الهدنة المحتملة بين أستمرار الحرب والحصاد السياسي
الكاتب: مروان أميل طوباسي
المبادرة المصرية الحالية تشكل نقطة مفصلية وسط تعقيدات الأوضاع وتضارب المصالح بين الأطراف المعنية ، صفقة باعتقادي لن ترى النور ، حيث نجد أن إسرائيل تواجه خلافات داخلية بشأن جدوى الدخول في صفقة مقابل خيار التصعيد العسكري. هذه الخلافات تبرز بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، حيث يظهر نتنياهو ترددًا في الالتزام بتسوية شاملة ويرى بالتصعيد المستدام كوسيلة ضغط إضافية ، مفاوضات تحت النار بافضل الأحوال وفق ما جاء بخطابه بالكنيست امس الذي قرر العداء الكامل مع وكالة الغوث في انتهاك اضافي للقرارات الأممية التي لا تكترث لها اسرائيل ، في حين يميل غالانت للموافقة على صفقة مؤقتة تهدف لاحتواء الأوضاع المتوترة وتعثر رؤيتهم بالحصاد السياسي سوى من التدمير والأبادة .
على جانب آخر، نلاحظ أن موقف حماس ثابت رغم ما ظهر من تباين بالتصريحات ، إذ تشترط وقفا كاملأ لإطلاق النار وانسحابا إسرائيليا قبل الخوض في أي اتفاق، وهذا شرط يضع ضغطا إضافيا على الوسطاء ويعقّد المفاوضات ، لكنه يربط الصفقة بإنجاز قد يتحقق على الأرض من ضرورة انسحاب قوات الاحتلال ويخفف من الماساة الانسانية المتصاعدة خاصة بشمال غزة من الجرائم والمحارق ، فلا معنى برأيي من الهدنة بالشروط الاسرائيلية التي أعلنها نتنياهو لأهل غزة العزة ، الا انهم أدرى بشعابهم مني .
بالنسبة للموقف الأمريكي والقطري ، فإنه يبدو أن هناك انحيازا أمريكيا للتصعيد، إذ يرى الأمريكيون أن الضغط العسكري على حماس وحزب الله قد يحقق أهدافهم الإقليمية ويوفر لإسرائيل مساحة مناورة أوسع خاصة في شأن اقامة مناطق عازلة . قطر من جهتها، تُظهر اهتماما واضحا بدور الوساطة وتدعو لتفاهمات تضمن وقف التصعيد، لكنها تدرك حدود تأثيرها في ظل الموقف الأمريكي .
أما في حال حدوث رد إيراني على ما قامت به اسرائيل من اعتداء قبل يومين ، فإنه سيؤدي بلا شك إلى تلاشي أي حديث عن صفقة أو تهدئة ، لأن الرد الإيراني من شأنه أن يوسع دائرة الحرب بشكل كبير ويضع المنطقة على شفا مواجهة إقليمية شاملة سببها دولة الأحتلال . حزب الله بدوره، سيكون موقفه متناغما مع القرار الإيراني، إذ يرتبط دوره الاستراتيجي بالتحالفات الإقليمية وقرارات إيران التي تسعى لتعزيز مكانتها كلاعب مقرر في مستقبل المنطقة وتحصيل افضل الشروط حول مسالة ملفها النووي . ولذلك فمن المرجح أن يبادر الحزب بتصعيد اكبر ضد إسرائيل في حال حدوث رد إيراني رغم ما تعرض له من ضربات موجعة لكنها لم تعزله كما سعت اسرائيل لذلك .
بناءً على هذه المعطيات، يمكن القول إن احتمالية التوصل إلى صفقة تتراجع كلما زاد التصعيد وتعنت نتنياهو العقائدي والسياسي التوسعي ، فيما يبقى القرار النهائي لهم مرهونا بمدى استعداد الأطراف المعنية لتحمل كلفة المواجهة الشاملة ومسار حرب الاستنزاف ، وتحديات حسابات الأطراف المختلفة في ظل تصاعد الخلافات الداخلية والتضاربات في المواقف.
