التغيير المنشود الذي ينتظره السوريون والعالم
الكاتب: ماجد كيالي
يمكن رصد ملامح التغيير الحاصل في سوريا، بعدة وجوه، تعد بتحولات إيجابية، إن تم الالتزام بها، وتعزيزها بصيغ قانونية، وبدستور، يؤطرها، وبإجماعات وطنية تحتضنها وتشكّل حاملا لها، يمكن تمثل أهم ملامحها في الآتي:
أولا، لم تشهد عملية التغيير، أو إسقاط النظام، معارك عسكرية كبيرة، إذ غلب عليها انكفاء الجيش في ثكناته، بمعنى أننا إزاء ثورة بيضاء، وهي ثورة بالمعيار الذي شكله نظام الأسد من سد، أو حجز، لإمكانيات تطور سوريا والسوريين، في كل المجالات، في العقود الست الماضية، علماً إنه لا يمثل طبقة ولا حزب ولا طائفة، ولا أي جماعة من أي نوع كان، بقدر ما كان يمثل عائلة مافيوية، احتكرت السلطة والسياسة والموارد، وتحكمت بالفضاء العام، بواسطة الفساد والاستبداد، وحولت النظام الجمهوري إلى نظام وراثي من الأب إلى الابن...
ثانيا، اتسمت عملية التغيير الحاصلة بحرصها على كسب كل السوريين، وتحصين نفسها من كل الأدران، والسدود، التي زرعها النظام بينهم، طوال 55 عاما من حكمه. هكذا فإن تلك العملية لم تشهد أي تصرف، أو موقف، على خلفية طائفية أو أيدلوجية أو مناطقية، كأنها تؤكد في ذلك أنها نقيض النظام الذي بث مشاعر التعصب والكراهية والخوف والرعب من الآخر بين السوريين، إذ خلت من عمليات ذات طابع ثأري أو انتقامي أو هوياتي، على خلفية أثنية أو طائفية، أو أيدلوجية، وهو ما أشاع مناخ الطمأنينة بين السوريين، تم التعبير عنه في الارتياح الهائل بتلك العملية، والتشجع لقبول القوى التي جلبت ذلك التغيير، مع مظاهر الاحتفاء بالخلاص من نظام الأسد في ساحات المدن السورية.
ثالثا، لم يلحظ أي اعتداء، من قبل السلطات الجديدة، على الحريات الشخصية، من الناحية العملية، بما فيها حرية الملبس والمأكل والمشرب والرأي، وبما لا ينتقص من حقوق المرأة، بل ثمة خطابات تؤكد على الحريات الفردية؛ وهذا أمر لافت، للسوريين ولغيرهم، بالقياس للتجارب السابقة للفصائل العسكرية المعارضة في "المناطق المحررة"؛ ولا يقلل من هذه الحقيقة بعض التصريحات غير المسؤولة وغير الرسمية، مع مشروعية التخوف، والحذر، إزاء مثل تلك التصريحات.
رابعا، أدت عملية التغيير إلى شطب وجود النظام الإيراني، الميلشياوي والحزبي، من سوريا، والخلاص من خطر التغيير الديمغرافي فيها... وفي كل الأحوال فقد أدى ذلك إلى إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا، ما سيؤدي ذلك إلى إضعافه في لبنان، وفي العراق.
أي أن بلدان ومجتمعات المشرق العربي ستتخلص من الضرر الذي تسبب به النظام الإيراني في تلك البلدان، إن بإثارته النزعة الطائفية، أو بتخريبه بنى الدولة والمجتمع في العراق وسوريا ولبنان.
والمؤسف أن كل ذلك كان يجري باسم فلسطين، والمقاومة، في حين أنه في الاختبار، في لحظة الحقيقة، نأت إيران بنفسها عن تدمير إسرائيل لغزة، وفي لبنان، وحتى عن سقوط نظام الأسد.
