تعثر مفاوضات تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل
الكاتب: ياسر مناع
تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" - الدورة الثامنة، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.
مقدمة
وجدت إسرائيل نفسها في موقف صعب بعد عملية طوفان الأقصى، التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إذ حاولت حكومة بنيامين نتنياهو، الحفاظ على التوازن بين الضغوط الداخلية للتوصل إلى صفقة تبادل للأسرى، وبين رغبتها في الحفاظ على الردع وهيبتها العسكرية والأمنية.
مثّلت عملية طوفان بالنسبة إلى حركة حماس تحولًا إستراتيجيًا، إذ أعادت ملف الأسرى إلى الواجهة بطريقة لم يشهدها الصراع منذ قبل. وتعتبر الحركة الأسرى الإسرائيليين ورقة ضغط رئيسية على حكومة نتنياهو لتحقيق أهدافها المتمثلة في وقف إطلان النار وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة وإعادة الإعمار وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.
تطرح التباينات الأخيرة في مواقف الأطراف المتفاوضة والوسطاء تساؤلًا بشأن إمكانية إبرام صفقة تبادل في المدى القريب. فعلى الرغم من كثرة الجلسات والجهود المبذولة، لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة حتى الآن.
تتناول الورقة الأسباب التي أدت إلى تعثر المفاوضات وجمودها، من خلال تحليل التصريحات الإعلامية الصادرة عن الأطراف الرسمية المختلفة. ومن الواضح أنه لا توجد صفقة قريبة في الأفق، حيث ربطت حركة حماس ملف الأسرى بإنهاء الحرب، وهو ما ترفضه إسرائيل في الوقت الراهن لأسباب متعددة، من أبرزها فشل إسرائيل والولايات المتحدة في بلورة تصور متوافق عليه لمسار ما بعد الحرب وصياغة رؤية واضحة لـ "اليوم التالي"، ما يجعل أي اتفاق يبدو كأنه انتصارًا لحماس، وهو ما ترفضه واشنطن وتل أبيب وبعض الدول العربية. إضافة إلى ذلك، أدى الصراع الداخلي في إسرائيل إلى رفع سقف مطالب نتنياهو.
تتناول هذه الورقة محاور رئيسية عدة تتعلق بصفقة تبادل الأسرى، بدءًا من الصفقة الجزئية وتفاصيلها، وصولًا إلى موقف المقاومة الفلسطينية وكيفية تعاملها مع المفاوضات، وموقف إسرائيل الذي يتسم بالتعنت والمراوغة. كما سيتم توضيح موقف واشنطن بوصفها طرفًا فاعلًا في النزاع وليس مجرد وسيط.
إضافة إلى ذلك، تستعرض الورقة دور الوسطاء الإقليميين، وخاصة قطر ومصر، وتأثيرهما على سير المفاوضات، والاحتمالات المطروحة لتطورات المفاوضات والتبعات المحتملة للصفقة على المشهد السياسي والأمني في المنطقة.
صفقة جزئية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023
أُبرمت في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 ، أي بعد 46 يومًا من بداية الحرب، صفقة تبادل جزئية شملت إطلاق سراح 50 امرأة وقاصرًا من الأسرى الإسرائيليين في غزة مقابل 150 امرأة وطفلًا من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. ونُفذت عملية التبادل على مراحل، خلال فترة وقف إطلاق النار التي استمرت أربعة أيام، وتحت إشراف الصليب الأحمر.
نُظِرَ إلى هذه الصفقة على أنها خطوة أولى نحو إبرام صفقة شاملة، إلا أن المفاوضات منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم لم تُحرز تقدمًا كبيرًا نحو التوصل إلى اتفاق شامل. ولا تزال المفاوضات عالقة بسبب استمرار الخلافات بشأن التفاصيل.
إطار باريس
عقدت اجتماعات دولية في محاولة لإنهاء التصعيد في غزة، مثل اجتماع باريس في شباط/ فبراير 2024، إذ قدمت فرنسا، بدعم من مصر وقطر والولايات المتحدة، مقترحًا للفصائل الفلسطينية يتضمن وقفًا مؤقتًا للعمليات العسكرية لمدة 40 يومًا. وكان من أهم بنود هذا المقترح إدخال مساعدات إنسانية بواقع 500 شاحنة يوميًا، وإصلاح البنية التحتية المتضررة، وتقديم دعم إنساني، إضافة إلى تبادل أسرى بنسبة 10 فلسطينيين مقابل كل إسرائيلي، مع إطلاق سراح الفئات الأكثر ضعفًا مثل النساء والأطفال وكبار السن.
