عاد ترامب والعود ليس أحمد
الكاتب: رامي مهداوي
بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية بفوز دونالد ترامب، يستعد العالم لمرحلة جديدة من السياسة الأميركية التي قد تحمل تأثيرات كبيرة على الساحة الدولية، خاصة في الشرق الأوسط. عودة ترامب إلى البيت الأبيض تثير تساؤلات عديدة حول مستقبل العديد من القضايا الحساسة، بما في ذلك الملف الفلسطيني الذي شهد تغييرات كبيرة في فترة رئاسته الأولى.
منذ بداية حملته الانتخابية، أكّد ترامب على شعاره الشهير «أميركا أولاً»، وهو ما عكس توجهاته تجاه السياسة الاقتصادية الداخلية والخارجية. في الجوانب الاقتصادية، تبنى ترامب سياسات تقليص التدخلات الخارجية والتركيز على دعم الصناعات الوطنية، وهو ما أثّر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي والعلاقات التجارية الدولية. وقد تتجه الولايات المتحدة، تحت قيادته، إلى تعزيز سياسة الحمائية التجارية مع تقليص دورها في المنظمات الدولية، ما يهدد استقرار النظام الاقتصادي العالمي الذي يعتمد على التعاون بين القوى الكبرى.
أما في السياسة الخارجية، فقد كان لترامب نهج متشدد في تعاملاته مع القضايا الإقليمية والدولية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. فحين تولى منصب الرئاسة لأول مرة، اتخذ خطوات جذرية أثارت استياء المجتمع الدولي، أبرزها نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل، وهو ما أحدث توترا كبيرا في العلاقات الأميركية مع الدول العربية والفلسطينيين، الذين اعتبروا ذلك إعلانا صريحا بالانحياز الأميركي الكامل لصالح إسرائيل.
ومع عودة ترامب إلى السلطة، فإن من المتوقع أن تواصل الولايات المتحدة دعمها غير المشروط لإسرائيل في سياق استمرار الانتهاكات المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فمن غير المستبعد أن يعزز ترامب موقفه في تعزيز العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما قد يعمق الأزمة الفلسطينية ويزيد من معاناة الشعب الفلسطيني في ظل سياسة الاحتلال المستمرة.
علاوة على ذلك، فإن فوز ترامب يشير إلى أن الولايات المتحدة قد تواصل اتباع سياسة تهميش القضية الفلسطينية على الساحة الدولية. ففي فترته الرئاسية الأولى، أوقف ترامب الدعم المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، كما قلص مساعدات أخرى كانت موجهة للسلطة الفلسطينية. وقد يتوقع الفلسطينيون المزيد من الضغوط الاقتصادية والسياسية في حال استمرار السياسات الأميركية الحالية.
وتتزايد المخاوف من أن هذه السياسات قد تساهم في إغلاق الأفق السياسي أمام الفلسطينيين، وتساهم في تعزيز الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، ما يعقد أي إمكانية لحل الدولتين، الذي كان يشكل أملا لفلسطينيين ومؤيدين للسلام في المنطقة. ولا شك في أن هذه السياسات ستؤدي إلى المزيد من الصعوبات على الأرض، في وقت يعاني فيه الشعب الفلسطيني من حصار خانق وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، بالإضافة إلى استمرار الانتهاكات اليومية التي تمارسها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين.
في الوقت نفسه، قد يشهد الشرق الأوسط تزايدا في التحالفات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، التي قد تكون مدفوعة بمصالح أمنية مشتركة في مواجهة التهديدات الإقليمية، مثل التوترات مع إيران. هذه التحالفات قد تكون على حساب القضية الفلسطينية، حيث يبدو أن الدول العربية قد تميل إلى التركيز على القضايا الأمنية والاقتصادية دون أن تضع القضية الفلسطينية في صدارة أولوياتها.
يعتبر فوز ترامب دليلاً على استمرار السياسات القوية والمتشددة التي قد يكون لها تأثير عميق على منطقة الشرق الأوسط، خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. في ظل هذه التطورات، يتعين على الفلسطينيين والدول العربية اتخاذ مواقف أكثر تنسيقا وواقعية، واتخاذ خطوات جديدة لاستعادة حقوقهم في مواجهة التحديات القادمة، مع العلم أن الوضع السياسي والإنساني في الأراضي الفلسطينية قد يزداد تعقيدا في حال استمرت السياسة الأميركية في مسارها الحالي.