الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:13 AM
الظهر 11:45 AM
العصر 2:31 PM
المغرب 4:55 PM
العشاء 6:15 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

عبد الإله الأتيرة.. الشاهد الأخير؟

الكاتب: أحمد جميل عزم

كانت المرة الأولى التي سعيت فيها للحديث الشخصي مع اللواء عبد الإله الأتيرة (أبو خليل)، الذي رحل عنا يوم 24 كانون أول/ ديسمبر 2024، هو يوم قرأت أن معركة الكرامة في عام 1968، شهدت أسر عشرات المقاتلين الفلسطينيين، فنحن دائماً نركز على شق الصمود، ولا نتوقف عند معلومة مثل عدد الأسرى الكبير. وبحسب المصادر الإسرائيلية يتراوح عددهم من 120 – 150 أسير. كان عبد الإله أحدهم. ثم عرفت أنّه عمل مع الشهيد كمال عدوان، الذي كنت أعد كتاباً عنه، (صدر مؤخراً)، وهذا كان سبباً آخر للقاء، وفعلا أكرمني باستضافتي في بيته في نابلس، وأجريت معه مقابلة في 3 شباط/ فبراير 2018، استخدمت جزء يسير منها في الكتاب، والباقي يستحق أن أنشر جزء منه هنا.

استمرت علاقتي مع أبو خليل، وفي تجربتي المحدودة في لقاءات المجلسين الوطني الفلسطيني والمركزي، كان أبو خليل أشبه بالمُرشِد والراعي في الإجراءات اللوجستية، وتأمين حقي في الحديث، في المقابل كنا نتشاور ونكتب كلماتنا معاً، وآخر حديث هاتفي معه كان بشأن شباب عرين الأسود في نابلس.

كان الأتيرة شاهد وشريك في مراحل بالغة الحساسية، والمعلومات عنها منذ العام 1967 وحتى وفاته، وربما كان الشاهد الأخير على بعضها.

قال جاء أبو عمار في 4/8/1967 (إلى فلسطين وجبال الشمال). كان عبد الإله في التاسعة عشرة من عمره، وتعرف على عرفات. "وبدأنا بالعمل بالتنظيم والعمل في نابلس، وامتد النشاط إلى مناطق في قباطية، وبيت فوريك، وكفر اللبن، وعصيرة الشمالية، وتِل؛ ... عملنا فيها مراكز وقواعد عسكرية". حدثني أبو خليل أنه، وهو الشاب اليافع حينها، كان يحضر الطعام لعرفات وفدائيين في الكهوف التي اختبأوا فيها، وأنّه كان يأتي بطعام من السوق في نابلس، من الوجبات الجاهزة مثل الحمص والفول، وأنّ أمه أدركت ماذا يفعل دون أن تعرف بطبيعة الحال بالتفاصيل، فأعدت يوماً طعاماً منزلياً ودجاج وأعطته إياه وعندما حمله لعرفات، رفض الأخير التميز بطعامه عن باقي الفدائيين في كهوف أخرى، وأصر أن يوصل الطعام لآخرين.

قال أبو خليل أنّ عرفات كان مستعجلاً في الوصول لمرحلة الكفاح المسلّح. وأنّ من دخلوا في دوريات فدائية على الأقدام إلى فلسطين، حينها، وصل لنحو 50 أو 60 شخص. وقال إنّه في نهاية شهر أيلول/ سبتمبر 1967، "انكشف بعض الأخوة" وتم الاعتراف على آخرين، وخوفاً من القبض عليه بما عنده من معلومات تم توجيهه، للخروج إلى عمّان. وقال إنّه وصل هناك وبكى لحاله وحيث لا يعرف أحد، استقبله أبو ماهر غنيم، وأرسله إلى دمشق، تهريباً، حيث معسكري حركة "فتح" في الهامة وحمورية، وهناك تعرف على خليل الوزير (أبو جهاد) وأبو علي إياد وتم بدء تدريبه للعودة للأرض المحتلة. لكن بعد عشرة أيام، طلب منه أبو جهاد تحضير نفسه في مهمة للضفة الغربية، وتحديداً لإرسال رسالة لعرفات، وتم إرساله مع مقاتلين اثنين، ودليلين للطريق. وتم وضع الرسالة في ياقة جاكيت عبد الإله، وخياطتها. وفعلاً وصلوا نابلس، ويقول أنّه أنهك كثيراً في الطريق، وأن المقاتلين أسندوه ليصل. وصل إلى شخص يعرف مكان أبو عمار، وكان في مغارة ما بين قريتي بيت فوريك وبيت دجن، ووجده وحده يلبس "الشروال" ولا طعام سوى الخبر والحلاوة. عندما فُتِحَت الرسالة اتضح أنها تخبر عرفات أنّ عبد الناصر طلبه لمقابلة في مصر، ما أسعده، وبدء ترتيب الخروج.