مقترح بايدن
قدّم الرئيس الأميركي جو بايدن في نهاية شهر أيار/ مايو 2024، خلال خطاب له، الخطوط العريضة لمقترح إسرائيلي يهدف إلى تحقيق وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى. وفي رد على هذا الخطاب، أصدر مكتب نتنياهو بيانين شددا على أن "الخطة التي اقترحتها إسرائيل تضمن الحفاظ على مبادئها الأساسية". في المقابل، صرحت حركة حماس بأنها لن توافق على مناقشة شروط الاتفاق إلا بعد التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار. وأوضح بايدن أنه قدّم مقترحًا للصفقة مع حماس، داعيًا إسرائيل إلى الموافقة عليه، غير أن حكومة نتنياهو لم توافق على المقترح.
أعلنت حركة حماس في مطلع شهر حزيران/ يونيو 2024، أنها وافقت على مقترح قدمه الرئيس الأميركي بايدن، الذي يتضمن خطة من ثلاث مراحل تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة. تتضمن المرحلة الأولى منه، التي تستغرق ستة أسابيع، انسحاب الجيش الإسرائيلي من جميع المناطق المأهولة بالسكان في قطاع غزة، إضافة إلى تنفيذ تبادل أولي للأسرى، لكن بعد وضع إسرائيل لجملة من العراقيل هددت الحركة بأن مصير ملف الأسرى قد يكون مشابهًا لمصير الطيار الإسرائيلي رون أراد، الذي فقدت آثاره بعد أسره في لبنان في ثمانينيات القرن الماضي.
لقاء روما
عُقد اجتماع في العاصمة الإيطالية روما، بتاريخ 29 حزيران/ يونيو 2024، شارك فيه رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية ووفد أمني مصري، إلى جانب ممثلين عن قطر والولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تم التركيز على الجوانب الأمنية والسياسية للأزمة. ولم يُسفر هذا الاجتماع عن انفراجة حقيقية. فقد أظهر أن ضغوط بايدن على نتنياهو لم تُحدث تغييرًا ملموسًا في موقف الأخير.
في إطار التعديلات التي أدرجتها إسرائيل على المقترحات الدولية، جاءت مطالب نتنياهو الجديدة لتعزز من تصلب الموقف الإسرائيلي في المفاوضات. وتمثلت هذه المطالب في تعزيز الوجود العسكري الإسرائيلي في محور صلاح الدين، وتحديد قوائم جديدة للأسرى، مع التشديد على تفتيش العائدين إلى شمال غزة، وهي شروط جعلت من التوصل إلى اتفاق أكثر تعقيدًا. وأظهرت هذه التعديلات إصرار نتنياهو على تحقيق أهداف أمنية وإستراتيجية قبل تقديم أي تنازلات، ما أدى إلى تعميق الفجوة بين الأطراف.
وفقًا لموقع "واللا" العبري، أكد مسؤول إسرائيلي أن "نتنياهو كان يسعى إلى اتفاقيات يصعب تحقيقها"، وأن هذا الإصرار على مواقفه في ذلك الوقت حال دون التقدم في المفاوضات. في الوقت ذاته، امتنعت الاستخبارات الأميركية عن التعليق على هذه التطورات، ما يعكس حالة الجمود السياسي والتفاوضي السائدة في تلك الفترة.
موقف حركة حماس
وضعت حماس منذ البداية إطارًا واضحًا لموقفها بشأن ملف الأسرى، على أساس إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين مقابل الأسرى الإسرائيليين. واعتبرت هذا الملف أداة ضغط رئيسية، وربطت بينه وبين قضايا لا تقل أهمية عن صفقة التبادل.
