"مقاومة المستوطنة الكبرى"... سبعة يونانيين في مغامرة فلسطينية
الكاتب: بثينة حمدان
في عام 2022، قرّر سبعة يونانيين زيارة فلسطين وتحويل كل ما يشهدونه تحت وطأة الاحتلال الاسرائيلي إلى واقع يعيشونه عبر فيلم وثائقي، لا سيما بعد زيارة استكشافية لاثنين منهم عام 2018. هكذا، تشكّل الفريق ليستطيع أن يملأ سيارات الأجرة الدارجة في الضفة الغربية وسعتها ثمانية ركاب بما يشمل السائق. في أول خروج لهم من القدس إلى الضفة الغربية، كان عليهم أن يستقلوا الباص رقم 218 الذي يربط القدس بالضفة، ليصبح هذا الرقم هو اسم الفريق الذي سيحاول أن يربط الضفة بالقدس عبر الفيلم الوثائقي "48: مقاومة المستوطنة الكبرى" (48 l Resisting the Big Settlement).
يتنقل بنا العمل بين أربعة مناطق، هي القدس والخليل والنبي صالح وجنين. يفتتح الفيلم بعدسة مهتزّة، تلتقط مشاهد القتال بين جنود الاحتلال والمستوطنين وأهالي المناطق المهددة بالمصادرة بهدف الاستيطان. تصوّر لنا الكاميرا صراخ الأهالي الفلسطينيين ودفاعهم عن أرضهم، وأصوات رصاص الاحتلال، قبل أن تتنقل عبر شخصيات رئيسية كل في منطقته بين حكايتهم مع الاحتلال والاستيطان، وصعوبات التنقل، وأشكال المقاومة اليومية للفلسطينيين التي تبدأ من مجرد خروجهم من المنزل لمجابهة الواقع المرير.
تنتهي أحداث الفيلم ببدايات تصلح لأفلام أخرى، فالعمل الذي استُكمل تصويره بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يضيء بخلفية سوداء على خبر اعتقال معظم الشخصيات الرئيسية والاعتداء عليها وتعذيبها، ويشير إلى وجود أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال يعيشون شتى أنواع التعذيب، وإلى ما تمارسه آليات الاحتلال من إزالة أي بنية تحتية للمقاومة الفلسطينية، خاصة في مخيمات اللاجئين في مدينتي طولكرم وجنين، وما يرافق هذا من اقتحامات واغتيالات تطاول طوباس والخليل والعديد من القرى والمدن. ولا تُذكر في الوثائقي أسماء طاقم العمل، إذ يفضلون الظهور من دون الإشارة إلى أسمائهم، تجنباً لأي مضايقات يمارسها الاحتلال الإسرائيلي قد تمنع دخولهم فلسطين مرة أخرى.
يأتي في نهاية الفيلم ما يلي: "يستمر الفلسطينييون بمقاومة الاحتلال يومياً عبر الاعتصامات والمظاهرات والصمود في المخيمات والتشاجر مع المستوطنين والجيش لمقاومة دولة إسرائيل العنصرية - المستوطنة الكبرى".
إيفا هي واحدة من أعضاء فريق 218، تحدثت عن الجهد الجماعي والتنظيم الذاتي للفيلم: "نحن من خلفيات متنوعة، ما شكل تحدياً في الوصول إلى توافق على أي رأي، حاولنا العمل بتناغم، وعمودياً وأفقياً، لتكون قصة الفيلم تعبر ليس عن كل فرد من الفريق، بل عن وجهة نظر المجموعة".
أضافت: "القصة بدأت من الاحتياج للتعرف إلى واقع فلسطين، فحتى الجالية الفلسطينية في اليونان والمتضامنون يرغبون بالتعرف أكثر إلى هذا الواقع، بل وعلى شكل الحياة والبيوت فيها. أردنا التعبير عن مناصرتنا للقضية. وحين سألنا الفلسطينيين كيف يمكن ذلك، كانت الإجابة: عبر نقل صوتنا ونقل الحقيقة إلى العالم".
أكدت إيفا أن هناك لحظات لا تستطيع العدسة التقاطها: "ما لا يمكن نقله عبر الفيلم هو اللحظات التي عشناها، فقد شاركنا في مظاهرة في بلعين ضد وجود الجدار، وتعرضنا لملاحقة الجنود الإسرائيليين، وأطلقوا النار باتجاهنا. كنت أركض بسرعة، ومع ذلك شعرت بالخطر للحظات. وفي الطريق لإحدى القرى القريبة، أنقذنا الأهالي. حينها أدركت أن الأمر معتاد وروتيني هنا". أشارت إيفا إلى أنهم بعد وصولهم بليلة، استيقظت على حجارة المستوطنين وإزعاجهم وتحطيم زجاج السيارات في الحي الذي مكثوا فيه بالقدس: "شعرنا بالخطر مرة أخرى، وكان هذا بمثابة الترحيب بنا لإنجاز مشروعنا!".
تابعت: "هناك لحظات لا يمكن إخبارها لأحد تتعلق بكل الأشياء التي تعلمناها وشعرنا بها وعشناها، مثل أغنية أناديكم التي بثها راديو التاكسي الذي يُقِلُّنا، وبدأنا جميعاً بترديد الأغنية بصوت عال. تعلمنا كثيراً من السائق ومن الفلسطينيين".
أثناء التصوير وفي الطريق من الخليل، كان عليهم الذهاب إلى جنين شمالاً. اختلف أعضاء الفريق، متسائلين عما يمكن أن تضيفه زيارة مسرح للفيلم. قالت إيفا: "كنت مع الأصوات الراغبة بزيارة المسرح الذي يقع في مخيم للاجئين رغم تأخر الوقت وصعوبة الطريق وتعب الفريق. أفضل قصصنا كانت في مسرح الحرية، مع أحمد طوباسي ومصطفى شتى، وهما المسؤولان عن المسرح".
وفي معرض تعليقها على ردود فعل الجمهور على الفيلم، قالت إيفا: "ينتهي عرض الفيلم ويبقى الجمهور في مقاعده متسمراً أمام الشاشة السوداء. كثيرون قدموا إلينا وعبروا عن رغبتهم بالذهاب إلى فلسطين والتظاهر في تل أبيب. ومنهم من رغب بزيارة مسرح الحرية، ومنهم من قال: لم أعرف أن كل هذا كان يحدث خلال فترات عملية السلام"، مضيفةً: "هذا كله يسعدنا، إذ استطعنا التحرك ضد الدعاية الإسرائيلية وتوفير معلومات للجمهور عن المقاومة والاحتلال