مصيدة الانتصارات الوهمية
الكاتب: د. محمد عودة
امام عجز نتنياهو عن تحقيق أي من أهدافه المعلنة كعدم قدرته على تلبية رغبات ذوي المختطفين في استعادتهم احياء، ثم عدم تمكنه من إعادة المهجرين سواء الى مغتصبات غلاف غزة او الى المغتصبات على الحدود الشمالية، اما الأهم من بين هذه الأهداف هو عدم تمكنه من القضاء على حماس في غزة ولا على حزب الله في لبنان او حتى ابعاد الحزب الى ما بعد الليطاني.
لقد عمدت حكومة إسرائيل الى اغتيالات بالجملة في حزب الله وحماس وعلى اعلى المستويات ضمن الدمج بين الحرب النفسية وحرب الإبادة من اجل تسويقها على انها انتصارات حتى وان كانت وهمية فان لم تنهي فصائل المقاومة فإنها ربما تجر المنطقة الى حرب إقليمية يجد الغرب نفسه مضطرا لخوضها وخاصة شريكة اسرائيل في العدوان أمريكا وفي اقل الحالات هزيمة نفسية لجمهور المقاومة.
نتنياهو لن يتوانى في البحث عن مخارج تنقذه من أزمته الداخلية وتتويجه ملك إسرائيل الأوحد، وأحد هذه المخارج افتعال معركة مع الحقلة الأخطر لكنها الأضعف عبر جر السلطة الوطنية وأجهزتها الى مواجهة مفتوحة ومباشرة مع المستوطنين والجيش، الخطط موجودة والمبررات أيضا.
قبل السابع من أكتوبر بكثير عملت الحكومة الإسرائيلية على تقويض السلطة وكحد أدني انهاكها واضعافها كذريعة لإعادة احتلال الضفة الغربية المحتلة أصلا وربما ضمها لاحقا، لقد استخدم نتنياهو كل الادوات بما فيها المبعوث الاممي تور وينسلاند لإيجاد بدائل وان تعذر منافسين للسلطة الوطنية من خلال تجنيد عملاء يتعاملون بشكل مباشر مع الإدارة المدنية. ولتحقيق الغرض عمد الى هجمات عسكرية تركزت في شمال الضفة الغربية أظهرت من خلالها عجز السلطة الفلسطينية عن حماية مواطنيها حتى في المناطق المصنفة(A).
من جهة أخرى عمدت وزارة المالية الإسرائيلية الى قرصنة أموال المقاصة مما اظهر السلطة امام الشعب وخاصة امام موظفيها عاجزة عن توفير حياة كريمة خاصة وان الاقتصاد الفلسطيني يعتمد على الرواتب بنسبة كبيرة. كل ذلك سعيا لان يقبل الشعب الفلسطيني أي بديل حتى لو كان الاحتلال نفسه.
ترى الحكومة اليمينية انها عبر كل الإجراءات السالف ذكرها تحقق هدفين استراتيجيين على المديين القريب توفير حبل نجاة لنتنياهو والمتوسط اجراء اختبار تجريبي لإمكانية تهجير الجزء الأكبر من سكان فلسطين وان تعذر ابادتهم تجسيدا لما ورد في الاصحاح العشرين من سفر التثنية وتحقيقا لما جاء في كتابه مكان بين الأمم، تهجير سكان الضفة الى الأردن وسكان غزة الى سيناء. ينسجم هذا الطرح أيضا مع خطة الحسم التي تدعو الى التهجير الطوعي وان فشل فالتهجير بالقوة كما ان خطط نتنياهو وسموترتش لا تبتعدان كثيرا عن صفقة القرن وهذا ما يبرر انخراط الولايات المتحدة المباشر في العدوان.
ومن اجل ان لا نفقد البوصلة يجب التحلي بالموضوعية وعدم الشعور بالإحباط فانتصارات نتنياهو وهمية، كما يجب عدم الشعور بالنشوة بخصوص دور وقدرات المقاومة التي تعمد الجزيرة الى تهويلها.
امام كل ذلك ما هو المتاح فلسطينيا لإفشال المخطط؟ وفي الوقت نفسه توفير مقومات الصمود للمواطن وحمايته عبر إيجاد سبل انفكاك الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي وتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال برامج تنمية مستدامة وفي كل المجالات إضافة الى تقليص النفقات وتوفير مخزون كافي من المواد الأساسية خاصة الدقيق والمعلبات والوقود والغاز إضافة الى تعزيز مراكزنا الصحية ومستشفياتنا بالمستلزمات والأدوية الضرورية وبشكل يقلص مركزية التوزيع ويتيح استقلالية التعامل مع المخزون في حال أقدمت إسرائيل على اغلاق الطرق بين المدن والقرى والمخيمات..
ضرورة عدم الانزلاق الى مربع العنف الذي يبحث عنه نتنياهو والاستعاضة عنه بمقاومة سلمية مستدامه وشامله؟ بمعني العمل سريعا على تفعيل لجان الحماية والتي مهمتها منع المستوطنين من الاستفراد باي قرية مهما كانت صغيرة.
ضرورة استثمار الحراك الشعبي في دول الغرب لإلزام المؤسسات الدولية بتوفير حماية حقيقية للشعب الفلسطيني على قاعدة قرارات الشرعية الدولية وإلزام إسرائيل بوقف عدوانها على فلسطين سواءً في غزة او الضفة الغربية والعمل مع كل الأطراف الدولية على حشد الإمكانيات المادية لإعادة إعمار الدمار المادي والنفسي الذي خلفهما العدوان ولا زال في غزة.
ضرورة مطالبة جامعة الدول العربية بالاضطلاع بدورها وكحد أدني تفعيل شبكة الأمان التي توفر الحياة الكريمة للمواطن الفلسطيني، كما ان على جامعة الدول العربية استعمال أدوات الضغط المتوفرة لديها لاستصدار قرار من مجلس الامن يعترف بفلسطين دولة تحت الاحتلال وإلزام إسرائيل بإنهاء احتلالها لفلسطين والاراضي العربية الأخرى تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة والتوقف عن العبث بأمن واستقرار المنطقة والعالم.
وفي الختام مطلوب استثمار كل ما هو متاح من مؤسسات الأمم المتحدة خاصة محكمتي العدل والجنايات لمحاسبة الكيان دولةً وأفراداً على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بما فيها جريمة الإبادة الجماعية، اضافةً الى وضع حد لمشاريع إسرائيل في التوسع على حساب الدول المجاورة والتي لا يتوانى قادة إسرائيل في طرحها حتى من على منصة الأمم المتحدة.