تعتبر فصائل المقاومة الفلسطينية أن وقف العدوان، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وإعادة إعمار القطاع، وعودة سكان شمال غزة إلى بيوتهم، هي شروط أساسية لنجاح صفقة تبادل الأسرى. وترفض الفصائل أي مقترحات من الوسطاء لا تلتزم بهذه الشروط الجوهرية. وتعتبر أن عدم تحقيقها يعني خسارتها في هذه الحرب. كما ترى حماس أن تقديم أي تنازلات في هذا السياق قد يؤدي إلى تحقيق أهداف إسرائيلية على حساب مصالح الفلسطينيين.
أكدت حماس أكثر من مرة موافقتها على مقترح بايدن، الذي طرح في 2 تموز/ يوليو 2024، وهو يهدف إلى تسهيل إبرام صفقة تبادل الأسرى، وقد عُرِض للتصويت في مجلس الأمن. ومع ذلك، أعربت الحركة عن استعدادها لقبول المقترح، وأكدت استعدادها لتنفيذ الاتفاق المتعلق بوقف إطلاق النار في قطاع غزة "بشكل فوري".
وجاء ذلك بعد اجتماع للوفد المفاوض للحركة مع كل من الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية، وعباس كامل، رئيس المخابرات المصرية حينها، عباس كامل، في 11 أيلول/ سبتمبر 2024، في الدوحة، إذ أشارت حركة حماس إلى أنها مستعدة للامتثال للاتفاق بناءً على إعلان بايدن وما تم التوافق عليه سابقًا، من دون إضافة أي مطالب من أي طرف.
استخدمت حماس إستراتيجيات عدة للضغط على إسرائيل من أجل تقدم عجلة المفاوضات، بما في ذلك نشر مقاطع فيديو تُظهر الأسرى الإسرائيليين يطالبون بإنجاز الصفقة، والإعلان عن مقتل بعض الأسرى خلال القصف الإسرائيلي على غزة أو على يد بعض عناصر كتائب القسام.
موقف إسرائيل
يشهد الموقف الإسرائيلي انقسامًا بين تياري الحكومة والمعارضة بشأن إبرام صفقة تبادل الأسرى، مع أن هذين التيارين يتفقان على هدف استمرار الحرب ضد الفلسطينيين.
موقف المعارضة والتيار العسكري التقليدي
يدعو هذا التيار إلى ضرورة إتمام صفقة تبادل تضمن عودة الأسرى بأسرع وقت. ويعتقد أفراده أن استمرار الحرب وتجاهل الأسرى يعرض حياتهم لخطر أكبر. ويتمثل الموقف الأبرز داخل هذا التيار في إعطاء الأولوية لصفقة التبادل، ومن ثم يمكن استئناف الحرب، وما يعبر عنه بوضوح بيني غانتس، رئيس المعسكر الوطني.
موقف الحكومة الإسرائيلية
يتبنى نتنياهو سياسة صارمة تجاه قضية الأسرى، حيث يشترط تقديم ضمانات بشأن استمرار الحرب قبل تنفيذ الصفقة، وهو يعتبر أن أي صفقة تبادل دون ضمان استمرار إسرائيل في الحرب ستكون انتصارًا لحماس.
تواصل الحكومة الإسرائيلية فرض شروط جديدة في كل جولة من المفاوضات، مثل الإصرار على الحفاظ على السيطرة على محور صلاح الدين، وإبعاد الأسرى المحكومين بالسجن المؤبد بسبب قتل إسرائيليين، مع الاحتفاظ بحق الفيتو على إطلاق سراح بعضهم. إلى جانب ذلك، تتبنى الحكومة سياسة الضغط العسكري المكثف على غزة، في محاولة لإجبار حماس على تعديل موقفها والتنازل عن بعض شروطها في المفاوضات.
يرى نتنياهو أن الضغط العسكري هو الوسيلة الأكثر فاعلية لتحقيق الأهداف الإسرائيلية، على أمل أن يسهم ذلك في التوصل إلى صفقة تبادل مرضية. وقد عزز هذا التوجه بعد نجاح جيش الاحتلال في تحرير أربعة أسرى من مخيم النصيرات وسط غزة، في 8 حزيران/ يونيو 2024. على الرغم من أن العديد من قادة الجيش الحاليين والسابقين لا يشاركون نتنياهو القناعة بجدوى هذا النهج.
