الإعلام الفلسطيني: التحديات والفرص
الكاتب: شادي زماعره
منذ ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بدأت تأثيراتها تتسارع على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الإعلام. فقد تراجعت إمكانيات وسائل الإعلام التقليدية -التي كانت تُعتبر حديثة قبل عقد من الزمان- بشكل ملحوظ نتيجة لانخفاض الإيرادات، ليصبح المتلقي أكثر اعتمادًا على وسائل التواصل الاجتماعي التي توفر المعلومات بسرعة وسهولة. هذا التحول أدى إلى تغيير جذري في المشهد الإعلامي الفلسطيني، مما دفع الإعلام التقليدي لمواجهة تحديات غير مسبوقة. ولكن إذا عدنا إلى جذور المشكلة، نجد أن منح تراخيص وسائل الإعلام بشكل غير مدروس، ووفق معايير غير دقيقة، قد أسهم في تعقيد الوضع لاحقًا، إضافة إلى ممارسة المهنة من قبل دخلاء عليها علاوة على محاربة وسائل التواصل الاجتماعي.
في بداية انطلاق الإعلام الفلسطيني الخاص، تم منح تراخيص بشكل مفرط للمؤسسات الإعلامية، مما أدى إلى تضخم عددها دون وجود قاعدة قوية من الكفاءات الإعلامية. العديد من هذه المؤسسات كانت مشاريع استثمارية بدأت قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، واليوم تعيش في واقع مرير حيث يفتقر بعضها إلى الإمكانيات المهنية والتكنولوجية. وهذا يشير إلى مشكلة بنيوية في القطاع الإعلامي، حيث تم التركيز على الكم دون الاهتمام بالجودة. يواجه الإعلام التقليدي اليوم أزمة اقتصادية خانقة في ظل الانحصار الاقتصادي المحلي. حيث تقتصر الشركات المعلنة على عدد محدود، ما يضعف الموارد المالية للإعلام المحلي. علاوة على ذلك، يتزايد عزوف الجمهور عن وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والإذاعات، ويعتمد بشكل متزايد على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كمصادر رئيسية للمعلومات. هذا التحول يتطلب من الإعلام الفلسطيني البحث عن مصادر دخل بديلة ومستدامة.
غيّرت الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل جذري المشهد الإعلامي، حيث أصبحت هذه الوسائل منصة مفتوحة للجميع، مما أتاح لكل شخص أن يكون له صوت ووجود إعلامي. وهذا أدى إلى تقليص مكانة وسائل الإعلام التقليدية التي كانت تعتبر المصدر الأساسي للخبر والمعلومة. كما أن توفر المعلومة بسهولة عبر الإنترنت جعل من الصعب على الإعلام التقليدي الحفاظ على تأثيره. ومع هذه الثورة الرقمية، أصبح دور الصحفي التقليدي مهددًا. في ظل هذه التحولات، بدأت كليات الإعلام الفلسطينية تشهد عزوفًا متزايدًا من الطلاب عن التخصص في الإعلام. بعض الجامعات اضطرت لإغلاق هذا التخصص بسبب قلة عدد الطلاب الملتحقين به، مما يعكس تشاؤم الشباب من فرص العمل المحدودة في هذا المجال. هذا العزوف يتزامن مع ارتفاع معدلات البطالة بين خريجي الإعلام، حيث يضطر العديد منهم للعمل في مجالات بعيدة عن تخصصاتهم. رغم أن بعض الجامعات طوّرت تخصصات جديدة لمحاولة مواكبة التطورات التكنولوجية، إلا أن المشكلة الاقتصادية تبقى هي الأساس.
منذ مؤتمر فلسطين الإعلامي في عام 2012، كان التحذير من هذا الوضع قائمًا، حيث كانت التوقعات تشير إلى أن خريجي كليات الإعلام سيواجهون صعوبة في الحصول على فرص عمل. اليوم، أصبح الواقع أكثر مأساوية، إذ يعاني العديد من الخريجين من البطالة أو الاضطرار للعمل في مجالات لا علاقة لها بتخصصاتهم الإعلامية.
يجب على المؤسسات الإعلامية الفلسطينية إعادة هيكلة نفسها لمواكبة المتغيرات الرقمية. يشمل ذلك تطوير القدرات التكنولوجية، تحسين إنتاج المحتوى، وتوسيع نطاق الوصول إلى الجمهور عبر منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. من المهم أيضًا تعزيز الشراكات بين المؤسسات الإعلامية لتحسين كفاءتها وتحقيق التكامل في تقديم المحتوى. قد يكون الاندماج بين المؤسسات الإعلامية في المنطقة الجغرافية الواحدة فكرة مجدية. من الضروري تحديث المناهج الدراسية في كليات الإعلام لتواكب التطورات في مجالات الإعلام الرقمي والتقنيات الحديثة. يجب توجيه الشباب نحو تخصصات جديدة مثل الإعلام الرقمي، الصحافة الإلكترونية، وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي، وهي المجالات التي تشهد طلبًا متزايدًا في سوق العمل.
