حرق المستشفيات عار على البشرية
الكاتب: عمر حلمي الغول
الإبادة الجماعية الأميركية الإسرائيلية على الشعب العربي الفلسطيني لم تبق ملمحا إنسانيا في قطاع غزة الا وسحقته، ودمرته، وحرقته لتكتمل فصول المسرحية التراجيدية السوداء، التي تجري على مرآى من البشرية جمعاء، وأمام أعينها في سابقة تاريخية تفوق الوصف، حيث لا توجد كلمات في قواميس اللغات الإنسانية تتناسب مع وصفها، ولا في القوانين الوضعية منذ حمورابي "1748 -1686" قبل الميلاد الى يوم الدنيا هذا، ولا في الكتب السماوية الا ما ذكر عن سعير النار الحارقة للكفار، كما جاء في القرءان الكريم، وقتل واستعباد الاغيار، كما ورد في التوراة اليهودية المزورة، وصلب الشعب الفلسطيني اسوة برسول السلام الفلسطيني، عيسى عليه السلام.
لكن الإبادة وحرب الأرض المحروقة الجهنمية وجدت في قوانين في الولايات المتحدة الأميركية والدولة اللقيطة وصنيعة الغرب الرأسمالي الإسرائيلية، التي لم يعلن عنها صراحة، لكنها اشتقت من قوانين القراصنة الاميركيين والأوروبيين والمرتزقة من يهود الخزر في إسرائيل وقانون الغاب اللا إنساني، وجرى ويجري تنفيذها ضد الهنود الحمر (سكان أميركا الأصليين) وضد الشعب الفلسطيني على مدار عقود الصراع الطويلة، وتوجت ما بعد 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 بأبشع صنوف واشكال الإبادة الجماعية في العصر الحديث.
وإذا كانت البشرية في القرن السابع والثامن عشر بحكم مستوى تطور العالم، لم يتح لها ان تشاهد ويلات وفظائع اليانكي الأميركي الأبيض ضد الهنود الحمر، الا انها ترى وتسمع وتراقب وتتابع أهوال وكارثية الإبادة الصهيو أميركية على الشعب العربي الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا لليوم 450، والشهر ال15، ومع ذلك وقفت الشعوب والأمم والدول الكبيرة والصغيرة ومؤسساتها الأممية عاجزة عن وضع حد لها، ولم تتمكن من التصدي للتغول الأميركي الوحشي، الذي قاد دفتها، وشكل حاجز صد للقرارات والتشريعات الدولية الداعية لوقف انتاج وإعادة انتاج الإبادة بشكل خرافي لسحق الشعب الفلسطيني، وشرعت بسياساتها وممارساتها وانتهاكاتها الهدف الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية، والتطهير العرقي للشعب على أساس الهوية الوطنية الفلسطينية، وحرمان صاحب الأرض والتاريخ والموروث الحضاري من حقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير اسوة بشعوب الأرض قاطبة استنادا الى قرارات الشرعية الدولية.
ما يزيد على 7000 الاف مجزرة تم ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني، الذي يذبح من الوريد الى الوريد، فمن عمليات الإبادة بأسلحة الدمار الشامل الأكثر تطورا الأميركية، الى عمليات التجويع والحرمان من الماء والدواء ومقومات الحياة الدنيا بأبسط ضروراتها الإنسانية، والنزوح والتهجير القسري، الى إخراج المراكز الصحية والمستشفيات عن الخدمة، الى احراقها وقتل الأطباء والممرضين والمسعفين والمرضى والأطفال والنساء والشيوخ والابرياء عموما، وكان آخرها أول أمس حرق مستشفى كما عدوان في جباليا أول أمس الخميس 26 كانون أول / ديسمبر الحالي، الذي يعتبر أكبر مستشفى في محافظات الشمال الغزي، وقبله حرق المستشفى الاندونيسي ومستشفى العودة، الى الاعتقال البربري والسادي للأبرياء من أبناء الشعب الذين لجأوا للاحتماء بالمستشفيات أو في محيطها، وكانت قيادة الجيش وأجهزة الامن الإسرائيلية اعترفت باعتقال 240 من المواطنين في مستشفى كمال عدوان، وعلى رأسهم مدير المستشفى الدكتور حسام أبو صفية، بعد ان تعرض للضرب المبرح أسوة بغيره من الأطباء والمسعفين والنازحين المدنيين، الذين لم يفعلوا شيئا سوى اللجوء الى المستشفى، ورفضوا النزوح الى محافظة غزة او الى محافظات الجنوب.
ومع ذلك مازال العالم يقف عاجزا أمام التغول الأميركي، مع ان الخبراء القانونيين أكدوا ان لوائح واليات عمل هيئة الأمم المتحدة تؤكد ان بإمكان الأقطاب الدولية ودول العالم الأخرى تستطيع عزل الولايات المتحدة ودولة إسرائيل فوق النازية. لا سيما وان الدولة العبرية حتى اللحظة الراهنة غير شرعية، لأنها لم تطبق القرارين الامميين 181 و194 اللذين وقع عليهما موشيه شاريت وتعهد بتطبيقهما مقابل حصول دولته اللقيطة على الاعتراف في الجمعية العامة.
ما يجري في قطاع غزة سيبقى ندبة سوداء وعار في تاريخ البشرية، لا يمكن ان يمحى الا بزوال من ارتكبها، اسوة بالنازيين الهتلريين والفاشيين الايطاليين وغيرهم من الأنظمة الديكتاتورية، وهو دلالة على ما تهدف اليه الولايات المتحدة الأميركية واداتها الوظيفية إسرائيل المارقة والخارجة على القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، والمعاهدات الأممية المختلفة، والفتوى القضائية لمحكمة العدل الدولية في تفكيك المنظومة العالمية، وإعادة تركيبها وهيكلتها وفقا لأجندتها وأهدافها الاستراتيجية في البقاء على سدة عرش الكرة الأرضية، وليس فقط تغيير خارطة الشرق الأوسط الكبير. فهل ترتقي البشرية والهيئة الأممية الى مستوى المسؤولية وفقا لقوانينها ومعاهداتها واعرافها الإنسانية، وتنفض عن كاهلها العار الذي يلاحقها في فلسطين؟