مواقف الوسطاء
الموقف الأميركي
قدمت واشنطن مبادرات عدة لحل الأزمة، تقوم على أساس التوصل إلى وقف إطلاق للنار يمهد الطريق لتبادل الأسرى، وتزعم أنها عبر هذه المبادرات تقوم بدور الوسيط بين الأطراف. ومع ذلك، كانت تلقي باللوم على المقاومة الفلسطينية في تعطيل المفاوضات، ما يبرز أن دورها يتجاوز الوساطة إلى دور الشراكة مع إسرائيل في الحرب.
أدت كل من قطر ومصر دورًا محوريًا في المفاوضات المتعلقة بصفقة تبادل الأسرى، واعتمدت الدوحة على علاقاتها القوية مع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس، إضافة إلى تأثيرها الدبلوماسي المتصاعد على الساحة الدولية، ما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في تسهيل الحوار والتوصل إلى اتفاقات. أما القاهرة، بحكم موقعها الجغرافي وحدودها المشتركة مع غزة، فتتمتع بتأثير خاص على المفاوضات، مستفيدة من علاقاتها الطويلة مع الطرفين، وقدرتها على ممارسة ضغوط دبلوماسية وأمنية. ومع كل التحديات يبقى دور مصر وقطر أساسيًا في محاولة التوصل إلى وقف إطلاق للنار.
الموقف القطري
قامت الدوحة بدور مركزي منذ بداية المفاوضات، حيث استضافت جلسات المفاوضات الرئيسية، وسهّلت التواصل بين الأطراف المتنازعة. وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء القطري أن دور بلاده هو الوساطة وسد الفجوات وتقريب المواقف ووضع الحلول للتوصل إلى بعض البدائل.
علاوة على ذلك، مثلت قطر الطرف الفلسطيني في هذه الجلسات وأكدت موقفها الثابت في دعم حقوق الفلسطينيين وتحقيق مطالبهم، ولم تتردد في تحميل إسرائيل المسؤولية علانية عن فشل المفاوضات في أكثر من مناسبة. وقد علقت الدوحة وساطتها في الوقت الحالي.
الموقف المصري
قال بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، بتاريخ 16 أيلول/ سبتمبر 2024، إن موقف بلاده داعم للمفاوضات الرامية إلى إبرام صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة. وحمّل بصورة غير مباشرة إسرائيل مسؤولية عرقلة هذه المفاوضات، من خلال تأكيده على أن غياب "الإرادة السياسية من بعض الأطراف" هو ما حال دون التوصل إلى اتفاق نهائي.
أبرز التحديات في المفاوضات
أولًا: اختلافات وجهات النظر
من أكبر التحديات التي تواجه المفاوضات تباين الرؤى بين الطرفين، إذ ترى حركة حماس في صفقة تبادل الأسرى خطوة حاسمة تندرج في سياق إنهاء العدوان وانسحاب الاحتلال من غزة، بينما ترى إسرائيل أن أي اتفاق يجب أن يمنحها القدرة على استئناف الحرب في أي وقت تراه مناسبًا، ما يجعل صفقة التبادل مجرد هدنة مؤقتة وغير محددة المدة. وهذا التباين الجذري في المواقف يعرقل بشكل كبير التوصل إلى اتفاق.
ثانيًا: العمل العسكري
تعتمد الحكومة الإسرائيلية سياسة الضغط العسكري على قطاع غزة، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على موقف حماس في المفاوضات. على سبيل المثال، أدت عمليات اغتيال استهدفت شخصيات قيادية بارزة في حماس مثل إسماعيل هنية وصالح العاروري إلى تجميد المحادثات لفترات محددة. فهذه الإستراتيجية العسكرية تعقد عملية التفاوض وتجعلها أكثر تقلبًا وصعوبة.
ثالثًا: الموقف الأميركي
يتميز الموقف الأميركي بعدم اتخاذ موقف حاسم يؤيد إنهاء الحرب بشكل نهائي، بل يركز على التوصل إلى وقف إطلاق النار. وفي الوقت نفسه، يتبنى الرؤية الإسرائيلية التي تهدف إلى القضاء على حكم حماس وتدمير قدراتها العسكرية. كما تعطّل واشنطن صدور أي قرارات ملزمة من مجلس الأمن.
