وعد بلفور ولعنة التاريخ
الكاتب: عمر حلمي الغول
مضى على وعد جيمس آرثر بلفور، وزير خارجية بريطانيا 7 أعوام بعد ال100، دفع خلالها الشعب العربي الفلسطيني اثمانا باهضه من الدم والدمار والمجازر الصهيونية الوحشية والطرد القسري والتطهير العرقي لنحو مليون فلسطيني من ارض وطنهم الام فلسطين الى المنافي ودول الشتات، ومازالت دورة وحلقات الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب تتواصل في مجالات الحياة المختلفة، وبعناوين متعددة، واليات قتل وحشية يندى لها جبين البشرية.
ولم تكن جرائم الحرب الصهيونية معزولة عن خطط ومشاريع اسيادها في الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، التي تربعت على عرش المعسكر الغربي الامبريالي بعد الحرب العالمية الثانية 1945، أي عشية إقامة دولة إسرائيل اللقيطة على أنقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني في أيار / مايو 1948، لا بل لصيقة الصلة به، كون الغرب الاستعماري القديم والحديث بشقيه الانغلوسكسوني والفرانكوفوني، هو صاحب وسيد دولة المشروع الصهيوني الاجلائي الاحلالي على أراضي دولة فلسطين، التي حالوا دون استقلالها بعد انسحاب الانتداب البريطاني منها وفقا لقرار التقسيم الدولي 181 الصادر في 29 تشرين ثاني / نوفمبر 1947.
ولا أضيف جديدا للمتابع، أن دولة الإبادة الصهيونية قامت على شعار أساس ناظم لبرامج وخطط واليات عمل: "ارض بلا شعب، لشعب بلا أرض."، وبالتالي واصلت قيادة الدولة الكولونيالية وحكوماتها المتعاقبة منذ تأسيسها وبخطوات متدحرجة لمواصلة عملية النفي والتطهير العرقي والابادة للشعب الفلسطيني، ولم تلتزم بأي قرار أممي يتعلق بحل الصراع، حتى بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو في واشنطن في 13 أيلول / سبتمبر 1993. وللتخلص من تبعات الاتفاقية قام اليمين النازي الصهيوني باغتيال اسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل الاسبق في 4 تشرين ثاني / نوفمبر 1995، وتابعت حكومات نتنياهو الست منذ 1996 عملية دفن تلك الاتفاقية، رغم هشاشتها والمثالب العميقة التي تضمنتها.
وبعد هجوم 7 تشرين اول / أكتوبر 2023، اغتنمت حكومة زعيم الليكود الأكثر وحشية وفوق النازية الفرصة الذهبية لتعميق عملية الإبادة الجماعية لتجسيد وتكريس هدفها المركزي بتطهير ارض فلسطين التاريخية من البحر الى النهر من شعبها الفلسطيني الاصلاني، صاحب التاريخ والموروث الحضاري، وتصفية حقوقه السياسية والقانونية كاملة بقيادة ودعم أنظمة الغرب بزعامة الولايات المتحدة لتغيير خارطة الشرق الأوسط وفق الأهداف الجيو استراتيجية، وخدمة لمصالحها الحيوية في الوطن العربي خصوصا وإقليم الشرق الأوسط الكبير عموما، واستباقا للتحولات الجيو سياسية العالمية وانزياحاتها الكمية المتراكمة لتأسيس نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، وانهاء حقبة نظام القطب الواحد بقيادة واشنطن، الذي تجلى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية مطلع تسعينيات القرن الماضي.
النكبات والكوارث الهائلة وعمليات الإبادة الجماعية وأهوالها وفظائعها، والتدمير الهائل الذي رافقها على مدار 395 يوما خلت في الوطن الفلسطيني عموما وقطاع غزة خصوصا، والمجاعة والامراض والاوبئة بهدف التهجير القسري الكامل لأبناء الشعب الفلسطيني في تعميق وتوسيع دائرة النكبة الأولى عام 1948، تتحملها دول الغرب الرأسمالي عموما وبريطانيا العجوز خصوصا، التي أصدرت وعدها المشؤوم في 2 تشرين ثاني / نوفمبر 1917 بإقامة "وطن قومي لليهود الصهاينة" على ارض فلسطين العربية، تنفيذا لقرار مؤتمر كامبل نبرمان 1905 / 1907، الذي قرر زرع شعب غريب في فلسطين لتمزيق وحدة الوطن العربي، وفصل الجزء الاسيوي عن الجزء الافريقي، ونهب ثرواته، والحؤول دون تطور المشروع القومي العربي، هذه وغيرها من الويلات والمصائب والفجائع تتحملها بريطانيا تحديدا والولايات المتحدة والغرب الرأسمالي عموما، وعليه مطلوب من صاحبة الوعد الأكثر بشاعة ودونية في التاريخ المعاصر التالي: أولا الاعتذار عن لعنة التاريخ التي ارتكبتها بإصدارها ذلك الوعد للشعب العربي الفلسطيني وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية؛ ثانيا التعويض الكامل عن كل ما أصاب الشعب من نكبات وويلات على مدار العقود الماضية؛ ثالثا الاعتراف بالدولة الفلسطينية والاسهام برفع مكانتها في الأمم المتحدة لدولة كاملة العضوية؛ رابعا فرض العقوبات السياسية والديبلوماسية والاقتصادية المالية والعسكرية الأمنية على دولة الاستعمار الإسرائيلي فوق النازية، لإلزامها باستحقاق استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وانسحابها الكامل من كل مليمتر من أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967، وحماية عملية السلام؛ خامسا الدعم الحقيقي لوقف الإبادة الجماعية فورا وبشكل دائم، وإدخال المساعدات الإنسانية بمشتقاتها المختلفة، ورفض التهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني، وتأمين الحماية الدولية للشعب في ارجاء الوطن الفلسطيني عموما تنفيذا للفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 أيلول / سبتمبر الماضي بأغلبية 124 دولة.
دون ذلك، ستبقى لعنة التاريخ تلاحق الحكومات البريطانية المتعاقبة، وسيواصل الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية ممثلة بمنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد والدولة الفلسطينية تتابع الكفاح من اجل إلزام بريطانيا بالاستحقاقات المذكورة انفا، ولن يقبل الشعب وقيادته بأقل من ذلك.