خامسا، تعتبر روسيا، أيضا، من الخاسرين في عملية التغيير، إذ تركت جرحاً غائراً في الجسم السوري، بمشاركتها النظام في قتل السوريين وتشريدهم، عبر القصف الجوي الوحشي. وفي المحصلة فإن ذلك سينعكس سلباً على مكانة روسيا في الشرق الأوسط، وعلى ادعاءاتها بكونها قوة عظمى، كما إن ذلك سيؤدي إلى انكشاف أوهامها حول بناء عالم متعددة الأقطاب.
بيد إن تلك العلامات المطمئنة، التي تمهد لخلق مكانة قوية وصورة متميزة وواعدة لسوريا الجديدة، تحتاج إلى توضيح معالم المرحلة الانتقالية، وشكل السلطة الجديدة، التي يفترض أن تعبر عن ذلك، أولا، بتمثيلها لمجتمع السوريين، بتنوعه وتعدديته، في إطار السعي لصوغ إجماعات وطنية لابد منها لاستقرار سوريا. وثانيا، بتأكيدها أنها تشكل النقيض لنظام الاستبداد والفساد، عبر استعادة الدولة والنظام الجمهوري، كدولة مؤسسات وقانون ومواطنين أحرار ومتساوين، السيادة فيه للشعب وحده، وليس لفئة أو طائفة أو طبقة أو سلطة حاكمة.
وهذا وذاك يتطلبان التعامل مع السوريين كمواطنين، متساوين، بعيداً عن مصطلحات مثل طوائف وأطياف ومكونات، فهذه المصطلحات هي التي استخدمها النظام، وتنبني على تجزئة الشعب، والتمييز بين المواطنين.
عدا عن ذلك ثمة تحديات تتعلق بإيجاد الطريقة، في هذه الظروف الدولية والإقليمية والسورية، الصعبة والاستثنائية، لوضع حد لاستغلال إسرائيل تلك الظروف، بالطرق السياسية الممكنة، مع تأكيد وحدة أراضي سوريا، بما فيها الجولان، تبعاً لمنطوق القرارات الدولية. كما يأتي ضمن ذلك تأكيد دعم حقوق الشعب الفلسطيني، أقله وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وفقاً لما يقرره هذا الشعب، عبر ممثله الشرعي والوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية.
أيضاً، ثمة التحدي المتعلق باستعادة الأكراد السوريين، كمواطنين سوريين في وطنهم، وهو أمر لا يخل بحقوقهم الفردية والجمعية، المدنية والسياسية، وضمنه انتمائهم لقومية أكبر. والقصد أن هذه المسألة يفترض إخراجها من دائرة الأجندات الإقليمية والحزبية، ومن إطار التعصب القومي، الذي لا يفيد لا السوريين ولا الكرد، وضمنهم الكرد السوريين.
طبعا، التحديات التي تتعلق بإعادة إعمار سوريا، وتشغيل عجلة التنمية في كل القطاعات الاقتصادية، وتأمين قطاع الخدمات، وتأهيل البني التحتية، تعتبر بمثابة حجر الأساس لإنهاض البلد والمجتمع، وتمكين النازحين واللاجئين، من العودة إلى بلدهم ومناطقهم.
ما يفترض لفت الانتباه إليه أن التغيير السوري حصل بتضافر العامل الداخلي/الذاتي، مع العامل الموضوعي/الخارجي، الأمر الذي لم يتوفر في السنوات الأولى للثورة السورية، لذا فإن الأطراف الفاعلة في التغيير معنية برؤية هذه الحقيقة والتعامل معها بجدية ومسؤولية، لأن بناء البلد يحتاج إلى اجماعات وطنية داخلية، كي يتوفر الاجماع الخارجي من الدول المعنية، لدعم الاستقرار وبناء سوريا الجديدة، كجزء من العالم، وليس كهامش فيه.
على ذلك فإن أي تصرف أو موقف بالضد من ذلك سيفضي إلى دولة فاشلة، ولن يفيد أية سلطة تقوم بالغلبة، ولا السوريين، الذين هم بحاجة ماسة للتغيير، فليس من مصلحة أحد خسارة سوريا مرة ثانية، وكل العالم اليوم ينظر إلى سوريا وإلى ما سيفعله السوريون ببلدهم.