فلسطين بلا "درع أزرق"!!!
الكاتب: بثينة حمدان
"الدرع الأزرق" هذه العلامة الزرقاء لا تتعلق بإشارة توثيق حسابات المشتركين بصفحات التواصل الاجتماعي، كما أنها ليست عملية الدرع الأزرق لجيش الاحتلال الاسرائيلي التي كانت لتأمين زيارة الرئيس الأمريكي ترامب عام 2017، بل هي أهم بكثير. هي العلامة التي تمنحها "اللجنة الدولية للدرع الأزرق" للمباني التاريخية القديمة ومواقع التراث لحمايتها من قصف الطيران الحربي.
تأسست اللجنة الدولية للدرع الأزرق عام 1996 أي بعد عامين من تأسيس السلطة الفلسطينية، وبعد ثلاثين عاماً يبدو أن الحكومات الفلسطينية لم تلتفت لهذه اللجنة وأهميتها في حماية تراثنا وتاريخنا المهدد دوماً والمستهدف من قبل الاحتلال الاسرائيلي، وحيث أن اللجنة تتبع منظمة اليونسكو والتي تعمل بتنسيق دائم مع وزارات الاختصاص المسؤولة عن التعليم والآثار والتراث والثقافة، لكن يبدو أنه لم يلتفت أحد لأهمية الاستفادة من هذا الدرع!
الدرع هو ليس اشارة حماية فقط من القصف، بل تعمل اللجنة خلال النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية والانسانية على حماية التراث الثقافي والطبيعي، المادي وغير المادي. ويدخل ضمن مهام اللجنة المتاحف والأرشيف والمواد السمعية – البصرية، والممتلكات الثقافية المنقولة أو الثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي، والمباني ذات القيمة التاريخية، التحف الفنية، المخطوطات والكتب والمكتبات بل وكل ما له قيمة تاريخية أو فنية، والمجموعات العلمية والكتب الهامة والمباني المخصصة لحماية هذه الممتلكات ومراكز الأبنية التذكارية. ويشمل عمل المنظمة الحماية، وتطوير التدابير الوقائية وزيادة التأهب لمواجهة المخاطر المحتملة التي تهدد التراث الثقافي، والتدريب والتوعية بأهمية التراث، والدعم القانوني والاستجابة السريعة وتقييم الأضرار والإستعداد للإعمار، ووضع أهم الممتلكات الثقافية غير المنقولة في السجل الدولي للمُمتلكات الثقافية تحت الحماية الخاصة.
وتتكون اللجنة من المجلس الدولي للأرشيف، ومجلس المتاحف العالمي والاتحاد الدولي للمكتبات والمجلس العالمي للمعالم والمواقع وتعمل ضمن اتفاقية لاهاي 1995 والتي أنشأت قواعد لحماية الممتلكات الثقافية اثناء النزاعات المسلحة، وتعمل اللجنة على تأسيس لجان وطنية لها في دول العالم لدعم اهدافها بالوقاية من الكوارث والحروب وحماية التراث.
والغريب أنه لم تستفد من هذا الدرع أي من الدول العربية التي تعيش تحت النزاعات المسلحة والحروب، وقد يعود الأمر إلى قلة الخبرة أو قلة الثقة بالمؤسسات الدولية، فلا سوريا ولا اليمن ولا فلسطين تحظى بهذا الدرع باستثناء لبنان التي حصلت عليه ووُضِع على 22 موقعاً لديها، وكان الدرع الأكبر من نصيب قلعة بعلبك. كما عمل مكتب منظمة اليونسكو في بيروت إلى المبادرة لدعم إنشاء اللجنة الوطنية للدرع الأزرق مستضيفاً الإجتماع التأسيسي الأول في مقره عام 2015 من أجل تعزيز وصون وحماية التراث الثقافي العالمي في لبنان، وفي موقف احتجاجي أعلن وزير الثقافة اللبناني في نوفمبر 2023 عن إزالة أكبر اشارة للدرع الأزرق عن قلعة بعلبك تعبيراً عن رفضه للحرب على غزة قائلاً: "الفظائع التي تحدث في غزة أثبتت أن مثل هذه الدروع لا تحمي شيءاً".
ومع احترامنا لموقف الوزير اللبناني، لكن كان من الأفضل تجريم المنظمات الدولية بدلاً من تحريرها من مسؤوليتها، لذا تعمل لبنان في نوفمبر الحالي على تقديم طلب حماية معززة لأكثر من ثلاثين موقعاً في المناطق المعرضة للقصف خاصة جنوب لبنان، كما منحت اليونسكو هذه الحماية المعززة لنحو 300 موقعاً في أوكرانيا أيضاً، حيث يشمل بروتوكول لاهاي المتعلق بحماية الممتلكات الثقافية ما يسمى بـ"الحماية المعززة" والتي تشمل قائمة مفصلة بالممتلكات الثقافية والموظفين العاملين في هذه الممتلكات بل والمركبات الناقلة لعناصر التراث.
وبغض النظر عن مدى إيمانناً بدورها المنظمات الدولية في حماية موروثنا تحت حرب الابادة البشعة من الاحتلال الاسرائيلي، إلا أننا يجب أن لا نألوا جهداً في سبيل تحميل المجتمع الدولي ومنظماته المسؤولية والاحتلال وعملياته العسكرية غير القانونية أيضاً وتجريمهم، وبات مفهوماً أن مهمات الدرع الأزرق واسعة ولا تتعلق فقط بوقف حرب الإبادة الثقافية.
وإلى يومنا هذا... لماذا لا تتميز فلسطين جميعها بعلامة "الدرع الأزرق" وتدابيره لحماية التراث الثقافي الفلسطيني الأكثر استهدافاً على الإطلاق؟!