الرجوب ومصطفى البرغوثي وحوار "مسارات"
الكاتب: بكر أبوبكر
حضور مؤتمر مؤسسة مسارات التي يديرها الأخ المفكر والكاتب هاني المصري كان مناسبة هامة للاستماع للأخوة (أو الاخوين في حالتنا هنا) في القيادة السياسية الفلسطينية، لاسيما وأنهما استطاعا أن يعبرا عن رأيين مختلفين بطريقة تناسقية تقاربية، يستطيع معها الساعي للتوافق أن يحقق ما يبتغيه، وقد يراها المفارق خطين متوازيين.
الأَخَوَان اللذان كان لهما سبق الحديث السياسي في مفتتح مؤتمر مركز مسارات للأبحاث (المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية-مسارات) تناغما بالحديث المنضبط ما بين الأساسي أو الرئيس مقابل الثانوي، وما بين النظرية والتطبيق وما بين الفكري (الايديولوجي) التعبوي الثابت، وأهميته وبين الواقعي السياسي المتغير.
وإن رأيت أحدهما ركّز على جانب وأعلاه قليلًا، فإنه لم يهمل الجانب الآخر فكلاهما يخاطبان جمهورًا متنوعًا سواء داخل القاعة أو عبر الاعلام، لذا يأتي الخطاب ليستجيب لمروحة من التوجهات أو التوقعات.
التقينا بثلة من المثقفين بمؤتمر مسارات السنوي المنعقد في مدينة البيرة من فلسطين 30/11/2024م، وحيث التقي الأخوان (مثنى أخ) جبريل الرجوب أمين سر حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح، والأخ مصططفي البرغوثي الامين العام لحركة المبادرة الوطنية، والاخ هاني المصري مدير مركز مسارات والاخير الذي قدم لمحة عن جهود المركز في فلسطين وخارجها وبصرامة الراغب الوصول الآن الآن وليس غدًا لاتفاق وتوافق وطني فلسطيني يراهُ قريبًا.
استمعت للأخ جبريل الرجوب ثم مصطفى البرغوثي ومن الأول حصدت عدة نقاط اولخصتها بفهمي أنا، فيما اشتمل خطاب البرغوثي على نقاط أخرى ليست بعيدة وعليه نفرد حيزًا مقتضبًا لنقاط الرجوب والبرغوثي كما أدركناها.
تحدث الاخ هاني المصري حول ما أسماه الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، ووجوب قيام وفد فلسطيني موحد للمفاوضات من أجل غزة وليس "حماس" لوحدها، وعن أولوية لجان إغاثة وإعادة إعمار لغزة معرجًا على أهمية السلم الأهلي، وعن الحاجة الفلسطينية الملحة للوحدة الوطنية مردّدًا كلمات الشاعر اللبناني سعيد عقل وغناء فيروز (الآن الآن وليس غدًا)، ثم تحدث الاخ جبريل في نقاطه الافتتاحية عن مكاسب الثورة الفلسطينية الحديثة منذ الانطلاقة عام 1965م في مسيرتها الطويلة، بقيادة الخالد ياسر عرفات، ما أصبحت تمثل حقيقة الثوابت الوطنية المطلوب الحفاظ عليها: فالثورة والمقاومة الفلسطينية أخرجث القضية من الوصاية، وهي خرّجت المناضلين جيلًا يسلم الآخر، كما كرّست الهوية الوطنية الفلسطينية ضمن العمق العروبي وحافظت عليها، وحثت دومًا وفعلّت الوحدة الوطنية، كما حافظت على الشرعية السياسية بإطار المنظمة.
وفي حديثه أكد على ضرورة معالجة مأزق الانقسام مؤكدًا أن التبرير أو الشتم لا يؤدي لنتيجة كما الحال حين الاتكاء على طرف خارجي أو الذهاب لتعميق الشرخ القائم فكليهما خاطيء. ويجب أن يكون العلاج برويّة وضوابط. أما في نطاق حديثه عن مرسوم الاخ الرئيس بشأن رئيس المجلس الوطني للقيام بأعباء الرئيس حين شغور منصب الرئيس فأشار الى أنه يمثل شمعة تضيء الطريق، وبه نقاط ثلاثة هامة هي: أن مرسوم الرئيس تجاوز مفهوم التوريث أوالتعيين، وأقرّ العودة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحدّد الطريق الى الحكم الديمقراطي.
