العقل الثائر والزهور
الكاتب: بكر أبوبكر
تضج الحياة بالكثير من الأحداث، وبسلسلة من المواقف والمشاهد التي فيها من المسرّات، والمفرحات الى جهة. ومن المآسي والكوارث أوالمحزنات والمحبطات ما يجعل الحياة على حقيقة فهمها مسارًا متقلبًا لا يكاد يستقيم على درجة واحدة من الثبات أو الصعود أو الهبوط، اوالشعور بالراحة والسكون والرضا. في الحياة مواقف نفرح فيها، وندعو المولى عز وجل لاستمرارها، ومواقف نتمنى ألا تحصل لنا، وندعو الله أن يصبّرنا عليها ويقصّر أمدها، ولكنها تحصل فنحزن أو نخاف او نكتئب أوننتكس، أونشعر بالفقدان أوالخذلان وربما نيأس. يقول المولى عز وجل: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين [البقرة:155]" الحياة ليست مسارًا معبدًا بالزهور، وإنما أنا بعقلي وروحي ونفسي أستطيع أن أقطف الزهور مما أراه أوأتخيله، وأعمل لتحقيقه كهدف بثبات وعزيمة وإيمان. وفي كل ذلك وعي لأن حياة الانسان قد تتأرجح في صعود وهبوط ضمن منحنى الجرس، وما بين التأقلم والتقبل وقطف الأزهار مراحل وزمن وعمل مثابر. كلما كان العقل قادرًا على الحفاظ على اتزانه فلا يتطرف أو ينجرف أولا يتهاون أو ينحرف كلما كانت الحياة قابلة للفهم والعيش. يتأتى الفهم والاتزان والتقبل وخوض الصراع وجهاد الذات من • المرجعية الفكرية الصلبة • بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، • والهدف الذي أعيش من اجله، • وعبرامتلاك منهج التفكير العقلي الابداعي • والمنهج التحققي النقدي من جهة، • وعبر التعلم من الصِغر حتى أعتاب القبر، • ومن خلال فهم المشاعر، والتوجهات • وعدم السماح بطغيانها فلا تتحول لهزات أو نزوات او مثيرات حسية هي جلّ ما يفكر به المرء. الهوى الانساني هو أحد أكبر أسباب الترنح بالحياة، فمن كان دينه (أو إلهه) هواه، هوى وسقط. ومَن كانت رغباته وشهواته أو غرائزه مركِبَهُ السهل نحو المتعة (بغض النظر عن حلتها اوحرمتها) تمتع قليلًا، وندم كثيرًا. ومن اعتبر نزق ذاته بلا حدّ فخرج من رباط النفس اللوامة الى مربض تلك الامارة بالسوء فقط، فقد حصانته وسار في درب زَلِق، وقد يكون شائك ونتيجته الخذلان والخسران في دار أو في الدارين. العقل الثائر المقاوم المكافح مطلوب حيث مشاق الحياة وتحدياتها تحتاج لإرادة مقاومة وجهاد وفعل مثابر (بالذات، وخارجها)، وتحتاج العقل الهاديء الرزين حيث يمكنه النظر والتفكّر والتأمل والصلاة، والتعامل مع المواقف المطلوبة في مساحتها. وفي كليهما إرادة الاتزان والتأقلم أو تقديم أحدهما على الأخرى ارتباطًا بغاية رضا الخالق سبحانه وتعالى، وخدمة الوطن-وخدمة فلسطين حتى تحريرها، وفداء شعبها غايتنا نحن في فلسطين أولًا- وبوعي الامة الحضاري العربي الاسلامي المسيحي المشرقي بكل مكوناتها (العربية والكردية والامازيغية)، وراحة الضمير والتزامًا بالقيم والاخلاق والمباديء الحاكمة. الحياة رحلة قصيرة. والعمر محطة ابتلاء وعمل. والسعيد من سَعُد، وأسعد غيره. "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ"-[سورة هود: 108] فإن لم يكن لك بالحياة وفيها أهدافًا يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية، عوضًا عن الأهداف المركزية الكبرى، التي تعطي الحياة معناها الجميل، وتعطيك جمالها ولذتها فأنت تتحول لانسان عابث بلا طموح أوهدف، وتتحول -علمت أم لم تدري- الى صفحة منتهكة يمكن لأي صاحب فكرة أوهدف أن ينصب خيمته، فيها ويغني أو يصرخ أو يعبث. الحياة منبع التجارب ومكان التعلم ومساحة ربط الصلات مع الخمس الأساسية (مع الخالق سبحانه وتعالى اولًا، ومع ذاتك حيث العقل والنفس والجسد والضمير) ومن هنا وقع فهم كيفية تهدئة العقل الغاضب أو المهتاج والتعامل معه بسياق الاتزان الرباني والاستخلاف للإعمار.