"حالة معقدة".. هل يقبل الروس بالمهمة الإسرائيلية في سوريا؟
الكاتب: ضياء عودة
في مؤتمر صحفي عقده قبل أيام وضع وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، الهدف المتعلق بمنع حزب الله من جلب الأسلحة إلى لبنان من سوريا كـ"مبدأ أساسي" يجب أن يبنى عليه أي اتفاق لوقف إطلاق النار، ورمى الكرة في ملعب موسكو، معتبرا أنها "قادرة على المساهمة بشكل فعال في تحقيق هذا الهدف".
حديث ساعر بشأن ما تتوقعه إسرائيل من روسيا جاء بعد زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية، رون درمر إلى موسكو، الأسبوع الماضي، ناقش فيها بحسب وسائل إعلام عبرية أدوارا مهمة يريد المسؤولون الإسرائيليون أن تلعبها موسكو، وتتمثل بالضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية لحزب الله عبر أراضيه.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست"، الخميس، عن مسؤول إسرائيلي قوله إن اقتراح وقف إطلاق النار يدعو موسكو إلى منع حزب الله اللبناني المدعوم من إيران من إعادة تسليح نفسه عبر الطرق البرية السورية، وفي غضون ذلك كشف ذات المسؤول عن زيارة أجراها مسؤولون روس إلى إسرائيل في 27 أكتوبر الماضي "لمناقشة ذات الخطة".
بتدخلها عسكريا في سوريا بعد عام 2015 فرضت موسكو واقعا جديدا سياسيّا وميدانيا، وكان للدعم اللامحدود الذي قدمته للنظام في دمشق دور في حرف دفة الصراع لصالحه، وبالشراكة مع الميليشيات التي زجّت بها إيران على الأرض.
وشيئا فشيئا وبينما كانت حاضرة سياسيا ومن الجو عبر طائراتها الحربية أنشأت موسكو بهدوء قاعدتها العسكرية الكبرى في المنطقة (حميميم) ونشرت عناصر من شرطتها في عموم المناطق السورية. ودائما ما كان هؤلاء يسيرون الدوريات مع بقية القوى الحاضرة في الملف السوري لضمان "حالة التهدئة".
الاستراتيجية العسكرية السياسية الروسية بشأن سوريا لم تقتصر خلال السنوات الماضية على ما سبق فحسب، بل توسعت لتشمل عمليات التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية عبر "خطوط ساخنة"، وكذلك مع إسرائيل التي تخوض مواجهة الآن مع إيران حليفة النظام السوري الثانية وحزب الله أبرز وكلائها في لبنان.
وتسير روسيا وإسرائيل في سوريا منذ عام 2018 بآلية "الخط الساخن"، لمنع حدوث أي عمليات تضارب بينهما، وبعد ذلك أصبح الطرفان جزءا من اتفاق أوسع قضى حينها بضرورة إبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود الجولان لمسافة 80 كيلومترا.
وبموجب الاتفاق أيضا ثبتت موسكو عدة نقاط عسكرية على طول الخط الفاصل بين سوريا وإسرائيل من جهة الجولان، وزادتها واحدة قبل ثلاثة أيام في منطقة تل الأحمر جنوبي البلاد.
فهل يقبل الروس بالمهمة التي يتوقعها الإسرائيليون في سوريا؟ وماذا عن طهران التي ترتبط بموسكو باتفاقيات "شراكة استراتيجية"؟ وأين النظام السوري من كل ذلك؟
ما الأصداء في موسكو؟
لم يتأخر الرد الروسي على ما قاله ساعر، وفي تصريحات نقلتها وكالة "ريا نوفوستي"، الأربعاء، أعلن مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف أن منع وصول السلاح لحزب الله من سوريا "ليس جزءا من التفويض الروسي العسكري في البلاد".
وبعدما أوضح المسؤول الروسي أن ما سبق يتطلب إقامة نقاط تفتيش جديدة على الحدود أضاف أن "القوات الروسية في سوريا موجودة فقط لمحاربة الإرهاب"، وأن "مهمة إغلاق الحدود وتنظيم نقاط التفتيش مهمة غير عادية".
"مثل هذه المهام يجب أن تقع مباشرة على عاتق السلطات اللبنانية والسورية. وبطبيعة الحال، لا يمكننا التأثير على هذا الأمر بأي شكل من الأشكال"، على حد تعبير مبعوث بوتين إلى سوريا.
وتابع موجها كلماته للجانب الإسرائيلي: "يمكنك المطالبة بشيء ما.. لكن ضمان تنفيذ بعض الأحكام أمر صعب للغاية"، مشيرا في المقابل إلى أن ضمان منع وصول السلاح لحزب الله من سوريا سيكون صعبا من "الناحية المادية".
