لنأت بهم"!
الكاتب: موفق مطر
قدم رئيس الشعب الفلسطيني أبو مازن رواية ورؤية الشعب الفلسطيني صاحب الأرض (فلسطين)، وصانع زمانها (تاريخها) للسلام، ومنح العالم احسن صور التمدن الانساني الحضاري، عندما ترجم اخلاقيات هذا الشعب وثقافته في تقديس روح ونفس الانسان، وبث منطق ومبدأ الحياة الكريمة في وطن الحرية والاستقلال، ورفض تقديس سفك الدماء والارهاب من أي جهة كانت، لكن المنظومة العنصرية الدخيلة بمكوناتها الفطرية السامة على جذور الانسانية عموما والعربية الفلسطينية خصوصا رفضت ومازالت ترفض الانخراط بتطبيق حل الدولتين الذي قررته الشرعية الدولية ذاتها التي منحت اسرائيل (شهادة انشاء مؤقتة)، وهي ذاتها التي لا تعترف حكومة الصهيونية الدينية بقراراتها، ولا تأخذ قوانينها بأدنى نظرة اعتبار! ومن المفيد هنا الاستشهاد بقول الرئيس الفرنسي ماكرون قبل خمسة ايام تعليقا على استهداف جيش الاحتلال الاسرائيلي لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان:"على السيد نتنياهو ألا ينسى ان اسرائيل انشئت بقرار من الامم المتحدة".. وربما يقصد تذكيره بعبارة "لنأت" في وثيقة كامبل، التي كانت (فرنسا الاستعمارية) صاغتها مع مثيلاتها الكبرى آنذاك، وهذا ما نحسبه إقرارا بخطيئة وجريمة الدول الاستعمارية بحق الشعب الفلسطيني، نبني عليها لانتزاع اعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية قبل أن يرتد (المُستخدَم) عليهم، ويدمر مصالحهم هنا في المنطقة وفي بلادهم ايضا.
قد يستريح الباحثون في مضمون وشكل اليوم التالي لانتهاء حملة الابادة الاستعمارية الصهيونية على الشعب الفلسطيني إذا اقتنعوا أنه لن يكون إلا فلسطينيا، واقتنعوا باستحالة اجتثاث جذور هذا الشعب الممتدة في اعماق الزمان والمكان (التاريخ والأرض) اذ يستحيل على من اتى من خارج زمان وارض فلسطين والمنطقة الحضارية أن يقرر مصير شعب وأرض وطنه كان ومازال فصلا رئيسا في كتاب الحضارة الانسانية، بل زد عليها عنوانا لهذا الكتاب ..فنحن على يقين باستحالة تمرير قرارات منظومة احتلال واستعمار استيطاني عنصري – رغم اختلال توازن القوى لصالحه، وتحديدا في بند القوة العسكرية والاقتصادية والغطاء السياسي المتكفل بتغطية جرائم حرب ساستها وأركان جيشها، والجرائم ضد الانسانية التي ليس بمقدور الدعاية والسياسة المضادة للحق الفلسطيني التي ترعاها واشنطن من تغطيتها، فمنظومة الاحتلال ( دولة اسرائيل ) المستنبتة على طريقة التوليد الصناعي (الأنابيب ) انشئت بذرتها بقرار من قادة دول استعمارية ظلوا ثلاث سنوات يبحثون في كيفية ضمان السيطرة على شعوب شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط العربية وفي القلب منها فلسطين، حتى توصلوا للنتيجة وثبتوها في وثيقة كامبل سنة 1905، عندما كتبوا في وثيقتهم :" لنأت بمجموعات سكانية صديقة لنا ونزرعهم في منطقة شرق قناة السويس" أي في فلسطين، وفي هذه الكلمة يكمن سر اسرائيل، الذي يعرفه رؤساء وملوك الدول الاستعمارية، وتوارثه كل من تبعهم على كراسي الحكم في الإمبراطوريات والدول الاستعمارية، حتى رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية يدركون هذا السر رغم أنهم لم يكونوا مشاركين في اجتماعات الألف يوم التي في نهايتها قرروا ( لنأت بيهود اصدقاء لنا الى فلسطين ) أما اهدافهم فيمكن للقارئ الكريم الاطلاع على تفاصيلها في مضمون ( وثيقة كامبل) لكنه يستطيع قراءة اهداف المستعمرين الكبار بما فعلته وتفعله اسرائيل في فلسطين والدول العربية القريبة والبعيدة، وكيف جسدت حكومات الصهيونية السياسية والدينية على حد سواء الكثير فيما يخص تأجيج الصراعات والحروب الداخلية العربية المذهبية والطائفية، وابقاء الدول العربية في حالة حروب تستنزف طاقاتها وثرواتها وقدراتها، وتبقيها في حالة انعدام توازن، لمنعها من بلوغ تنمية متكاملة، وفق رؤية متنورة متقدمة .
انشئت اسرائيل وفرضت على مؤسسات الشرعية الدولية لكنها بقيت " دولة ناقصة " لعدم وفاء ساستها بتعهداتهم المكتوبة التي قدموها بضمانة أمريكية، ومنها الاقرار والاعتراف بدولة عربية فلسطينية، قررتها الشرعية الدولية كحل في 29 تشرين الثاني سنة 1947 وجسدته بقرار التقسيم 181 . لكن المتعهد ( المُستخدَمْ ) بقي خارج المساءلة، متمردا كالابن العاق بحماية الضامن ( المُستَخدِم ) الذي مازال حتى الساعة يمنحه كل اسباب القوة التي تمكنه من البقاء كمنظومة خادمة للنظام الاستعماري القديم منه والحديث، أما الدعم الأقوى فيتجلى في الحفاظ على مكانة هذه المنظومة ( اسرائيل ) في اطار منظمات الشرعية الدولية ومنها الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي كان يجب سحب اعترافها بإسرائيل لعدم التزامها ووفائها بتعهداتها، وتمردها على المبادئ الانسانية التي التقت عليها الأمم والشعوب في هذه المنظمة الأممية، والأفظع احراق كل قراراتها وقوانينها وشرائعها بلهيب حروب اصطنعتها، ومجازر ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل وآخرها حملة الابادة الدموية التدميرية البالغة ذروتها في قطاع غزة، أما قوانينها العنصرية بحق اكثر من مليوني فلسطيني ظلوا في مدنهم وبلداتهم وقراهم، ولم يهجروها خلال وبعد حرب 1948، فهي الدليل الساطع على تأصل العنصرية المشتقة من التعاليم التلمودية التي لطالما حاولت الصهيونية السياسية اخفاءها وراء يافطات الديمقراطية وتمثيل اسرائيل لقيم الغرب، وفي الوجه الآخر للحقيقة جماعات وتنظيمات المستوطنين الارهابية، المستقوية بهذه المرجعية التلمودية .