زلزال الجنائية في إسرائيل
الكاتب: عمر حلمي الغول
بعد انتصار قضاة المحكمة الجنائية لذاتهم وللقانون الدولي الإنساني بإصدار مذكرتي اعتقال ضد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي ويوآف غالانت وزير الحرب السابق يوم الخميس 21 تشرين ثاني / نوفمبر الحالي، قامت الدنيا ولم تقعد في أوساط النخب الإسرائيلية من المولاة والمعارضة، وحدث ولا حرج عن ردود فعل الإدارة الأميركية ورئيسها جو بايدن، واداراتها المختلفة وخاصة البنتاغون على القرار الجريء للمحكمة.
من أبرز الردود الإسرائيلية، أصدر مكتب نتنياهو موقفا قال فيه:" إسرائيل ترفض بشدة الاتهامات العبثية والكاذبة الموجهة الموجهة ضدها من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وتعتبرها هيئة سياسية منحازو وتمييزية – لا يوجد ما هو أكثر عدالة من الحرب التي تخضوها إسرائيل في غزة منذ 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 (...) أي قرار معادٍ لإسرائيل لا يمكن ان يمنعنا من الدفاع عن مواطنينا – رئيس الوزراء نتنياهو لن يرضخ للضغوط، ولن يتراجع، ولن يتوقف حتى تحقيق جميع أهداف الحرب التي حددتها إسرائيل."
وقال وزير القضاء ياريف ليفين: "قرار محكمة لاهاي عار وحقير ومعاد للسامية – المحكمة أصبحت أداة في أيدي الإرهابيين ومحور الشر". وأعلن وزير الامن القومي، إيتمار بن غفير أن أوامر الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو وغالانت تشكل "عارا غير مسبوق." واعتبر المحكمة في لاهاي تعكس "معاداة السامية بشكل مطلق." في حين دعا وزير المالية سموتيريش إسرائيل لمقاطعة المحكمة الجنائية الدولية." وأضاف "أدعو نتنياهو الى فرض عقوبات مؤلمة على السلطة الفلسطينية وقيادتها ودفعها الى حد الانهيار." أما وزير الحرب الجديد يسرائيل كاتس اعتبر "إن قرار المحكمة هو وصمة عار أخلاقية مغموسة بالكامل بمعاداة السامية، ويؤدي الى انحدار غير مسبوق في النظام القضائي الدولي، انه قرار مخزٍ يخدم رأس الأفعى، إيران وأذرعها." ولم يتوانى بيني غانتس عن تدوين موقفه، فقال "قرار المحكمة الدولية هو عمى أخلاقي ووصمة عار تاريخية لن تنسى ابداً." وعقب عضو الكنيست يتسحاق كرويزر "الرد على أوامر الاعتقال يجب ان يكون بضم الضفة."
وكتبت القناة 12 العبرية تعقيبا على أوامر الاعتقال "إسرائيل فشلت في منع إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت رغم الضغوط الكبيرة التي مارستها. وقالت هيئة البث الإسرائيلية، إن إسرائيل تدرس استئناف قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء ووزير الحرب السابق." ويوم أول أمس الجمعة 22 تشرين ثاني / نوفمبر الحالي ذكرت صحيفة يديعوت احرونوت، ان إسرائيل مترددة بشكل كبير بين تقديم استنئاف للمحكمة الجنائية أو تجاهل الأمر. ووفق الصحيفة، فإن التوجه الحالي لإسرائيل يميل الى التريث وانتظار إدارة ترامب. وأكدت "يديعوت" وجود مخاوف من إصدار مذكرات اعتقال سرية بحق ضباط وجنود، تعتقد المحكمة الجنائية انهم جزء من ممارسات التجويع وجرائم الحرب. وهذا الامر أكده خبراء قانونيين دوليين.
ولفت الخبير القانوني البرفسور مردخاي كومنيتسر، في تحليل نشرته صحيفة "هآرتس"، الى ان خطوات نتنياهو تجبي هذه المرة أيضا ثمنا من الدولة، من جميعنا، وواضح ان مذكرات اعتقال كهذه تستهدف بشدة مكانة إسرائيل الدولية. ,أضاف أن ترامب وربما زعماء آخرون سيجبون ثمنا من المحكمة، لن يدعم مكانتنا بنظر معظم الدول الأعضاء في المحكمة، واعتبار ان مكانة إسرائيل في العالم ليس مهما، هو اعتبار كاذب وخطير."
نعم ان إصدار المحكمة الجنائية الدولية لمذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت يعتبر زلزالا مس الدولة الإسرائيلية اللقيطة والخارجة على القانون، وعمق الازمات التي تعيشها الدولة الإسرائيلية، وسيزيد من عزلتها ونبذها عالميا. لا سيما وأنها تواجه وضعا معقدا. لأنها افترضت من خلال الضغوط التي مارستها بالتعاون مع الولايات المتحدة إمكانية ردع وإرهاب قضاة المحكمة الدولية. لكن ضغوطهم ذهبت هباءً منثورا.
ومعلوم ان قرار المحكمة الجنائية الدولية، لا يمكن الاستئناف عليه. لأنه قرار نافذ، لكن يمكن تعطيله لحين عبر مزيد من الضغوط السياسية والقانونية الأميركية وبعض الأوروبية، بيد ان تأجيل التنفيذ لا يفيد إسرائيل ولا الولايات المتحدة.
لكن حتى يتم تنفيذ القرار يفترض حشد الجهود الفلسطينية والعربية والاممية على المستويات المختلفة لإلزام الدول الموقعة على معاهدة روما باعتقال الرجلين وغيرهم ممن تورطوا في ارتكاب الإبادة الجماعية بمختلف جوانبها، ومطلوب رفع قضايا جديدة للمحكمة الجنائية الدولية ضد باقي المسؤولين السياسيين والعسكريين والامنيين لتعميق ازمة إسرائيل ومن يقف خلفها، لأن سلاح القانون الدولي ماض وهام جدا، الى جانب النضال السياسي والديبلوماسي والمقاومة الشعبية.