ثم ماكان من نقاطه المتعددة بإطار الحل التي نسجل منها قوله بضرورة 1-العمل الموحد لتحقيق وقف كل أشكال القمع والإرهاب الصهيوني والتطهير العرقي والإبادة.... بغزة والضفة، ودعم صمود الناس، أهلنا، و2-التوجه لإعمار قطاع غزة، وإعطاء أمل لشعبنا. وكل ذلك نقدمه، متوجهين لتحقيق قرار أممي و3-مؤكدّا على ضرورة الحوار الفصائلي ومؤسسات المجتمع المدني، وليس فقط "فتح" و"حماس" 4-في ضوء فهم تجاوز الترسبات وضد الاغراءات الخارجية أو الضغوطات 5-لتحقيق ثلاثية: وحدة الأراضي، ووحدة النظام السياسي والقرار، والأداة الخدماتية.
أما الأخ مصطفى البرغوثي فطرح نقاطه الستة والتي رآها تحديات كالتالي
-التحدي في مواجهة الصهيونية الحالية، حيث يجب زوال الوهم بالتفاهم معها
-تحدي مفهوم أن أمريكا وسيط نزيه مع الإسرائيلي
-محاولات التطهير العرقي في غزة
-الإسرائيلي واتجاه النظام نحو الفاشية
-القوى الخارجية والتمثيل
-التحديات الوطنية الداخلية
وطرح الاستراتيجية الوطنية التي يجب أن تنطلق من دعم صمود الناس، ومقاومة الاحتلال ووحدة القرار السياسي والكفاحي وأن تكون القيادة الوطنية موحدة وضرورة التكامل بين الداخل والخارج، وأهمية العوامل الدولية وأهمية اختراق صفوف الخصم.
وبرأيي في نقط ثلاثة سريعة أولها أقول: أنه في الخطابين الهامين تقاطعات كثيرة أو توافقات تدل على أن الاتفاق الفلسطيني الداخلي قاب قوسين أو أدنى، حال توفر التصميم والإرادة الحقيقية بعيدًا عن أوهام الخارج، واستنادًا الى أن المفهوم الفكراني (الأيديولوجي) التعبوي حول الإسرائيلي المحتل وكيفية النظر اليه واتجاه كيانه نحو اليمين وكما النظر للداعم الامريكي متفق عليه، ويجب ألا ينحرف لغير ذلك من مفاهيم، وكذلك أيضًا بالتوافق الظاهر-على الأقل- فيما يتعلق بالأهداف الوطنية والدولة الفلسطينية، والمتطلبات وضرورة وقف العدوان والإبادة والإعمار والوحدة والأمل.
أما ثانيًا فلقد رأيت أن مشكلة بعض الفصائل وأبرزها "حماس" قد تكمن الآن بعقلية تكرار التجربة بلا وعي، أو دون أخذ العِبر ودون تحقيق النقد اوالمراجعات. إذ أنها تكرّر ما كان قد حصل دون أدنى اهتمام بالمتغيرات والمستجدات التي توجب نفض القديم المألوف وفشله، والاتجاه نحو الجديد أوالمتطور بوعي تشاركي جمعي إنقاذي. ومن هنا أقول أنه ما زال هناك بحث عن (انتصار) لدى فصيل يراهُ نصرًا فصائليًا رغم النطح المستمرلذات الصخرة، أو حملها (صخرة سيزيف) حتى قمة الجبل، لتعود تتدحرج وهكذا مرارًا وتكرارًا بلا فائدة تذكر، بينما الأصل فهم الانتصار أنه انتصار الشعب وانتصار الامة وانتصار المجموع بوحدته، بغض النظر عن صغائر النظر لانتصار الفصيل الذي أبدًا سيكون صغيرًا مهما نفخت فيه فضائيات التهييج والتحشيد والتضليل ومَن وراءها.
وفي نقطتى الثالثة فإن عوامل الانجاز وتحقيق التقدم واردة بما قدمه الأخوة الثلاثة من مقترحات مصيرية (جبريل، مصطفى، هاني) أشرت لبعض منها باقتضاب، وهي بمجملها تستحق أن تكون برنامج عمل يقدم للقيادة، وبما يتكامل معه النظر لأهمية اللجنة الدولية لتنفيذ حل الدولتين بقيادة السعودية، وبالنظر للتغيّر الغربي الأوربي نحو القضية الفلسطينية كجماهير شبابية وشعبية وحتى دول رسمية، وأيضًا التعامل مع المسار القانوني لمحكمة العدل والجنائية، فلدينا كأمة الكثير من الأوراق في مواجهة الإعصار القادم حين يتوحد الصوت الفلسطيني ثم العربي.