المشروعة للدولة بما يحقق العدالة والمساوة والكرامة للمواطنين لوقف حالة التشنج وخطاب الكراهية والحقد والتحريض، ووقف نزيف دم غال وعزيز وارتقاء مزيد من الشهداء غالين على قلوب جميع الفلسطينيين.