قانون استر الوجه الاخر للمكارثية
الكاتب: عمر حلمي الغول
للمكارثية الأميركية وجوه عدة، لا تنحصر بالحرب على اليسار والشيوعيين الاميركيين في الحمسينيات، انما له وجوه متعددة، فكل ملمح في الحياة والمجتمع الأميركي يتعارض مع مركبات النظام السياسي ومصالح واستراتيجية الدولة العميقة وتحالفاتها المركزية، لن تكتفي المؤسسات الرسمية ولوبياتها واذرعها بمهاجمتها، والتشهير بها، بل ستذهب للهيئات التشريعية في المجلسين الكونغرس والشيوخ لإسباغ صفات "إرهابية" و"لا أخلاقية" على انصار الحركات والمؤسسات صاحبة المواقف النبيلة والمعادية للتغول النيوليبرالي ولقوى التطرف والعنصرية والمنظمات الصهيونية المعادية للسلام والتعايش والداعمة لدولة التطهير العرقي فوق النازية الإسرائيلية، بهدف ترهيبها وعزلها، وتجفيف حضورها في المجتمع، بما يخالف ابسط معايير الدستور الأميركي، الذي ينادي بحرية الرأي والتعبير والديمقراطية وتقرير المصير.
لكن تجربة الحكم في الولايات المتحدة وعلى مدار عقود وتاريخ وجودها، قام على ازدواجية المعايير، والكيل بمكيالين، وعلى قاعدة ارتكاز أساسية: من يلتزم بمحددات وسياسات النظام والقوى النافذة في الدولة العميقة، حقه مكفول في قول ما يشاء، وفعل ما يراه مناسبا، ويده طليقة حتى لو ارتكب أبشع الانتهاكات الاخلاقية بما في ذلك جنايات القتل، ولكن في حال انتهج فردا او مجموعةً او تيارا في المجتمع خيارا متناقضا وسياسات ضد برامج وخيارات الإدارات المركزية فلن يكون مسموحا له مواصلة نهجه السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي او القانوني، وسيلاحق بالقوانين الجائرة والمنقلبة على الدستور الأميركي، والمعادية للسلم المجتمعي ولحرية الرأي والتعبير، وستفرض عليه سياسة تكميم الافواه، وغيرها من الانتهاكات المكارثية الجبانة لإخضاع المجتمع بقضه وقضيضه لمشيئة العصابات الأميركية الحاكمة احفاد رعاة البقر، وسالخي جلود الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين.
ومن الابتكارات الجديدة للمكارثية الأميركية، وفق ما ذكر موقع موندويس الأميركي يوم الاثنين 25 تشرين ثاني / نوفمبر الماضي: "مشروع استر"، الذي يعتبر وجها آخر للمكارثية يستهدف كل داعم لفلسطين وشعبها وقضيتها وحريتها واستقلالها وسيادتها على جزء من ارض وطنها الام وأوضح الموقع أن "مشروع استر" يحظى بنقاش واسع ومتواتر في الأوساط اليمينية وغلاة المسيحانية الصهيونية وبين أعضاء الكونغرس والشيوخ، الذي يهدف لوضع خطط وبرامج سياسية وقانونية وإعلامية واكاديمية وثقافية لملاحقة وتحجيم على طريق النفي الكلي لحركة التضامن مع الشعب الفلسطيني داخل الولايات المتحدة، في خطوة أولى لتحجيم أي نشاط ضد السياسة الأميركية العامة داخليا وخارجيا.
وذكر الكاتب ميتشل بلنينيك – في تقريره أن "مشروع استر" يقترح استراتيجية عنوانها تصنيف حركة التضامن مع فلسطين على انها "شبكة لدعم حماس"، في قلب للحقائق، وإمعانا في الأكاذيب والافتراءات على دعم نضال الشعب الفلسطيني المنكوب بالإبادة الجماعية الأميركية الإسرائيلية، وهذا من شأنه حرمان المؤسسات والأشخاص والحركات الطلابية والنيابية من جمع الأموال، أو إتمام معاملات تجارية أو قانونية خاصة بمجال عملها واختصاصها.
