هجوم على شوكين
الكاتب: عمر حلمي الغول
حكومة الائتلاف الإسرائيلي فوق النازية لم تعد تحتمل الرأي الإسرائيلي الاخر، وتطارد أصحاب المواقف الداعمة والمؤيدة للحقوق السياسية الفلسطينية، والمؤيدون لإبرام صفقة تبادل للأسرى ووقف الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، والذهاب لحل سياسي، وتعتبرهم أصوات نشاز، وتدعو لمحاصرتهم، واتخاذ إجراءات رادعة ضدهم. لأنهم يغردوا خارج سرب الموت والابادة الجماعية، وكونهم يفضحون عمليات التطهير العرقي والعنصرية الإسرائيلية المنفلتة من القوانين الإنسانية كافة، وتتحدى في تجاوز واستباحة خطيرة لميثاق الأمم المتحدة، وتصر الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو على بقاء صوت واحد، لا يعلو عليه أي صوت آخر، هو صوت قعقعة السلاح والفاجعة الكارثية على الشعب الفلسطيني، وتحقيق أهداف الرجل القوي في الدولة العبرية، وخاصة ما يدعيه بتحقيق "النصر الكامل"، الذي لم يتحقق منه سوى المزيد من طحن الأرواح البريئة من الأطفال والنساء والابرياء عموما لليوم 393 من الإبادة الجماعية.
وعطفا على ما تقدم، وصف ناشر صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عاموس شوكين يوم الاحد 26 تشرين اول / أكتوبر الماضي في مؤتمر "هآرتس" في لندن، إسرائيل بانها نظام فصل عنصري" على الفلسطينيين. وأضاف "إن حكومة نتنياهو لا تهتم بفرض نظام فصل عنصري قاس على السكان الفلسطينيين، لا بل انها تتجاهل التكاليف التي يتحملها الجانبين (الحكومة وقطعان المستوطنين) للدفاع عن مستوطنات في الضفة الغربية في أثناء محاربة مقاتلي الحرية الفلسطينيين، الذين تسميهم إسرائيل "إرهابيين." وتابع "بمعنى أن ما يحدث في الأراضي المحتلة وأجزاء من غزة نكبة ثانية". وأكد شوكين إن الطريقة الوحيدة لإقامة دولة فلسطينية هي "فرض عقوبات على إسرائيل، وضد القادة الذين يعارضونها، وضد المستوطنين." ولا أدري لماذا خذلته اللغة في تحديد جزء من قطاع غزة، وهو يعلم ان كل مليمتر في غزة يخضع للإبادة الجماعية.
وردا على تصريحاته الشجاعة، قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" يوم أول أمس الخميس 31 تشرين اول / أكتوبر الماضي، أن وزارات الداخلية والتعليم وشؤون الشتات قررت قطع العلاقات مع "هآرتس"، في حين اقترح وزير الاتصالات فرض مقاطعة تشمل جميع الهيئات الحكومية.
وذكرت القناة "12" العبرية، أن المقاطعة ستشمل جميع الإعلانات عن العطاءات الحكومية في كل من النسخة المطبوعة وموقع "هآرتس" الاليكتروني. وقال المدير العام لوزارة الداخلية، روبين بيرتس، أن تصريحات شوكين "تثير الاشمئزاز وتظهر الانفصال عن القيم الأساسية." وهو يقصد قيم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. كما أكد المدير العام لوزارة شؤون الشتات، آفي كوهين سكالي: "إن وزارتنا مكلفة بحملة ضد نزع الشرعية عن إسرائيل، ومن المذهل أن نرى على وجه التحديد مؤسسة إسرائيلية تعمل ضد إسرائيل من الداخل." وغيرها من المواقف التي تصب في ذات الاتجاه التحريضي على صحيفة "هآرتس" صاحبة الصوت المغاير في الساحة الإعلامية الإسرائيلية.
وكما اسلفت آنفا، أن حكومة الإبادة الجماعية والفصل العنصري والتطهير العرقي، لا تقبل القسمة على ما تدعيه، أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وتزعم انها المعبرة عن صوت المجتمع الإسرائيلي، والحقيقة الماثلة للكون كله، أنها الدولة الأكثر وحشية، ودولة قانون الغاب والجريمة المنظمة، ومنتجة الإرهاب والابادة، التي فاقت في انتهاكاتها وجرائم حربها أبشع دول العصر الحديث النازية.
والمسألة هنا، لا تتعلق بنرجسية نتنياهو، وإصراره على البقاء في كرسي الحكم، فالأمر ابعد وأعمق من ذلك، وما الحديث عن "النصر الكامل"، الا إصرارا على مواصلة الإبادة. لأنها مدعومة بالمشاركة الكاملة من الولايات المتحدة الأميركية التي غطت جرائم ابادتها الجماعية، ولاحقت المجتمع الدولي بما فيه هيئة الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، العدل والجنائية الدوليتين، وتقوم على مدار الساعة بإشاعة التضليل والكذب والافتراء حول طبيعة الإبادة الجماعية، وادعائها ب"رغبتها" بوقف الحرب وإبرام صفقة التبادل للأسرى، وكذبها عن حرصها على ادخال المساعدات الإنسانية كافة للشعب الفلسطيني وتدعم خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967. لأن الحقيقة غير ذلك تماما، بل على النقيض كليا مع ما تقدم، لأنها الإدارة الأميركية، هي من قادت دفة الإبادة الجماعية على الفلسطينيين، ومنحت إسرائيل المارقة والخارجة على القانون خلال العام الأول من الحرب الكارثية ما يزيد عن 22،700 مليار دولار أميركي، وهو الأعلى في تاريخ دعمها لإسرائيل منذ عام 1959.
ورغم كل العقوبات الحكومية الإسرائيلية ضد صحيفة "هآرتس" وناشرها عاموس شوكين، الا انها وناشرها ستبقى الصحيفة الموضوعية والأكثر جرأة ومهنية في مواقفها من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لأنها تحاكي وتتماثل مع روح القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وبمطالبة شوكين فرض عقوبات على إسرائيل لإلزامها بالاعتراف بالحقوق السياسية والقانونية للشعب الفلسطيني، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من أراضي دولة فلسطين المحتلة، ومنحها استقلالها وسيادتها على أراضيها كافة وفي طليعتها عاصمتها القدس الشرقية، واقراره بان المناضلين الفلسطينيين، هم مناضلون من اجل الحرية الاستقلال والكرامة الإنسانية، يكون الناشر الصوت الواعي والايجابي في مجتمع غارق حتى اذنيه في متاهة الموت والابادة الجماعية، ومحفز للأصوات المرتجفة من التعبير عن ذاتها، ورفع صوتها عاليا، لأن الخطر الداهم على المجتمع الإسرائيلي ستكون كارثية أيضا، إن لم يستيقظ أصحاب الرأي الآخر في اسرائيل