ويعتقد الباحث السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن أن التصريحات الروسية ورغم أنها تذهب باتجاه مختلف عن إسرائيل في العلن يختلف الواقع عند التطرق إلى "مضمون" وأهمية الخطوات الحاصلة بين الجانبين، بناء على عامل التوقيت.
ويقول لموقع "الحرة": "روسيا مؤثرة في دمشق وفي كل سوريا وإسرائيل تعرف ذلك جيدا وتنسق معها بشكل مستمر".
تشير المواقف الرسمية في الوقت الحالي إلى أن إسرائيل معنية بعدم إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الهجوم الأخير على حزب الله في لبنان.
وبمعنى آخر تريد إسرائيل ضمان عدم إعادة حزب الله بناء نفسه كميليشيا مدججة بالسلاح الدقيق والمتطور، وفق شتيرن الذي يرى أن "تحقيق الهدف لا يشمل فقط السلطات اللبنانية وقوات يونيفيل وإنما سوريا أيضا".
حديث ساعر كان الأول من نوعه في إسرائيل على صعيد ربط إنجاز أي اتفاق بشأن جبهة لبنان مع تحقيق خطوات على الطرف الآخر بسوريا.
ويتابع الباحث الإسرائيلي: "ندخل في فترة دولية جديدة (وخاصة بعد فوز دونالد ترامب). ولهذا تسعى إسرائيل للتنسيق مع روسيا"، كما يعتبر أن موسكو "مطلعة على النوايا الإسرائيلية وتدعم ذلك"، وأن التنسيق بينهما سيكون له "دور في الترتيبات المستقبلية للمنطقة".
"التصعيد يخدم الروس"
ويمكن القول إن التصعيد الذي يجري في المنطقة قد يخدم مصالح روسيا إذا تمكنت موسكومن استثماره، وفقا لحديث مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة، الدكتور سمير العبد الله.
ويوضح العبد الله لموقع "الحرة" أن معظم السيناريوهات تبدو في صالح الروس، من منطلق أنهم يستطيعون لعب دور الوسيط بين إسرائيل وإيران (بحكم العلاقة)، ويكونون طرفا ثالثا بينهما، لاسيما في منطقة الجنوب السوري.
وفي سيناريو آخر يتمثل بإضعاف إيران في سوريا سيعود ذلك أيضا بالمصلحة والفائدة على روسيا، وفقا للباحث السوري.
يتركز الثقل العسكري الأكبر لروسيا في سوريا في محافظة اللاذقية، حيث قاعدة حميميم.
لكن في المقابل تنتشر لهم عدة نقاط مراقبة على طول جبهة الجولان، وفي شمالي البلاد على الحدود السورية مع تركيا، وعلى الحدود الداخلية ما بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري.
ويشرح العبد الله أن روسيا تلعب بالفعل دور الوسيط بين تركيا والنظام السوري، ويمكنها أيضا أن تستنسخ ذات التجربة على الأسد وإسرائيل. ورغم أنها داعم أساسي للنظام إلا أن غالبية الأطراف قد تقبل بها كضامن أو وسيط.
لكن الباحث يشير إلى تحديات قد تواجهها موسكو، بشأن مدى إمكانية الانخراط أكثر على الأرض، في ظل الصعوبات العسكرية التي تواجهها في أوكرانيا.
وباعتقاده فإنها "ستنخرط بشكل يخدم مصالحها، على ألا تزيد من أعبائها العسكرية، أو تتعكر علاقاتها مع الولايات المتحدة وإدارتها الجديدة، التي يعول عليها بوتين في حل المشكلة بأوكرانيا".
"سوريا في قلب العاصفة"
وبعدما كانت بعيدة جزئيا عن التصعيد الحاصل بين إسرائيل وأذرعها في المنطقة وخاصة حزب الله أصبحت سوريا "في قلب العاصفة"، وفقا للمعطيات على الأرض.
على مدى الأيام الماضية لم تتوقف الغارات الإسرائيلية على المناطق الخاضعة للنظام السوري، واستهدفت آخرها، الجمعة، أهدافا داخل العاصمة دمشق.
ونشر الجيش الإسرائيلي تسجيلا مصورا وثق فيه بحسب روايته استهداف مواقع لحركة "الجهاد الإسلامي" في دمشق يوم الخميس. وكان هذا السلوك الأول من نوعه، بعدما كانت إسرائيل تلتزم سياسة عدم التعليق على ضرباتها في سوريا.
وإلى جانب ضرباته في جنوب لبنان وتوغلاته الجزئية يقول الجيش الإسرائيلي إنه يسعى لقطع خطوط إمداد حزب الله من الأسلحة والقادمة من سوريا بالتحديد.
