خلفيات تدمير الأسلحة السورية
الكاتب: عمر حلمي الغول
المخطط الاستراتيجي الإسرائيلي الأميركي القديم الجديد، وضع نصب عينيه استهداف للجيوش العربية المركزية الثلاث: المصري والعراقي والسوري، التي شكلت خلال عقود الصراع العربي الصهيوني الطويلة رافعة نسبية وهامة للذود وحماية دولها والدول العربية الأخرى، والتي شكلت تهديدا حقيقيا للدولة الإسرائيلية اللقيطة. وقد تم تدمير وتفكيك الجيش العراقي في اعقاب الحرب الثلاثينية في مطلع الالفية الجديدة، وبعد احتلاله من قبل الجيشين الأميركي والبريطاني، وبالتحالف مع إيران الفارسية ونظام الملالي الحاكم منذ العام 1979، وتم خلال الأيام القليلة الماضية تدمير الجيش السوري واسلحته كافة، وسيأتي الدور على الشقيقة الكبرى مصر في الوقت المناسب لواشنطن وتل ابيب وحلفائهم، ولن تثنيهم عن ذلك ادعاء العلاقات الايجابية مع نظام الرئيس السيسي، ولا اتفاقية كامب ديفيد 1979.
وفي استقراء لما جرى خلال الساعات والأيام ال4 الماضية، انتهزت إسرائيل لحظة سياسية وأمنية مؤاتيه مع سقوط نظام بشار الأسد يوم الاحد الماضي 8 كانون أول / ديسمبر الحالي، حيث اتخذ المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي قرارا بتدمير الأسلحة والمطارات والمراكز البحثية السورية، وقال رئيس حكومة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، بنيامين نتنياهو "اتخذت قرارا بتدمير الأسلحة والمطارات والموانئ البحرية العسكرية السورية، وأعطيت أمراً لسلاح الجو بتنفيذ الامر فورا."
ووفق المصادر الإسرائيلية الرسمية والإعلامية، فإن 350 طائرة حربية إسرائيلية قامت بنحو 400 طلعة جوية خلال 48 ساعة بعد سقوط الأسد الابن مباشرة لقصف المطارات ومستودعات واسراب الطائرات والرادارات ومحطات الاشارة العسكرية كافة ومستودعات أسلحة وذخيرة بمختلف صنوفها وانواعها وأنظمة الدفاع الجوي، والموانئ البحرية في اللاذقية وطرطوس ودمرت سلاح البحرية بشكل كامل، ومراكز الأبحاث العلمية، وتم اغتيال العلماء في الكيمياء ومنهم العالم حمدي اسماعيل ندى في منزله في دمشق قبل يومين، وتوغلت في الأراضي السورية نحو 25 كليو متر باتجاه دمشق العاصمة السورية، رغم نفي إسرائيل ذلك، الا أن الون لائيل، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية أمس الأربعاء لقناة الحرة الأميركية ردا على سؤال من المحاور، انكم تقولون أن خطوتكم في الأراضي السورية مؤقتة، ليرد قائلا بالعبارة التالية، التي نقلها حرفيا عن مسؤولين إسرائيليين "نحن نشعر أنها لنا، لا أحد يسأل، هم ملتهون ونحن نشعر بالراحة في القرى (السورية)، وليس لدينا الرغبة بالتخلي عنها،" وتابع "اذا كانت تركيا لها الحق في قضم أراضي لما لا نفعل ذلك. نحن لا نشعر أن احداً معترض فلماذا نتوقف، هذه فرصتنا."
وقال وزير الحرب يسرائيل كاتس يوم أول أمس الثلاثاء 10 كانون أول / ديسمبر الحالي، إن صواريخ البحرية الإسرائيلية دمرت الاسطول الحربي السوري في عملية جرت ليل الاثنين الماضي في إطار حملة واسعة النطاق للقضاء على التهديدات الاستراتيجية. وأكد نتنياهو ان إسرائيل ستستخدم كل ادواتها لتدمير كل الأسلحة الاستراتيجية السورية لحماية أمننا.
هذه العملية الاجرامية في تدمير الأسلحة والمطارات والموانئ البحرية وما ذكر أعلاه، ما كان لها أن تحدث دون اتفاق ضمني غير معلن مع قائد "هيئة تحرير الشام" احمد الشرع، الذي يتبوأ مركز الصدارة في سوريا منذ يوم الاحد الماضي، الذي في مختلف تصريحاته وخطبه التي القاها خلال الأيام ال4 الماضية لم يتطرق بكلمة واحدة عن الجولان والقنيطرة والتقدم في القرى السورية والعمليات الحربية الإسرائيلية ضد أسلحه الجيش السوري. وكأن شيئا لم يكن، ولم يحدث.
واعتقد ان هناك تقاسم وظيفي وللأرض السورية بين إسرائيل وتركيا برعاية الولايات المتحدة، كما أعلن الراحل العقيد القذافي في احدى القمم العربية قائلا، ان إسرائيل ستمتد حدودها حتى تركيا، ولن تبقى سوريا ولا لبنان، وسيجري تقسيم الدولة السورية الى 5 دويلات، ولبنان الصغير الى كانتونات طائفية عدة، ومصر الى 4 دول والسودان وليبيا وغيرها من الدول العربية، بما يحقق هدف تغيير تركيبة الدول العربية الى دول دينية وطائفية واثنية قزمية، وإلغاء الدول الوطنية، على طريق بناء الشرق الأوسط الجديد وفق المخطط الاستراتيجي الأميركي القديم الجديد.
وما قامت به دولة إسرائيل الخارجة على القانون الدولي في سوريا من عمليات تدمير شاملة لأسلحة الجيش السوري المختلفة، يعتبر خطوة متقدمة على طريق تكريس الهدف الصهيو أميركي الغربي الرأسمالي. الامر الذي يتطلب من القوى الوطنية والقومية والديمقراطية المشغولة بسقوط الأسد الابن والمرحلة البعثية التي أمدت على مدار 6 عقود كاملة للأخطار المحدقة بسوريا الجديدة، ومراجعة حساباتها لإعادة الاعتبار للدولة السورية ووحدة أراضيها، وبناء نظام ديمقراطي حقيقي بعيدا عن الاستلاب الديني والطائفي والمذهبي والجماعات التكفيرية، وصيانة أمن الوطن الواحد الموحد والمواطن، وحماية الشعب من التقسيم والتمزيق، والنهوض بدولة المواطنة بعد سقوط نظام آل الأسد، الذي ارتكب الخطايا والعذابات بحق الشعب السوري ومعه الشعبين اللبناني والفلسطيني.
وعلى تلك القوى الوطنية ان لا تنساق وتتساوق مع الكلام والشعارات المعسولة للجولاني ولا لرئيس الحكومة المؤقت محمد البشير، أحد اركان قيادة "هيئة تحير الشام" وكل زمرته. لأنهم أدوات لأجهزة الامن الأميركية والإسرائيلية والتركية، وشعاراتهم ووعدهم ب"الديمقراطية" و"حرية الشعب السوري" ليست سوى شعارات شكلية وتضليلية لا تحمل أي مصداقية، والمستقبل المنظور كفيل بتقديم البرهان الأكيد على المتاهة الجديدة التي تعصف بسوريا قلب العروبة النابض.