كاتب إسرائيلي: يجب علينا الصمت والاندماج في النظام الجديد
الكاتب: تسفي برئيل
يجب علينا الصمت والاندماج في النظام الجديد
تسفي برئيل محلل الشؤون العربية في صحيفة هآرتس
لنفترض للحظة، ليس كتمرين على الخيال الموجه، بل كسيناريو واقعي – أن حكومة الجريمة وكنيست الجنون سيحققون جميع رغباتهم. وأنه بعد اسبوعين سيتم طرد المستشارة القانونية للحكومة، وأن رئيس الشباك ستتم اقالته، وأن رئيس الاركان سيعلن بأنه لم يعد يستطيع الاستمرار، وأن الجنود سيقتلون من اجل الدفاع عن النظام وليس عن الوطن، وأن مشاريع القوانين التي استهدفت ترسيخ انقلاب نظامي في اسرائيل ستتم المصادقة عليها كقوانين، وبالطبع ايضا قانون الاعفاء من الخدمة، وما شابه.
لنفترض أن رئيس الحكومة لن يحصل فقط على الاعفاء من تقديم شهادته – محاكمته سيتم تأجيلها الى نهاية ولايته. يمكن الادعاء ايضا أن هذا ليس سيناريو رعب آخر، بل هو الوضع القانوني والاداري السائد الآن في اسرائيل، وأنه لا يوجد أي معنى لوجود حراس العتبة.
يبدو أن مواطني اسرائيل ينضمون لمئات ملايين الاشخاص في العالم الذين يعيشون في مثل هذا الوضع، ليس فقط في دول العالم الثالث، بل ايضا في ما يعتبر “عالم غربي”، الدول الاوروبية وربما قريبا في الولايات في ظل حكم ترامب. قلة قليلة من المواطنين يهاجرون في الحقيقة من بلادهم للبحث عن مكان معقول أكثر لتربية اولادهم فيه ويبدأون حياة جديدة، حتى بثمن تبني هوية سياسية وثقافية مختلفة، وربما أن الاغلبية الساحقة ستواصل العيش في اقفاص الضغط والقمع والاحباط التي ولدت فيها. الفرق بين هذه الدول واسرائيل يكمن في وجود الأمل في التغيير، الامر الذي يجعل المواطنين يطورون معارضة سياسية ويذهبون مرة تلو الاخرى الى صناديق الاقتراع للتحرر من الكابوس. احيانا هذا الامل يتحقق، مثلما حدث في الانتخابات في حزيران في بولندا. واحيانا الفرق بين الديكتاتورية التي تستند الى اجراءات ديمقراطية وبين الديمقراطية الليبرالية، يكمن في نسبة معدودة، تحافظ على الامل في التغيير مثلما حدث في الانتخابات في تركيا في 2023، التي فيها للمرة الاولى خلال العشرين سنة لولايته اضطر رجب طيب اردوغان الى التنافس لولاية ثانية.
لكن هناك ايضا امثلة كثيرة لدول فقد فيها الجمهور الامل. دول يشعر المواطنون فيها بأنهم لاجئون في بلادهم. يبدو أن اسرائيل تسير في هذا المنحدر الحاد. هذا لا يعتبر لجوء رسمي فيه يفقد الشخص وطنه بسبب الاحتلال أو يهرب للنجاة بحياته من رعب المطاردة، بل هذا لجوء فيه الشخص يغترب وينفصل لأنه ليس لديه القدرة على التأثير على مستقبل بلاده، وكأنه طالب لجوء، مواطن اجنبي أو سائح.
الآن يوجد عدد كبير من السكان، ليس فقط العرب الذين تم ابعادهم كليا عن الخطاب العام، اختاروا الصمت لأنهم ادركوا الثمن الباهظ الذي سيدفعونه اذا قاموا بالاحتجاج. هم يرون كيف أن الاحزاب التي كان يجب عليها تمثيل قيمهم تقوم بالتخلي عن مواقفها من اجل اعتبارها احزاب “صهيونية”. هم يبحثون عن قيادة بديلة فقط كي يخرج في الصنارة جنرال أو اكثر في الاحتياط لا يتجرأون على طرح ايديولوجيا مختلفة ويحرصون على الحركة داخل الظل الذي يفرضه النظام.
هؤلاء المواطنون الذين يخشون اقالة المستشارة القانونية للحكومة ورئيس الشباك خوفا من فقدان حراس العتبة، اجتازوا العتبة الآن. هم ينفعلون من اللافتة الصفراء الصادمة والتي تذكرهم بأنه يوجد “طفل في غزة”، يهودي مخطوف، لكنهم يعرفون أنه يجب كم الافواه وعدم التحدث عن آلاف الاطفال الغزيين الذين قتلوا.
لا يوجد أي حارس عتبة سيبقى في منصبه، يمكنه ترميم الاخلاق الذي ضاعت، أو ايقاظ من سباتهم مئات الآلاف، أو ربما فقط عشرات الآلاف، من المواطنين كي يخرجوا للاحتجاج من اجل المخطوفين، ناهيك عن وقف جرائم الحرب التي يتم ارتكابها في غزة. هم سيصمتون لأن المخطوفين وعائلاتهم ليسوا فقط العائق امام النصر المطلق، بل هم يزعجون ايضا، كمواطنين – لاجئين، من اجل الاندماج في المجتمع الاسرائيلي الجديد الذي تقوم بهندسته بنجاح عصابة النظام الاجرامية.