يصف عبد الإله، كيف تم التدرب في مصر (في أنشاص وحلمية الزيتون)، ويوم قابلته عام 2018، قال لم يتبق من تلك الدورة على قيد الحياة، سوى الطيب عبد الرحيم وعبد الله حجازي وخالد طنطش. والآن جميع من تذكرهم، رحلوا عن الحياة.

سألته إن وقع في الأسر في معركة الكرامة، فأجاب بالإيجاب، وفصّل في طبيعة الحياة في منطقة الكرامة، وقال إنّ التفكير حينها، بالنسبة لمجموعته، أنّ هذه مرحلة مؤقتة قبل العودة لداخل فلسطين وعمل قواعد ارتكاز هناك. وتحدث عن طبيعة الحياة للفدائيين، حيث لا رُتب، ولا رواتب، والطعام يتم تأمينه بشكل يومي. تحدث عن تفاصيل مناقشات قرار الصمود، وأنقُل من حديثه عن المعركة "كنت متواجداً في قاعدة متقدمة في الكرامة، وكان على الشمال قاعدة صلاح تعمري، في الصباح الساعة الخامسة بدأ الهجوم بالطيران والمدفعية وبدأ الدخول "الهائل المجنون"، بغض النظر عن أسلحتنا الموجودة كان هناك إرادة، انا بعيني رأيت حمودة، الله يرحمه حمل اللغم ونزل فيه تحت المجنزرة، واشتبكنا مع من كان في المجنزرة، بدأ الطيران بحرق المنطقة، استشهد بجانبي الفسفوري إذا بتسمعوا فيه، واستشهد بجانبي أيضا أبو شريف؛ استشهد بالرشاش "ألف ستة" كما كنا نسميه، واستشهد حوالي 13 بالمنطقة التي تواجدت فيها، أصبت بجراح طفيفة وبدأت بالانسحاب من المنطقة، حتى منطقة قبل الشارع الرئيسي بحدود 500 متر، وهناك وقعت بكمين للإسرائيليين ووقعت بالأسر ومن كان معي". ولم يعترف، لكن كان هناك من اعترف عليه، وحكم أربع سنوات، قضى منهم ثلاث سنوات وعشرة أشهر، ثم تم إبعاده.

حدثني أبو خليل عن لقائه كمال عدوان وعمله معه في القطاع الغربي لحركة "فتح"، وهو ما سجلته في كتابي "كمال عدوان، رجل في ثورة، وثورة في رجل"، ومن بين مهمات كثيرة تحدث عنها، ذكر لي كيف كان ينسق وصول مدراء مدارس للقاء كمال بهدف تطويرها إلى جامعات وكليات، أو تطويرها. وحدثني عن صدمته بعد اغتيال كمال، وكم كان قد أعجب به، وبشخصيته، وحدثني بتفاصيل جميلة عن رومانسية المناضلين في لحظات الصفاء.

في فلسطين، في السنوات التي عرفته فيها كان ناشطاً بقوة في المقاومة الشعبية، وفي تفاصيل الحياة اليومية للناس، قريباً من نائب رئيس حركة فتح، ورفيق دربه، محمود العالول.

في المجلسين الوطني والمركزي، كان يركز كثيراً على أهمية تطوير المقاومة الشعبية، لكنه كان محبطاً من كثير من الملفات المحيطة بهذه المقاومة. من القصص التي لا أنساها في اجتماع للمجلس المركزي عام 2018، أنّه تزامن مع الاجتماع مظاهرات ضد قانون الضمان الاجتماعي، حمل أبو خليل صورة من المظاهرات قام بتكبيرها أثناء استراحة الغداء وطبعها، ورفعها في المجلس يقول للأعضاء أن هناك مأزق كبير قائم على التناقض بين اليومي الضاغط وبين السياسي، وانّ الأصل أن يكون الاهتمام بالمجلس المركزي وما يجري فيه.

في آخر اتصال هاتفي بيننا حدثني عن انشغاله في نابلس بالتواصل مع شباب مجموعات عرين الأسود، وتشعب الحديث للقلق من التشوش في التفكير الذي يعم المشهد.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...