ثمن روسيا للتخلي عن الأسد
الكاتب: عمر حلمي الغول
كان نظام بشار الأسد ما بين 2011 و2015 قاب قوسين او أدنى من السقوط بعد اشتعال شرارة الثورة السورية في درعا عاصمة إقليم حوران، نتاج تعاظم الرفض الشعبي والسياسي الوطني للنظام، بسبب الفساد الكبير والواسع على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية الطائفية، وبفعل تخلي العديد من الأنظمة العربية عن دعم نظام بشار لحسابات خاصة وعامة، ليس هذا فحسب، انما لتورط العديد من الأنظمة في المخطط الصهيو أميركي والإقليمي وخاصة الجارة الشمالية لسوريا، أي تركيا، التي فتحت حدودها لتدفق المجموعات الإرهابية من داعش والنصرة وجيش محمد وعشرات المسميات، بالإضافة لتدخلها المباشر والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية، وشراء ذمم العديد من مكونات النظام بما في ذلك رئيس الوزراء ووزير الدفاع وغيرهم آنذاك.
ورغم تماسك الجيش السوري بالمعايير النسبية خلال الفترة الأولى من الثورة، الا ان تطور الاحداث فاقم من ازمة نظام الأسد الابن مع تغير معادلة الصراع الداخلي بعد تراجع مكانة القوى الوطنية والديمقراطية السورية، وانقلاب الواقع رأسا على عقب، مع دخول قوى الثورة المضادة التكفيرية على خط الصراع، وسحب البساط من تحت اقدام القوى الوطنية، التي كانت تهدف الى تجسيد ثورة ذات طابع وطني وديمقراطي وسلمي، لكن انحراف بوصلتها وتسيد قواتها على الارض التي أمست صاحبة الكلمة الأعلى، وارتدادها الى العمل المسلح في المحافظات المختلفة في اعقاب تكتيك خطير انتهجه نظام بشار الأسد بإلقاء الأسلحة في الشوارع، لاستخدام ذلك كذريعة للرد على القوى المعارضة بالسلاح، مما فاقم من مأساوية الوضع الداخلي، وزاد من انهاك الجيش السوري والنظام عموما.
مع اشتداد الازمة واتساع قوة ونفوذ قوى المعارضة، ولجوء النظام للاستعانة بدولة ولاية الفقيه الإيرانية ودخول حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية حزب الله العراقي والحشد الشعبي وغيرها من المسميات الطائفية بإمرة الحرس الثوري وقاسم سليماني، ومن ثم الدخول الروسي على الخط لمساعدة النظام السوري في أيلول / سبتمبر 2015، وتبني الدوما الروسي تشريعا بدخول القوات الروسية الى سوريا في نهاية الشهر ذاته، وبروز التناقضات بين الحليفين الروسي والإيراني، وحتى اصطدام قواتهما في بعض المواقع نتيجة التداخل، والمنافسة بينهما على من سيحصد الجزء الأكبر من كعكة النظام لحساباته الخاصة، ومحاولة بشار الأسد في تعزيز قواته من خلال بناء فرق من الميليشيات الشيعية والعلوية والدرزية وتسليحها تسليحا متوسطا، رغم انها لم تكن مؤهلة عسكريا، لان تدريبها كان بسيطا واوليا، لذا لم تشكل رافعة للجيش السوري، لا بل كانت عبئا عليه، في الوقت الذي كان الجيش يعاني من تآكل وانهاك كبير، فضلا عن انخفاض قيمة الليرة السورية، وتراجع قيمة الراتب الى الحد الأدنى، مما ساهم في اتساع دائرة الفساد داخل مؤسسة الجيش وخاصة في أوساط الضباط من المستويات العليا والوسطى، وتفشي المحسوبية، وبالتالي لم يسهم بناء تلك الفرق في تعزيز مكانة النظام.
رغم ان النظام استعاد أنفاسه بعد تدخل الحليفين الروسي والإيراني طيلة السنوات ال9 الماضية، لكنه لم يتمكن من السيطرة الكاملة على أراضي سوريا، وبقيت القوات الأميركية موجودة في مناطق استراتيجية، حيث النفط والغاز، ومع ان اتفاقية الاستانا كانون اول / يناير 2017وسوتشي أيلول / سبتمبر 2018ساهمتا في خفض التصعيد العسكري، وإيجاد مناطق منزوعة السلاح في ادلب وانسحاب القوات التركية وبعض مجموعاتها الارهابية من الأراضي السورية. لكنه لم يتمكن من فرض سيطرته التامة على الأراضي السورية.
وبعد توجيه ضربة قاصمة لحزب الله اللبناني في أيلول / سبتمبر الماضي، ومن ثم توجيه ضربات قوية للدفاعات الجوية والأسلحة الاستراتيجية وخاصة الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى، واستنادا الى المخطط الأميركي في إعادة هيكلة إقليم الشرق الأوسط، مع تحذير بنيامين نتنياهو بشار الأسد مساء الثلاثاء 28 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، الذي كان بمثابة ساعة صفر لانطلاق شرارة التدخل والهجوم الكبير للجماعات الإرهابية بقيادة "هيئة تحرير الشام" بزعامة احمد الشرع المدعومة من الحلف الثلاثي الأميركي الإسرائيلي الإيراني ، وبعد ان رفعت كل من ايران وروسيا ايديهما عن مساندة نظام الأسد، انهار النظام السوري بسرعة البرق خلال 10 أيام فقط.
وتعود أسباب وخلفيات القرار الروسي تعود الى ، أولا ان أولوية بوتين تتركز على الجبهة الأوكرانية؛ ثانيا عدم تمكن روسيا من تشتت قواتها بين أوكرانيا وسوريا؛ ثالثا قناعة القيادة الروسية ان بشار الأسد لم يسمع النصائح من الرئيس بوتين عشية هجوم الجماعات الإرهابية بالتفاوض مع الرئيس التركي اردوغان؛ رابعا تآكل قدرات الجيش السوري؛ خامسا الازمة الداخلية السورية وخاصة بين بشار وشقيقه وحتى مع قيادة الجيش الممثلة بوزير الحرب ورئيس الأركان، اللذين لم يظهرا حتى الان في المشهد الأخير مع تفكك النظام؛ سادسا رفض الشعب السوري للنظام، ودعمه لقوى المعارضة بغض النظر عن هويتها، لأنه ضاق ذرعا بالنظام ومفاسده؛ سابعا موافقة العديد من الأنظمة العربية على رحيل النظام ضمنيا، والتواطؤ مع المخطط الأميركي الإسرائيلي التركي.
كما اعتقد ان الرئيس الروسي حصل في المكالمة المطولة مع الرئيس التركي عشية سقوط نظام بشار، وبشكل غير مباشر من الرئيس الأميركي القادم بوقف الحرب في أوكرانيا، ومنحه امتيازات واسعة في حديقته الخلفية. ومع ذلك اعتقد ان الطريقة التي تخلى فيها الدب الروسي عن الأسد الهزيل اساءت لمكانة روسيا، حتى ان الاعلام الأميركي والإسرائيلي والاوروبي استخف بروسيا ودورها، وعملوا مقارنة بين واشنطن وموسكو وطريقة تعاملهما مع حلفائهم.
في كل الأحوال ما جرى أضعف المكانة الروسية دوليا، وكشف عدم قدرة روسيا على المناورة والحرب على أكثر من جبهة واحدة. لا سيما وان تجربة حربه خلال السنوات الثلاث الماضية تقريبا على الجبهة الأوكرانية كشفت عن ضعف قدراته على الأرض.