هل ثمة صفقة تبادل تلوح في الأفق؟
يمكن القول إن هناك علاقة ما بين صفقة التبادل والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لذا، فهناك ثلاثة احتمالات، وهي: التوصل إلى اتفاق شامل يؤدي إلى نهاية الحرب، أو التوصل إلى اتفاق جزئي يخفف من حدة الحرب من دون وقفها بالكامل، أو عدم التوصل إلى أي اتفاق، ما يطيل أمد الأزمة ويعقد الجهود الدبلوماسية.
السيناريو الأول: التوصل إلى اتفاق شامل يؤدي إلى نهاية الحرب
هذا الاحتمال يعتمد على قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى اتفاقية شاملة تتضمن تبادل الأسرى وعودة الاستقرار الأمني في المنطقة. ومن أبرز عناصر هذا الاتفاق أن يشمل تبادل جميع الأسرى لدى إسرائيل وحماس، مع تقديم ضمانات من الطرفين لوقف التصعيد العسكري وبدء عمليات إعادة الإعمار في قطاع غزة. في هذا السيناريو، قد تكون السلطة الفلسطينية ودول عربية وإقليمية مثل مصر وقطر من الأطراف المساهمة في تسهيل تنفيذ الاتفاق، ما يجعل التوصل إلى هذه الصفقة ممكنًا.
من أجل التوصل إلى اتفاق شامل، سيكون من الضروري أن توفر لحماس ضمانات بأن الاتفاق سيكون مُنفَّذًا بالكامل من جانب إسرائيل، بما يشمل إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين. أما بالنسبة إلى إسرائيل، قد يتم تقديم ضمانات بعدم استمرار التصعيد أو العودة إلى الحرب، في مقابل إعادة فتح المعابر الحدودية ورفع الحصار المفروض على غزة. هذا السيناريو قد يشمل أيضًا محادثات بشأن إعادة إعمار غزة بتمويل دولي وبمشاركة السلطة الفلسطينية.
ولكن، تتزايد التحديات التي قد تحول دون التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، بما في ذلك العقبات السياسية الداخلية في إسرائيل، خاصة في ظل المعارضة التي قد يواجهها نتنياهو من بعض أطراف حكومته أو من قوى اليمين المتطرف التي ترى في مثل هذا الاتفاق تنازلًا.
السيناريو الثاني: التوصل إلى اتفاق جزئي يخفف من حدة الحرب
يتضمن هذا الاحتمال تنفيذ اتفاق جزئي لتبادل أسرى محدود، ما قد يؤدي إلى تهدئة مؤقتة على الأرض وتخفيف حدة العنف من دون أن يؤدي إلى نهاية الحرب أو تسوية شاملة. في هذا السيناريو، قد توافق إسرائيل على الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن بعض الأسرى الإسرائيليين أو جثث الجنود، ولكن من غير المرجح أن يشمل هذا الاتفاق جميع الأسرى المحتجزين لدى الجانبين.
ومن الممكن أن تركز إسرائيل في هذا السيناريو على تحسين موقفها الداخلي، حيث سيساعدها تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة في الحصول على دعم شعبي داخلي وتحقيق بعض التهدئة التي تخفف من الضغوط. إلا أن تنفيذ الاتفاق الجزئي قد يؤدي إلى تراجع في تنفيذ باقي بنود الاتفاق، حيث قد تبدأ إسرائيل في المماطلة بتطبيق باقي الإجراءات، مثل الإفراج عن مزيد من الأسرى أو تخفيف الحصار، ما يؤدي إلى تصعيد جديد، إذ إن حماس ستكون في حالة تأهب لمواجهة أي تراجع في تطبيق الاتفاق، وقد تسعى إلى زيادة الضغط عبر وسائل متعددة.
تكمن تحديات هذا السيناريو في قدرة حماس على ضمان التزام إسرائيل بتنفيذ الاتفاق جزئيًا، إضافة رفض أطراف إسرائيلية مثل هكذا صفقة.
السيناريو الثالث: عدم التوصل إلى اتفاق
يتضمن هذا السيناريو فشل المفاوضات في التوصل إلى اتفاق، ما يؤدي إلى استمرار الحرب، وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة. ومن ضمن المعوقات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق عدم وضوح الرؤية بشأن "اليوم التالي" للحرب.