من جانب اخر ، فأن الانتخابات الأمريكية القريبة المقبلة تشكل عاملًا مؤثرا في مواقف نتنياهو وتوجهاته الذي لا يرغب باضافة نقاط لصالح كاميلا هاريس بمراهنته على فوز دونالد ترامب ، الذي يُتوقع أن يتخذ مواقف أكثر تشددا ودعما لإسرائيل لأسباب اهمها عقائدية ، بالمقارنة مع سياسة إدارة بايدن-هاريس التي تُظهر بعض التردد في دعم سياسات نتنياهو المتشددة بشكل مطلق لأسباب براغماتية تتعلق بمصالح الولايات المتحدة حول رؤية الشرق الاوسط الجديد ومواجهة تنامي النفوذ الصيني والروسي ، في وقت تشتد به المنافسة الى حد تساوي الاصوات المتوقعة بين هاريس وترامب رغم مسؤولية الإدارة الحالية عن ما يجري من إبادة واقتلاع وجرائم الذي لن يختلف لاحقا بغض النظر عن النتيجة .
وبالتالي، قد يسعى نتنياهو إلى كسب الوقت وتأجيل أي تحرك استراتيجي كبير حتى نتائج الانتخابات الأمريكية على أمل أن يتمكن ترامب من تقديم دعم أوسع يعزز موقفه ويقلل من الضغوط الدولية عليه من جهة ، ومن التخلص من ضغوط وزير دفاعه جالانت الذي يصف الحرب بانها باتت دون اهداف .
ومع ذلك، فإن هذا الانتظار يحمل في طياته مخاطر كبيرة لإسرائيل، لا سيما مع تزايد الخسائر الإسرائيلية البشرية والمادية غير المسبوقة في تاريخ دولة الأحتلال ، مما يضع نتنياهو تحت ضغط داخلي، خصوصا مع تزايد المخاوف لدى الجمهور الإسرائيلي من استمرار الحرب لفترة أطول وتكبد المزيد من الخسائر الذي لم يعتاد عليه المجتمع الاسرائيلي من جهة ، وخوفا من تأثيرات دولية على إسرائيل تجاه موقفها من استمرار الحرب ومن رفض اقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة والمتواصلة جغرافيا كوحدة واحدة على كل الاراضي المحتلة عام ١٩٦٧ كجزء من الحقوق غير القابلة للتصرف لشعبنا الفلسطيني ، الامر الذي يشكل جذر المشكلة والصراع بالشرق الاوسط .
أما عن الموقف الروسي، فإنه معقد بسبب وجود أسرى يحملون الجنسية الروسية كما الإسرائيلية بين المحتجزين لدى حماس . من المتوقع أن تستخدم روسيا هذه الورقة لممارسة ضغوط دبلوماسية على إسرائيل، وربما توجيه الانتقادات لتعزيز موقفها في المنطقة كوسيط محايد يراعي حقوق مواطنيها . كما أن روسيا، في ظل سياستها الحالية، تميل إلى تقليل النفوذ الأمريكي وتعزيز تحالفاتها في الشرق الأوسط، ومن المحتمل أن تستغل الأزمة لتقوية علاقتها مع دول مثل إيران وتركيا والسعودية ، مما يجعلها أكثر ميلًا لدعم تهدئة تخدم مصالحها وتحفظ ماء الوجه لحلفائها في المنطقة خاصة وانها تتبنى مواقف مؤيدة لحقوق شعبنا الفلسطيني .
الصين أيضا، وإن كانت تتبنى سياسة عدم التدخل المباشر ، رغم انها تقف الى جانب حقوق شعبنا وفي معاداة الأحتلال وسياساته بشكل واضح ، فهي تظهر دعما ضمنيًا للاستقرار الإقليمي من خلال مواقفها السياسية وخاصة لمصلحة مشروعها الحزام والطريق وتقليل التأثير الأمريكي ، وقد يكون لها دور مؤثر في الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لأحتواء التصعيد.
في ظل هذا المشهد المعقد، قد نشهد تكتيكات محدودة من الأطراف المختلفة للحفاظ على مواقفها وانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية . إلا أن التصعيد سيظل محتملا خاصة إذا واجهت إسرائيل ضغوطا داخلية كبيرة أو إذا شعرت أطراف إقليمية وخاصة اسرائيل بضرورة فرض معادلات جديدة على الأرض وفق ما يجري بغزة وجنوب لبنان من جرائم الاقتلاع والارض المحروقة لضمان مصالحها الاستراتيجية وخاصة المناطق العازلة وتوسيع حدودها قبل أي تحولات سياسية في واشنطن أو المحتملة في تل أبيب.