ويتبع لتحقيق عمليات القطع استراتيجية تقوم على ضرب المعابر الواصلة بين سوريا ولبنان ومواقع في العمق السوري، وخاصة في دمشق ومنطقة القصير بريف حمص وسط البلاد.
ويعتقد آرمان محموديان، وهو زميل باحث في معهد الأمن العالمي والقومي ومحاضر في جامعة جنوب فلوريدا أن "روسيا مهتمة بلعب دور الوسيط في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا، حيث تسعى إلى الحد من تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان".
ويتماشى هذا الدور مع مصالح روسيا لعدة أسباب، وفق قول محموديان لموقع "الحرة".
أولى الأسباب أنه من المرجح أن يؤدي ذلك إلى تقليص الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتي تعتبرها روسيا بالغة الأهمية للحفاظ على الاستقرار وحماية مكاسبها في سوريا.
بالإضافة إلى ذلك يوضح الباحث أنه "ومن خلال توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، يمكن لروسيا تعزيز نفوذها على أوروبا والولايات المتحدة، مما يعزز مكانتها الاستراتيجية على الساحة العالمية".
وبدوره يقول الباحث السياسي الروسي، ديمتري بريجع إن "روسيا مهتمة بأن يكون لها موطئ قدم في سوريا. وتريد التوسط بين إيران وإسرائيل".
يعود بريجع إلى الوراء ويشير إلى الاتفاق الذي حصل في 2018 وكانت روسيا منخرطة فيه بجزء مع إسرائيل، من أجل منع أي هجمات إيرانية من جنوب سوريا باتجاه الأخيرة.
ويضيف لموقع "الحرة": "والآن تريد روسيا ألا تكون سوريا بؤرة تصعيد بين إيران وإسرائيل".
"بين إيران وإسرائيل"
في مقابل التفاهمات والتنسيق الذي يربطها مع إسرائيل في سوريا تجتمع روسيا مع إيران بعدة قواسم مشتركة. منها ما هو مرتبط بالساحة السورية ككل والآخر يتعدى الحدود إلى ساحات أخرى.
وكانت علاقة روسيا وإيران قد تعاظمت بعد الحرب الروسية في أوكرانيا. وفي حين ترجم ذلك بعمليات تبادل الأسلحة على رأسها الطائرات المسيرة الانتحارية أعلن البلدان في وقت سابق من هذا العام توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية.
وبناء على ما سبق قد يسفر أي دور قد تلعبه موسكو بالشراكة مع إسرائيل عن إحداث شرخ في العلاقة التي تربطها مع طهران.
يشرح الباحث محموديان أن علاقة روسيا بإيران في سوريا كانت معقدة تاريخيا.
فمن ناحية، يتعاون البلدان بسبب المصلحة المشتركة في حماية النظام السوري، ومن ناحية أخرى، يتنافسان على النفوذ على عملية صنع القرار في سوريا وعلى المكاسب الاقتصادية داخل البلاد. وكانت هذه العلاقة دائما مزيجا من التعاون والتنافس، بحسب الباحث.
أما بالنسبة لقدرة روسيا على تحقيق التوازن بين إيران وإسرائيل يوضح محموديان أن "أي محاولة من جانب روسيا لوضع نفسها كوسيط أو كضامن لوقف تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان من المرجح أن تتطلب بعض مستويات التفاهم مع إيران".
وتدرك روسيا النفوذ الإيراني الكبير على الأرض في سوريا وتفهم أن تجاوز إيران في مثل هذه القرارات من شأنه أن يؤدي إلى توتر.
وبدلا من ذلك يرجح الباحث أن "تسعى روسيا إلى الضغط على إيران دبلوماسيا أو التفاوض، خاصة وأن الأخيرة قد تدعم بالفعل خفض التصعيد ".
كما يشير إلى أن "حزب الله ليس في موقف قوي لدعم الصراع. ولذلك، إذا كان لروسيا أن تتولى مثل هذا الدور، فمن المؤكد تقريبا أن ذلك سوف يقوم على أساس التفاهم المتبادل مع إيران".
ولا تريد روسيا أن تخسر علاقتها مع إسرائيل وإيران، كما يقول الباحث الروسي، بريجع، لكنه في المقابل يضع هذه المعادلة في نطاق حالة معقدة أيضا.
ويضيف من جانب آخر أن "فوز ترامب قد يغير سياسية روسيا تدريجيا من ناحية ملفاتها في المنطقة بناء على خطة (ناتو الشرق الأوسط الذي يقوم على تحالف عسكري واقتصادي لدول عربية وخليجية)"، حسب تعبيره.
كما يتابع بريجع أن "إيران قد تخسر حليفا مهما إذا ما كان هناك تقاربا روسيا أميركيا"، ويقول إن "هذا التقارب وإن حصل قد يفتح صفحة تراها إيران بمثابة الخيانة".