من التحديات أيضًا التي تواجه القطاع الإعلامي شبه انغلاق كليات الإعلام على هيئات تدريسية تقليدية لم تطور نفسها على مدار سنوات وعدم استقبال أساتذة جدد يمتلكون مهارات حديثة ينعكس سلبًا على جودة التعليم وتطوير الطلاب.
ومما لا شك فيه أن التحديات الكبيرة التي يتسبب بها الاحتلال لوسائل الإعلام، بما في ذلك محاربة المحتوى الفلسطيني والصحفيين، وفرض قيود على فضاء البث الإذاعي، بالإضافة إلى الواقع الاقتصادي السيء الناجم عن ممارساته وتقسيماته الجغرافية، تشكل سببًا رئيسيًا يعيق التطور. ومع ذلك، فإننا قادرون على تجاوز هذه التحديات من خلال التفكير الإبداعي والتطوير المستمر، والقدرة على الالتفاف على كل هذه المعوقات والتكيف معها بطرق مبتكرة.
يتطلب الوضع الحالي تعاونًا قويًا بين المؤسسات الإعلامية، الأكاديمية، والحكومية للبحث عن حلول إبداعية ومستدامة تضمن بقاء الإعلام الفلسطيني على قيد الحياة. يمكن تنظيم ورش عمل ومؤتمرات لتطوير السياسات الإعلامية وتعزيز دور الإعلام المحلي في توعية الجمهور وتثقيفه. من المهم إصدار قوانين تحمي الإعلام الفلسطيني وتنظم عمل المؤسسات الإعلامية. يجب على هذه التشريعات أن تشمل دعم المؤسسات الإعلامية المحلية وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية، وتوفير فرص تدريب وتأهيل للصحفيين المحليين لتطوير مهاراتهم. الاهتمام بالصحفي الفلسطيني وتطويره يعد الأساس في هذه العملية، حيث أن تمكينه مهنيا واقتصاديًا سيعزز من قدرته على مواجهة التحديات التي تواجه الإعلام الفلسطيني.
خطوة نقابة الصحفيين الفلسطينية مؤخراً بإعلان صندوق دعم الإعلام الفلسطيني تعد خطوة هامة، ولكنها تحتاج لضمان استدامتها لتحقيق نتائج ملموسة على المؤسسات الصحفية والصحفيين. من الضروري أن يُقر قانون نقابة الصحفيين أسوة بالعديد من الدول التي أثبتت هذه القوانين نجاحها، خاصة فيما يتعلق بحقوق الصحفيين وتنظيم عمل المؤسسات الإعلامية مهنياً واقتصادياً فالاهتمام بالصحفي الفلسطيني يُعدّ أساسًا لهذه العملية برمّتها، فهو اللبنة الأساسية التي يرتكز عليها نجاح تجاوز التحديات وتطوير المؤسسات الإعلامية. يعتبر الصحفي المحرك الرئيسي الذي تقوم عليه هذه المؤسسات، وبالتالي فإن بناء الصحفي مهنيًا واقتصاديًا ينعكس بشكل مباشر على جودة المحتوى الذي يُنتج وعلى تطور المؤسسات الإعلامية بشكل عام.
إن عددًا محدودًا من المؤسسات الإعلامية في فلسطين استطاعت أن تتجاوز التحديات الصعبة التي فرضها الوضع السياسي والاقتصادي وثورة التكنولوجيا، حيث قامت بتأسيس نفسها بشكل محكم وأولت اهتمامًا كبيرًا بتطوير الصحفيين العاملين فيها. هذه المؤسسات استثمرت في تأهيل الصحفيين مهنيا واقتصاديًا مما ساعد على رفع مستوى المحتوى الذي تقدمه وحافظ على مكانتها في السوق الإعلامي. بفضل هذا الاستثمار في الصحفيين، أصبحت هذه المؤسسات أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات الرقمية، مما مكنها من الحفاظ على جمهورها وزيادة تأثيرها في المشهد الإعلامي الفلسطيني.
إن الإعلام الفلسطيني اليوم يعيش في مرحلة من التحولات الكبرى، حيث يتوجب على المؤسسات الإعلامية والشباب الفلسطيني التكيف مع التغيرات الرقمية السريعة. بينما يعاني الإعلام التقليدي من تحديات اقتصادية وتكنولوجية، فإن هناك فرصًا حقيقية لإعادة بناء هذا القطاع من خلال التعاون المشترك بين مختلف الجهات المعنية. إن تحديث المناهج التعليمية، تطوير المؤسسات الإعلامية، وتعزيز التشريعات الإعلامية، كلها خطوات يمكن أن تسهم في استعادة مكانة الإعلام الفلسطيني واستدامته في مواجهة التحديات القادمة.
شادي زماعره
مدير مؤسسة "إعلاميون بلا حدود"