الدم الفلسطيني مقدّس
الكاتب: شادي زماعره
التاريخ النضالي الفلسطيني حافل بالتضحيات العظيمة التي قدمها أبناء شعبنا من جميع الأطياف والتيارات. منذ عشرينيات القرن الماضي، قدم الشهداء أرواحهم لتحقيق هدف نبيل: تحرير الأرض، واستعادة الحرية، وصون الكرامة. على كل ذرة من تراب فلسطين، تتجلى قداسة الدم الفلسطيني الذي سال دفاعًا عن الحق والعدالة. خيرة أبناء هذا الشعب، من الأطفال والشباب والشيوخ، ارتقوا في سبيل الحرية؛ منهم من قضى في مواجهة الاحتلال، ومنهم من استُشهد ظلمًا، ليظلوا رموزًا خالدة لنضالنا المستمر.
ما نعيشه اليوم من عدوان مستمر على غزة والضفة، ومن عمليات إبادة ترتكب بحق الفلسطينيين، يضعنا أمام مسؤولية كبيرة. هذه اللحظة الفارقة تتطلب منا أن نوحّد موقفنا، وأن نرفع راية الوحدة الوطنية فوق كل انقسام، مُذكرين أنفسنا بأن الدم الفلسطيني مقدّس، ولا يجوز أن يُراق لأي سبب.
ما يحدث في جنين اليوم يمثل جرحًا عميقًا في المسار النضالي الفلسطيني، وهو مشهد يدفعنا للتساؤل: كيف يمكننا تبرير هذا للأجيال القادمة؟ كيف سنشرح لهم أن السلاح الذي وُجه يومًا ضد الاحتلال أصبح اليوم يُستخدم بين الأخوة؟ غزة والضفة الغربية قدمتا الشهداء والجرحى، ودماؤهم الزكية سالت من أجل الحرية والكرامة. لكن حين يُوجّه السلاح بين الفلسطينيين، فإن ذلك يمثل تجاوزًا لكل الخطوط الحمراء، وضياعًا للبوصلة النضالية.
هذا التحول الخطير في المسار الوطني يتطلب وقفة جادة وواعية. شهداء الوطن لن يكونوا أبدًا نتاج صراعات داخلية. لقد أثبتت التجارب المؤلمة في دول الجوار أن الخلافات الداخلية ليست إلا كارثة وطنية تأتي على الأخضر واليابس. بل إن تجربة عام 2007 في غزة كانت مثالًا حيًا على ذلك، وما زلنا نشهد نتائجها حتى اليوم. فهل سنسمح لأنفسنا بالسير مجددًا في هذا الطريق المدمر؟
رفض القتال الداخلي هو موقف لطالما تمسّك به الشعب الفلسطيني، سواء كان سياسيًا أو اجتماعيًا. هذه النزاعات لا تخدم سوى الاحتلال، الذي يستغلها لتمزيق وحدتنا الوطنية والاجتماعية. علينا أن نعمل على حل خلافاتنا بالحوار، مع الحفاظ على التضامن كأسرة فلسطينية واحدة تقف صفًا واحدًا في مواجهة التحديات أهمها الاحتلال والتدخلات الخارجية.
إذا كان هناك خارجون عن القانون، فإن الجهات الأمنية مسؤولة عن التعامل معهم بشفافية مطلقة، مع كشف الحقائق للرأي العام وعلى المحيط نبذهم. أما إذا كانوا مقاومين، فيجب عليهم دراسة استراتيجيتهم الوطنية والابتعاد عن المناطق المدنية خاصة المخيمات، وتفادي المساس بحياة المدنيين وتضييع الفرصة على الاحتلال لمزيد من التدمير والقتل. حماية الأمن الداخلي الفلسطيني واجب وطني يجب أن يتم دون الإضرار بوحدتنا أو تعطيل مسيرة نضالنا.
الأولوية للإنسان الفلسطيني، لأن حياته هي جوهر القضية الفلسطينية وأساس النضال. لا يمكن أن تصبح حياة الفلسطيني مجرد أرقام تُضاف إلى قوائم الضحايا، سواء على يد الاحتلال أو في نزاعات داخلية. الحفاظ على حياة كل فلسطيني هو واجب وطني وأخلاقي، لأنه يمثل الحلم والأمل والمستقبل.
علينا أن نعيد تصويب بوصلة النضال بحيث تظل الأولوية هي مواجهة الاحتلال وتحقيق الحرية. الوحدة الوطنية ليست خيارًا بل ضرورة وجودية، وهي صمام الأمان لقضيتنا. أي انقسام داخلي يُضعف تماسكنا ويمنح الاحتلال فرصة لتنفيذ مخططاته الرامية إلى تهجيرنا وإفراغ أرضنا من سكانها الأصليين.
الصمود على الأرض هو أسمى أشكال المقاومة، والتمسك بالهوية الفلسطينية هو التحدي الأكبر أمام الاحتلال. في وجه محاولات التهجير والاقتلاع، يبرز الفلسطيني كرمز للثبات والتحدي، مُثبتًا للعالم أجمع أن هذه الأرض هي أرضه، وأنه لن يتخلى عنها.
السابع من أكتوبر، سواء اتفقنا أو اختلفنا عليه في موازين الحسابات، كان مكلفا وحمل خسارة عظيمة لشعبنا وأعطى للاحتلال حججًا إضافية ليُمعن في قتلنا وحصارنا وتشديد معاناتنا.
إن مقاومة الاحتلال حق مشروع، ولكن مقاييسها وأدواتها اليوم يجب أن تُدرس بعناية فائقة، لتكون الأولوية لحماية الدم الفلسطيني والحفاظ على أرواح شعبنا. فلا يمكننا أن نتجاهل التكلفة الباهظة لأي فعل يُعرض حياتنا ومستقبلنا للخطر دون نتائج ملموسة تخدم قضيتنا.
علينا أن نستخلص العبر ونعيد تقييم استراتيجياتنا، لضمان أن تكون المقاومة وسيلة لتحقيق الحرية والكرامة. فالمقاومة ليست فقط بالسلاح، بل تتجلى في أشكال متعددة، وأهمها وأسمى أنواعها بقاء وصمود الفلسطيني على أرضه. يجب ألا تكون المقاومة مدخلًا لمزيد من الألم والمعاناة لشعبنا. إن حماية الإنسان الفلسطيني يجب أن تتصدر أولوياتنا، لأن الإنسان هو جوهر المقاومة، وحياته هي الأساس الذي يعتمد عليه النضال المستمر لتحقيق الحرية والاستقلال.
الدم الفلسطيني أقدس ما نملك، وهو الصمام الذي يحفظ وحدتنا الوطنية. عدونا الحقيقي معروف، وأي انحراف عن هذه الحقيقة يمثل خطرًا جسيمًا على مستقبلنا وحقوقنا المشروعة. فلنحافظ على هذا الدم الطاهر، ولنكن أوفياء لتضحيات الشهداء، لأنهم من رسموا بدمائهم طريق الحرية والكرامة.
شادي زماعره
مدير مؤسسة إعلاميون بلا حدود