نبض الحياة: كش ملك إيران
الكاتب: عمر حلمي الغول
تناول ملفات الدول العربية الشقيقة والإسلامية في الإقليم له علاقة عميقة بالمسألة الفلسطينية، لأنه لا يمكن فصل الملفات عن بعضها البعض، كما ان القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، لم تكن لتحمل هذه الصفة الا كونها عنوان الصراع العربي الصهيوني، وما كان لها ان تتمثل هذا العنوان، لو لم تقم إسرائيل اللقيطة على التراب الوطني الفلسطيني، والتي جسدها واقامها وهيأ لها الوجود الغرب الامبريالي منذ بدايات القرن العشرين لتحقيق أهدافه واطماعه الاستعمارية في نهب خيرات وثروات العرب والحؤول دون نهضتهم ووحدتهم، واستغلال الموقع الجيو سياسي العربي في مواجهة الأقطاب الدولية المنافسة، والتي كان للأسف الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية بعد الحرب العالمية الثانية ابرز الأقطاب المنافسة للغرب دور في ذلك، الذي سبق الولايات المتحدة بالاعتراف في إسرائيل في الأمم المتحدة. وبالتالي كلا القطبين ساهما في إقامة إسرائيل والاعتراف بها وتشريعها لحسابات خاصة. إذاً ليس من باب الصدفة ان تحمل القضية الفلسطينية مكانة القضية المركزية، الا لأنها مركز الصراع في الوطن العربي، ورغم محاولات بعض الدول العربية والإسلامية الإقليمية سعت للاتجار بها لتنفيذ مآربها الضيقة، او للتبرؤ منها، والهروب للأمام، والانقلاب على مرتكزات الصراع الأساسية، لكنها لم تفلح، وبقيت القضية الفلسطينية عنوان ومركز الصراع مع العدو الصهيو أميركي..
وبعد انتصار ثورة الحميني عام 1979 على نظام الشاه الفاسد، سعى مرشد الثورة الإسلامية في ايران الفارسية لحرف بوصلة النضال الوطني الفلسطيني عبر الباسها الثوب الاسلاموي، الذي رفضه الرئيس الرمز الراحل ياسر عرفات جملة وتفصيلا، أو بخيارها الثاني من خلال استقطاب بعض القوى التي تتلفع بالعباءة الإسلامية مثل حركة الجهاد الاسلامي، وثم مع حركة حماس، رغم التناقض الكبير في الخلفيات العقائدية الدينية، الا ان براغماتية كل من حماس وجمهورية ولاية الفقيه ضيقوا المسافة بينهما، وشكلوا تحالفا اقرب الى منطق زواج المتعة، المستند الى حسابات النفعية المتبادلة، واتفقت الأهداف المشتركة الفارسية الاخوانية على تصفية منظمة التحرير الفلسطينية، وسحب البساط من تحت اقدامها، وتمزيق وحدة الشعب الفلسطيني، والاتجار بالقضية الوطنية لتهديد وسلامة وحدة الدول العربية الشقيقة، وللهيمنة الإيرانية عليها، كما فعلت في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين، والأخيرة لم تفلح في السيطرة عليها، بحكم تنبه ويقظة القيادة الفلسطينية التاريخية للأهداف الخبيثة لدولة الملالي الفارسية، التي استغلت الطائفة الشيعية لتحقيق هدف فرسنة الدول العربية عامة، وتقويضها من الداخل بدس اسافين الانقسام والتمزق الديني والطائفي والمذهبي وغيرها.
ونجحت دولة ولاية الفقيه المزورة، التي لا علاقة لها بالدين والطائفة الشيعية من أصله، واستغلت الدين عموما والطائفة والشعارات الديماغوجية مثل "المقاومة" و"الشيطان الأكبر" في تضليل الشعوب الإيرانية والعربية والإسلامية على حد سواء لاستقطاب القوى السياسية الساذجة، ووقفت خلف تأسيس منظومة "أحزاب الله" في لبنان والعراق واستغلت التناقضات في اليمن لدعم الحوثيين واحتوائهم لخدمة أهدافها، حتى تغنى العديد من شيوخ ولاية الفقيه بالسيطرة على خمس دول عربية، وحسبهم باتت دولة الفرس تمتد من خليج العرب الى البحر الأبيض المتوسط، بعد أن استغلت احداث ما يسمى الربيع العربي في سوريا وليبيا وتونس والمغرب، لكنها لم تفلح في تحقيق اطماعها الا في سوريا بعد اشعال فتيل الثورة السورية، التي بدأت بخلفية وطنية وقومية وديمقراطية، وبشعارات حقيقية، لكن لضعف تلك القوى، وانخراط الاخوان المسلمين وتفرعاتها من تنظيم القاعدة وداعش والنصرة وعشرات المسميات الدينية والطائفية والمذهبية أدوات الغرب الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة ودولة إسرائيل الخارجة على القانون وتركيا وبعض دول الخليج العربي، الذين دفعوا حسب اعتراف رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الأسبق، حمد بن جاسم آل ثاني 137 مليار دولار أميركي لتفتيت وحدة الدولة والشعب السوري، وتمكنت ايران من التمدد وتوسيع نفوذها في سوريا بالاتفاق مع نظام الأسد الابن، ورسخت وجودها في البنائين الفوقي والتحتي السوري من خلال الحرس الثوري وادواتها اللبنانية والعراقية، وبطشت بالشعب الشقيق، وتركت ندوبا سوداء ووحشية على سوريا الدولة والشعب والنظام السياسي المتخن بالمثالب والخطايا.
لكن بعد حدث ال7 من تشرين أول / أكتوبر 2023 وتداعياته الخطيرة على الوطن العربي والاقليم عموما، وليس على فلسطين وقطاع غزة خصوصا فقط، وسقوط شعارها فارغ المضامين "وحدة الساحات" و"محور المقاومة" وخروج حزب الله اللبناني من المعركة في اعقاب توجيه ضربات قاتلة له في الرأس والجسد منذ 30 تموز / يوليو الماضي مع اغتيال فؤاد شكر رئيس اركان الحزب، والتي توجت بعد حرب البيجرز وتصفية قادة قوات الرضوان واغتيال السيد حسن نصرالله وخليفته المفترض هاشم صفي الدين، وتوجيه ضربات إسرائيلية قاصمة للقوات الإيرانية في 2 تشرين أول / أكتوبر الماضي، ومع اشتعال فتيل الثورة المضادة بقيادة الجولاني في 28 تشرين ثاني / نوفمبر الماضي وانهيار نظام بشار الأسد، الذي هرب تحت جنح الظلام فجر الاحد 8 كانون اول / ديسمبر الحالي، وسيطرت قوات "هيئة تحرير الشام" بقيادة احمد الشرع، غابت ايران عن المشهدين السوري بشكل كلي، واللبناني بشكل شبه نهائي، وسبقها تآكل دورها في الساحة الفلسطينية بعد اغتيال إسماعيل هنية في 31 تموز / يوليو الماضي في طهران، وتصفية إسرائيل ليحيى السنوار والضيف وغالبية التيار الإيراني في حركة حماس، يمكن الجزم ان رياح وغيوم ايران انقشعت عن سماء المنطقة العربية، وبات منطقيا استخدام مقولة "كش ملك إيران". لأن هزيمتها أمست جلية، واندحارها عن العراق العربي أصبح قريبا جدا، ولم يعد الغرب بقيادة اميركا بحاجة لدورها الوظيفي، بعد ان استنفذته واشنطن وتل ابيب في الوطن العربي، والمستقبل المنظور يحمل الجواب بالضرورة.