حدود التفاؤل لابرام صفقة
الكاتب: عمر حلمي الغول
قبل نحو أسبوعين اطلق الرئيس دونالد ترامب الفائز بالانتخابات الرئاسية في تشرين ثاني / نوفمبر الماضي تصريحا عشية تولية سدة الرئاسة تهديدا شديدا بجعل منطقة الشرق الأوسط جحيما في حال لم تقف الحرب وتبرم صفقة تبادل الاسرى والرهائن الإسرائيليين، وعلى اثر ذلك، تضاعفت الجهود من اجل إحداث اختراق في المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والحمساوي من خلال الوسطاء وبرعاية الإدارة الأميركية الحالية، وأخذت التصريحات من الأطراف المختلفة تتحدث عن إحراز تقدم بين الطرفين، وزادت شحنة التفاؤل في أوساط المراقبين السياسيين والإعلاميين إسرائيليين وفلسطينيين واميركيين واوروبيين وعرب.
رغم ان الغالبية العظمى من الذين أطلقوا بالونات التفاؤل ليس لديهم معلومات دقيقة حول النقاط التي تم تجاوزها، والنقاط المتعثرة، وبالأمس الثلاثاء 17 كانون أول / ديسمبر الحالي، أعلن عميحاي الياهو، وزير التراث الإسرائيلي عدم وجود معلومات دقيقة حول نقاط الاتفاق والاختلاف القائمة حتى الان. وكان اعلامي إسرائيلي أعلن أول أمس وجود ضبابية حول سير المفاوضات، ودعا لعدم التعجل في الاستنتاج بشأن التفاؤل بإبرام الصفقة. وفي السياق ذاته، بحسب التقارير الإعلامية، فإن حماس وافقت على تواجد "مخفف" للجيش الإسرائيلي على طول المحاور، ومن بينها محور صلاح الدين / فيلادفيا، مع انه لا توجد تفاصيل دقيقة بشأن حجم القوات التي ستبقى. وكان مسؤول في قيادة حركة حماس، لم يكشف عن اسمه، أعلن لصحيفة الواشنطن بوست الأميركية، أن حماس قدمت تنازلات كبيرة في أكثر من نقطة، منها: عدم المطالبة بالانسحاب الكامل من القطاع، والقبول بوجود الجيش الإسرائيلي في شرقي محوري نتساريم وفيلادفيا، ومازالت مسالة عودة النازحين لمحافظتي شمال القطاع ضبابية، كما ان عدد الاسرى والرهائن الذين سيفرج عنهم، مازال من نقاط الخلاف الباقية.
وكان وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، كشف أول أمس الاثنين، ان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وعودة الرهائن بات قريبا أكثر من أي وقت مضى. وقال ذات الوزير في اجتماع مغلق مع أعضاء الكنيست، إنه "ستكون هناك أغلبية ساحقة لصالح الصفقة المطروحة على الطاولة، ونحن أقرب ما نكون اليها على الاطلاق."
ولنلاحظ ما كشفت عنه القناة "14" الإسرائيلية عن حدود منسوب التفاؤل بإمكانية إبرام الصفقة، حيث ذكرت، أن التقارب بين الطرفين يمكن أن يؤدي الى اتفاق بين إسرائيل وحماس خلال الأسابيع أو الأيام القادمة، أي انها أبقت الباب مفتوحا لزمن التوقيع على الاتفاق، ولم تضع تاريخا محددا لذلك. ومع ذلك عرضت نقاط الاتفاق المتوفرة لديها في 5 نقاط:
أولا الافراج عن عشرات من الاسرى الإسرائيليين مقابل 700 الى 1000 أسير فلسطيني على دفعات؛ ثانيا سيكون من بين الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الافراج عنهم، إطلاق سرح أسرى من أصحاب "المؤبدات العالية"؛ ثالثا وقف إطلاق النار لمدة 66 يوما؛ رابعا عودة النازحين الى شمال قطاع غزة وفق منظومة أمنية إسرائيلية ستشرف على ذلك؛ خامسا سيتم تطبيق الاتفاق الجديد على مراحل متزامنة مقبولة من الطرفين.
مما ورد أعلاه، ورغم التنازلات الكبيرة التي قدمتها حركة حماس، بشأن تخليها عن الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من القطاع، وعدم الافراج الكامل عن أسرى الحرية، وحيث ستتحكم إسرائيل بعدد ونوعية الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم، وليس وفق ما كانت تعلنه وتؤكد عليه حركة حماس، والعودة لسياسة المراحل والتزامن في الصفقة، والتخلي عن العودة الحرة والكاملة لأبناء الشعب الفلسطيني النازحين من محافظة الشمال ومدينة غزة، وإخضاع العائدين للأشراف الأمني الإسرائيلي، أي أن العودة ستكون انتقائية وفق الاجندة الإسرائيلية. والاهم سيبقى باب عودة الإبادة الجماعية مفتوحا على مصاريعه تحت أي ذريعة يمكن ان يلجأ لها نتنياهو وأركان فريقه الحاكم.
والأخطر أن رئيس الائتلاف الحاكم حتى اليوم، يعلن عن أنه لن ينسحب قبل تحقيق أهدافه المتمثلة ب"النصر الكامل"، بمعنى آخر حدود التفاؤل بالوصول لصفقة كاملة مازال ضيقا، وزمن انهاء الإبادة الجماعية مجهولا. كما لم يكشف النقاب عن مصير من بقي من مجموعات حركة حماس في القطاع، هل سيبقون في القطاع، أم يتم ترحيلهم الى دول أخرى؟
لهذا أكدت مرارا وتكرارا احذروا التفاؤل الزائد بشأن الاتفاق، حتى لو وقع غدا، لأن امكانية وقف الحرب وتولي الحكومة الفلسطينية مسؤولياتها وولايتها الكاملة على قطاع غزة، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، وترتيبات اليوم التالي للحرب مازالت في علم الغيب. ولكن من المؤكد قبل تولي الرئيس ترامب، أو مع توليه الحكم سيكون هناك اتفاق، لكن شكله وتفاصيله ضبابية وغامضة حتى الان.