في هذا السيناريو، من المحتمل أن تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة بشكل مستمر، ما يزيد من تعقيد أي محاولة لإبرام صفقة تبادل. وقد تسعى إلى فرض مزيد من القيود على غزة، بينما لا تظهر بوادر لحل سياسي حقيقي أو تغيير جذري في الظروف الأمنية.
وضمن هذا السيناريو قد تسعى إسرائيل إلى تغيير التركيبة السكانية في غزة، غبر ترحيل جزء من سكان القطاع أو تقييد تحركاتهم بشكل أكبر، لفرض سيطرتها على المنطقة.
غير أنه في حال استمرت المقاومة الفلسطينية في تصعيد الهجمات، قد تضطر إسرائيل إلى الانسحاب من غزة دون التوصل إلى اتفاق رسمي مع حماس، ما سيشكل تطورًا مفاجئًا ويؤدي إلى أزمة جديدة على الصعيدين الأمني والدبلوماسي، حيث قد تنشأ حالة من الفوضى في القطاع بسبب انسحاب مفاجئ من دون ضمانات للأمن أو الاستقرار.
وما يميز هذا السيناريو هو حالة اللامبالاة التي قد تصيب المجتمع الدولي تجاه استمرار الحرب دون وجود آفاق للتوصل إلى حلول سياسية.
توسع الحرب في لبنان
من الخيارات التي قد تزداد احتمالية حدوثها في ظل تطور الأحداث، توسع نطاق الحرب في لبنان، من خلال انخراط حزب الله في المواجهات بشكل أكبر، وهو ما قد يدفع إلى نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، ما يزيد من تعقيد جهود التوصل إلى صفقة تبادل، إذ ستصبح القضية الفلسطينية جزءًا من صراع إقليمي أوسع، وهو ما يزيد من الضغط الدولي ويعقد الأمور بالنسبة إلى إسرائيل وحماس.
في هذا السياق، يمكن أن تصبح غزة ولبنان جبهتين مترابطتين، ما يعني أن أي اتفاق قد يتطلب إشراك القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك إيران، ما يوسع نطاق المفاوضات ويزيد من تعقيدها.
خاتمة
تواجه مفاوضات تبادل الأسرى حالة من الجمود في ظل التصعيد الحالي مع لبنان والتهديدات الإقليمية الواسعة التي تلوح في الأفق. ومع ذلك، يظل ملف تبادل الأسرى عنصرًا مركزيًا في أي اتفاق إقليمي محتمل، حيث يُعتبر جزءًا أساسيًا من الجهود المبذولة لإنهاء الحرب وتحقيق استقرار دائم في المنطقة.
لكن من الواضح أن الجمود الحالي في المفاوضات ليس فقط نتيجة لشروط الأطراف أو توقيت وآليات الاتفاق، بل يتجاوز ذلك إلى عدم وجود تصور واضح لمرحلة "ما بعد الحرب".
يبقى السؤال الأساسي الذي يتجنبه الجميع هو: ماذا سيحدث إذا استمرت حماس في السلطة بعد انتهاء الحرب؟ بقاء حماس يُعتبر اعترافًا غير مباشر بانتصارها، وهو أمر غير مقبول بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة.
في ظل غياب رؤية واضحة لمستقبل قطاع غزة، ومع استمرار فشل إسرائيل في إيجاد بديل لحكم حماس، تبدو صفقة تبادل الأسرى مؤجلة حتى التوصل إلى اتفاق شامل يضمن السيطرة على الوضع في "اليوم التالي".
علاوة على ذلك، يعكس استمرار الحرب على الرغم من تفاوت مستويات التصعيد تعقيد المشهد، حيث تسعى واشنطن إلى تجزئة الحلول بين صفقة تبادل الأسرى وترتيبات إقليمية أوسع مع الدول العربية، مثل مصر. لكن هذا لن يتحقق من دون موافقة الأطراف العربية على رؤية واضحة للمستقبل. حتى ذلك الحين، ستستمر الحرب والمفاوضات في مسار متعرج، بعيدًا عن الحسم النهائي.