ووفق التقرير، فانه لن يكون مستغربا ان تتضمن الاستراتيجية الإرهابية لأعداء السلام والسلم الأهلي الأميركي، تصنيف الاميركيين من اتباع الديانة الإسلامية، والاصوات المطالبة بالعدالة والسلام من المواطنين الاميركيين على اختلاف معتقداتهم الدينية والفكرية والسياسية، بمن فيهم اتباع الديانة اليهودية الاميركيين. ويرى الكاتب بلينتيك أن تلجأ تلك الاستراتيجية لاستخدام البيانات الصحفية والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو الرسائل الموجهة الى المنتخبين لتصنيفهم بارتكاب اعمال "غير شرعية"، فقط لأنهم يدعمون العدالة والسلام في فلسطين. ويؤكد الكاتب، أن الوثيقة تهدف الى محو أي تمييز بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. كما تكرس تغولا واستباحة للديمقراطية الأميركية باعتبار أي تحرك لدعم فلسطين، هو تحرك "ليس ضد نظام الفصل العنصري، بل ضد الديمقراطية في الولايات المتحدة" ولذلك أورد "مشروع استر" أسماء العديد من أعضاء الكونغرس كأعداء للمصالح الإسرائيلية الأميركية، ومن بينهم: رشيدة طليب، وإلهان عمر، وبيرني ساندرز، واليزابيث وارن، وألكسندر أوكاسيو كورتيز، ولم يسلم حتى تشاك شومر، رئيس الأغلبية الديمقراطية اليمني في مجلس الشيوخ المنتهية ولايته من تلك الاتهامات، إذ قال عنه "مشروع استر" إنه "دعا الى اقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو من دون سبب واضح"
ويوضح الكاتب بلينتيك أن مشروع العار "استر" يمثل عودة جديدة الى "مكارثية" الخمسينيات لتدمير كل الحركات التضامنية مع فلسطين، ويبدأ بالتركيز بشكل مباشر على المؤسسات الاكاديمية، من خلال إرساء معايير جديدة في الجامعات والمدارس الثانوية التي تكرس فكرا نقديا لسياسات إسرائيل والولايات المتحدة. ونقل التقرير عن اليهودي المعادي للصهيونية البروفيسور جوزيف هارلي من جامعة كولومبيا قوله – لموقع زيتيو الأميركي – إن الصهاينة المهيمنين أرادوا لسنوات طويلة، أن يجعلوا من اليهودي المناهض للصهيونية، أو المنتقد لإسرائيل عنوانا لقضية غير قانونية، وقد نجحوا في ذلك هذا العام، وهم الآن يريدون جعل الأمر قانونا فيدراليا يسري على جميع الولايات.
كما نقل الكاتب عن المديرة التنفيذية لمنظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" ستيفاني فوكس قولها، انه لم يكن من الواضح أن الدفاع عن التضامن مع فلسطين هو أحد أكثر خطوط المواجهة أهمية للدفاع عن الديمقراطية اليوم، مبينة أن تلك المبادرة "المكارثية" يقودها قوميون مسيحيون يهددون بشكل مباشر سلامة وحرية الفئات الهشة داخل المجتمع الأميركي. وخلص الكاتب على ان تدمير حركة التضامن مع فلسطين هي مجرد خطوة أولى لسحق كل معارضة داخلية أو خارجية وضد تفوق العرق الأبيض وضد الهيمنة العسكرية والإسرائيلية الأميركية.
وعليه فإن الضرورة تملي على اقطاب حركة التضامن مع فلسطين وانصارهم داخل الولايات المتحدة التكاتف والتعاضد لمواجهة هذا التهديد الخطير للديمقراطية الأميركية، ومواجهة غلاة التعصب والعنصرية من الصهاينة والمتصهينين من المسيحانية الافنجليكان لحماية السلم الأهلي الأميركي، وإعادة الاعتبار لروح الدستور الأميركي، من خلال وضع برنامج عمل مشترك للدفاع عن مكانتهم وعن حقوقهم المكفولة وفق القانون والدستور الاميركي .